صحيفة المثقف

الاسلام السياسي واثاره السلبية في المجتمع

مهدي الصافيمنذ القدم ارتبط الدين الاسطوري بالسياسة او الحكم، الاله (رجل وامراة) بمختلف مسمياتها وانواعها هي حاجة طبيعة لحياة المجتمعات البدائية، الارض والشمس والقمر والنجوم، والاشياء العظيمة في نظر الانسان، ثم جاءت مرحلة بعث الانبياء والرسل وورثتهم، كل تلك المراحل تركت اثرا سلبيا بتراث المجتمعات الانسانية، فالايجابيات يبدوا انها وقتية، تنتهي بنهاية الحاجة اليها ولهذا يرجع

 (او يرتد كما يأتي في تعريف الاديان) الانسان الى طبيعته الاولى، ومايورث للناس هي افكار واراء واجتهادات الاشخاص (مايسمى ورثة الانبياء والرسل من الكهنة والاحبار والفقهاء ومراجع الدين)، وطرق واساليب وعبادات شعبية جماعية، هذه الصور الكبيرة (الاساطيرالعظيمة) المتوارثة كما قلنا عن الاديان الشعبية هي عبارة عن سلسلة متواصلة من التضخيم الديني الاسطوري المستمر عبر قرون، وتلك ظاهرة عامة تخفت وتتوهج حسب الظروف والبيئة المحيطة بالمجتمع، الا انها لاتموت مطلقا لحاجة الانسان الروحية للافكار والاطروحات الدينية الدائمة، الازمات والمشاكل والاثار السلبية ليست في الاديان او الموروثات الاجتماعية، انما بجبال االتراث المقدس، التي كانت تحجب الرؤيا لفترات او لقرون طويلا عن الناس، رؤية حقيقة الاديان وماحصل لها من التدليس والكذب والتزوير والانحراف، حيث يصبح رجل الدين اوالفقيه او الحاكم المسلم الفاسد اله ارضي معصوم في كثير من الاحيان، تحت ابواب جاء في الروايات...او تذكر المرويات..او ورد حديث قدسي، تسرق الحقوق الشرعية على سبيل المثال (الزكاة والخمس وبقية الصدقات والهدايا) علنا وتوزع على الابناء والاصهار والحفدة، ويسكت الاسلام السياسي (الاسلام الحركي او المذاهب والطوائف المتحالفة والمتواطئة مع الانظمة السياسية) عن الفساد السياسي والمالي، بل تنقلب الفتاوى حسب الرغبات (والدفعات المالية) الى النقيض من الحقائق الشرعية والادلة القرانية (كم يفعل شيوخ الفتن الوهابية والسلفية هذه الايام بشيطنة ايران والشيعة على حساب القضية الفلسطينية)،

حيث يكون امبراطور الاديان (الاله الاسطوري) متواضعا فقيرا ظاهرا، لكنه ينام على ثروات طائلة وطاعة اجتماعية عمياء له ولما يقوله، تصل قوة هذه السيطرة الكاملة تقريبا (التي يتمتع بها بعض رجال الدين على عقول العامة )

من انها تستخدم الانسان المسلم كما تشاء، تسلبه عقله وروحه وماله، تحت عناوين وفتاوى وايات مقدسة، تدخله الجحيم في الارض ان رفضها، وتبعثه الى الجنة اذا مات في سبيلها (فتاوى الموت في الاديان السماوية والارضية كفتاوى الجهاد في الاسلام)، هذا الكلام بالطبع لايشمل الحالات الانسانية الاخلاقية الضرورية كالدفاع عن العرض والارض والمال، الذي يحتاج فيها الانسان الى كل الموروثات والشعارات والافتاءات والافكار الحماسية المطلوبة لتحقيق النصر، الا ان اكبر الحروب العالمية (كانت الحروب القديمة حروب من اجل الثروات، ثم اصبحت حروب دينية، وحديثا اصبحت لادينية تقريبا كالحرب العالمية الاولى والثانية)

لم يكن للاديان اي تأثير كبير فيها، انما كانت حروب من اجل اثبات الوجود والهيمنه ورد الاعتبارات الدولية، فمايدفع الناس الى القتال او خوض الحروب والدفاع عن الاوطان هي الضرورة، لاتخلوا من يكون جزء منها غريزة طبيعية كالدفاع عن النفس، واحيانا تشمل دوافع الاعراف والعادات القبلية او الاثنية او المادة او الخلاص من الاعداء بدفع الاذى والشر او حتى من اجل بسط التفوذ والسيطرة، ليس دائما يكون الدين هو العامل الحاسم فيها.....

الاثار السلبية للاسلام السياسي (اي ليس فقط الحركي انما الذي سار ايضا مع السياسة منذ وفاة النبي محمد ص واصبح اداة سياسية مؤثرة) في الحكم تبدأ من اعتباره خطأ يمثل الحالة الاخلاقية او الحاجة الانسانية او الضرورة المثالية الاخيرة عند المجتمعات المسلمة، التي ان فشلت فشل معها الدين والمجتمع، ولهذا تجد انتشار ظاهرة الالحاد والانتحارواليأس والاحباط عند شريحة واسعة من الشباب، وفئات اجتماعية كثيرة، ظهرت بعد انتصار الثورة الاسلامية الايرانية١٩٧٩، وتصاعد قوة الاسلام السياسي، وماحصل بعد سقوط نظام صدام٢٠٠٣، وتجربة الاسلام السياسي في الحكم في بغداد، وانطلاق شرارة الربيع العربي، وكذلك تجربة حكم الاخوان في مصر الفاشلة،

هي بالتأكيد تمثل خلل اجتماعي واضح غالبا مايكون خلل عقائدي، وكذلك اضطراب او ارتباك وتشابك وتداخل في القناعات والاجتهادات والافكار (تتأثر بثقافة وطبيعة النظام السياسي، بالتراث البدوي او القبلي والعشائري او الطائفي والاثني، بالحضارات والافكار والايديولوجيات الحديثة، وبالاديان، الظروف الاجتماعية والازمات النفسية، الخ.)،

من هنا يقال ان اصلاح المجتمعات يبدأ بأصلاح العقائد او النظريات السياسية والثقافية او القناعات الاجتماعية، فنجاح الانظمة العلمانية في ادارة وتطوير المجتمعات المتحضرة، كانت عبر الاستيعاب الشامل (استيعاب الاديان والعقائد والافكار لكن داخل اطار منظومة القيم الاخلاقية الرسمية لدولة المؤسسات) المقنن، مع انها تراجعت حضاريا بعد نهاية الحرب الباردةبعودة اليمين المتطرف تدريجيا الى الواجهة السياسية، كما في امريكا (عهد بوش الاب والابن) واوربا، وهذا خرق كبير لمبادئ الدول الديمقراطية العلمانية، الا انها سمحت به لاسباب عديدة، بعد ان سيطر رجال المال والاعمال على السياسة والاعلام هناك،

فتحولت تلك الدول الى ماهو اشبه بنظام الديمقراطية الرأسمالية البشعة (حكم طبقة النبلاء الحديثة)، اضافة الى عودة النبرات والتوجهات العنصرية الاستعلائية الاستعمارية للسيطرة والهيمنة على مصادر الطاقة وحركة التجارة الدولية في العالم، فهناك كما يبدوا مدرستين بارزتين في العالم، الاولى هي من تدعوا الى الاندماج التجاري اولاقتصادي والثقافي الالكتروني العالمي (طريق الحرير الصيني، الاتحاد الاوربي، والحوار او الجدل الالماني حول اعتبار الاسلام جزء من الامة الالمانية، وملفات حقوق الانسان والحريات العامة، الخ.)، والاخرى لازالت

تؤمن بصراع او صدام الحضارات او الامبراطوريات والاقطاب وقوى الهيمنة العالمية، وتبحث عن شتى الوسائل والسبل الكفيلة بالحفاظ على كرسي العرش الدولي بأي ثمن (القرن الامريكي الجديد) ...

اين تبدأ حدود الاديان واين تنتهي؟

نعتقد ان الحضارة الالكترونية وعلوم الفضاء الخارجي اجابت على تلك الاسئلة، تنتهي عند حدود العقل والمنطق والعلم والمعرفة، اي تنتهي بعد نهاية الوحي في الاديان السماوية، ففي الاسلام خاتم الاديان والنبوة السماوية انتهى دور الدين المقدس وعاد الناس الى طبيعتهم الاجتماعية، فالقران الكريم كتاب معرفة وعلم سماوي ارضي، فتح طريق جديد للحياة الامنة المستقرة، طريق المدينة الفاضلة نسبيا، وليس طريق التطرف والتشدد والارهاب والتكفير والفتاوى، فماحصل بعد وفاة النبي محمد ص لايكاد يخرج عن اطار طبيعة وثقافة وتراث تلك المجتمعات القبلية المتخلفة، وبالتالي استخدم الدين للتبرير والتنفيذ والاستدلال والتشريع ومن ثم الحكم المطلق، ولكنه يبقى داخل منظومة الاراء والاجتهادات الشخصية، لايمكن ان تكون سنة او ثالوث مقدس

 (القران والسنة النبوية وسنة الصحابة او الخلفاء والائمة) ملزمة للمسلم، لكنها اصبحت بمرور الزمن سنة دمرت بلاد المسلمين، وعطلت حياتهم وشوهتها واخرجتها عن سياقها الفطري الطبيعي، فصارت الامم والشعوب تتقدم في جميع المجالات، وتلحق بالركب الحضاري الانساني العالمي، بينما يراوح المسلمون في دائرة الاختلافات المذهبية والطائفية وشريعة او قيود المستحدث من فتاوى الحلال والحرام وتكفير المخالف، تأخذهم الفتاوى شمالا وجنوبا وفي كل الاتجاهات، وهي تتلاعب بمستقبل الشعوب المسلمة، وتضر بمصالحهم ووحدتهم الوطنية (يستثنى بالطبع كما قلنا التوظيف الديني المطلوب في المعارك والحروب الدفاعية المصيرية ) .....

الحلول في مثل هكذا مجتمعات مغلقة دينيا او طائفيا وقبليا تكاد تكون مستحيلة او معقدة وصعبة جدا، وبالذات عندما يكون نظام الدولة السياسي قائم على تلك الاسس والتناقضات الاجتماعية والدينية او الاثنية (كما حصل في العراق اذ اعتمد نظام انتخابي نيابي فاشل رسخ حكم الطائفة عبر المحاصصة والتوافق، وكذلك سلطة القبيلة او العشيرة في الدولة بجعل المحافظات دائرة انتخابية واحد)،

الا اننا نؤكد على حقيقة ان تراث المذاهب والطوائف والاثنيات اصبح عبارة عن ثقافة ثقيلة اوعقيمة ميتة، لايمكنها ان تنتج او تتواصل مع متطلبات الحياة العصرية المدنية المتحضرة، وهي في طريقها للتأكل والانهيار الداخلي، كالانظمة الدكتاتورية التي انهارت كلعبة الدومينو واحد بعد الاخر،

بعد كل هذه التجارب السياسية الفاشلة المتوارثة من عهد مايسمى بالخلفاء الراشدين وحتى يومنا هذا، مما يعطي مؤشرا واحدا لاغير من ان الاديان اذا دخلت السياسة فسدت، وتصبح مصنعا للتخلف والفتن والحروب الازمات الطائفية، ولهذا لابد ان يقدم الاسلام الحديث على انه دين بلا مذاهب، انما فيه مدارس وفقهاء ورجال دين واجتهادات وفتاوى واراء وتفاسير قرانية متعددة، يمكن للمسلم ان يبحث الكترونيا عنها لايجاد الفتوى التي تلائمه ان عجز عقله عن الفهم والادراك، علما ان الحلال والحرام بين، الا ان الذي لايراه كذلك فهو اما جاهل بتعمد الجهل وهو مذنب بجميع الاديان والانظمة والقوانين والاعراف الاجتماعية (المغفل جاهل يبقى بلا حماية)، او منافق او انتهازي او فاسد يبحث عن فتاوى استثنائية خاصة به (كفتاوى سرقة المال العام الذي يسمى في عرف الفاسدين مجهول المالك، او الفحوى والحيل الشرعية، والطرق الملتوية الاخرى) ...

تبقى الاديان السماوية المعتدلة جزء مهم من المنظومة الاخلاقية الانسانية المتحضرة العامة، ليس لها سلطان على عقول او قلوب الناس الا من باب الموعظة الحسنة والتذكير والنصح العقلي المنطقي، فالايمان بالله عزوجل ايمان فطري عقلي علمي منطقي شخصي روحي لايورث، ليس بحاجة الى وكلاء في الارض يقومون بتلك المهمة نيابة الناس.....

 

مهدي الصافي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم