صحيفة المثقف

بروميثيوس

محمد صالح الغريسيشعر: لويز آكرمان

تعريب: محمد الصالح الغريسي

***

"اضربني مجدّدا "جوبيتير"، أخزني،

شوّه العدوّ المجندل الضّعيف الّذي تعلم !

أن تسحقني لا يعني أنّك تنتصر،

و الصّاعقة الّتي لا طائل من ورائها،

سوف تنطفئ في دمي،

*

قبل أن تتمكّن من ترويض الفكرة البطوليّة،

الّتي تجعل من رجل " التّيتان" الشّيخ، ثائرا إلهيّا،

فهي الّتي شجّعتك، أنت وغيظك الأحمق؛

لم ترسخ فوق تلك الجبال سوى صورة زائفة، لا تسمن ولا تغني من جوع.

سوف لن تسلّط ضرباتك إلاّ على قليل من الطّين؛

ستفلت من غضبك روح "بروميثيوس"

حرّة من روابط هذا الجسد الهشّ.

*

تحت مخلب نسر ما فتئ ينهشني بلا توقّف،

ثمّة حبّ خفيّ ما يزال يخفق في أشلاء قلبي الممزّق.

*

إذا كانت هذه القمم المعزولة الّتي تحاصرها العاصفة،

قد شهدت على معطفها الثّلجيّ دموعا لم تكن عيناي أحيانا قادرة على كبحها،

و أنت تعرف ذلك، فرغم الصخور الرّاسية والأسوار الرّاسخة، لم أشعر إلاّ وأنا أرتجف من الرّعب.

كانت دموعي تصدر من أحشائي، والإشفاق هو ما كان يدفعها إلى التّدفق.

*

لم يكن مجرّد استشهادي كافيا على الإطلاق، فهذان الجنبان العاريان، وهذا الصّدر الّذي مزّقته ذراع إلهيّة، هو ممتلئ شفقة على آخرين تعساء.

إنّي لأراهم ينخرطون في صراع أبديّ؛ فالصّورة المرعبة تكمن هنا؛ والشّرور الّتي ستنصبّ فوقهم، ماثلة رؤيتها أمام بؤبؤ العين.

هذا المشهد المفجع يلازمني وما ينفكّ يزعجني.

عذاب لا يغتفر يتوالد باستمرار، فنسري الحقيقيّ والوحيد هو التّفكير المرير، تفكير لا شيء يمكن أن يقتلعه من أصله البائس إلاّ حقدك المزروع في جسدهم وفي دمهم.

*

و مع ذلك فأنت من خلقت الإنسان يا "جوبيتير"؛

أنت من صوّرته .. أنت من شكّلته،

هذا الكائن الضعيف، العاجز، الأعزل الّذي

يرى الخطر والرّعب والعذاب في كلّ ما حوله،

و يغلق على نفسه في دائرة أيّامه الضيّقة،

يكبت نفسه ثمّ يجادل، ويجرح نفسه ثم يبكي حظّه.

كنت تعرف أيّ المصائب ستحلّ به حتما،

و تعرف أنّه كان ثمّة من ينازعه مكانه ومصدر رزقه،

و أنّ نفخة واحدة كانت كفيلة بقتله،

و أنّ الطّبيعة العمياء كانت ستدفنه في فتوره وعدم اكتراثه.

لقد عثرتُ عليه محشورا تحت بعض الصّخور الرّطبة،

أو زاحفا في الغابات، شبحا هزيلا خجولا،

لم يكن يسمع أينما حلّ، سوى الهدير والزّئير،

كان الجائع الوحيد، الحزين الوحيد في مأدبة الكائنات،

في أعماق المياه، في أعماق الأرياف دائم الارتجاف مخافة أن يطلع عليه أحد الأعداء.

*

لكن ما الأمر! بسبب هذا الشيء من حقدك الّذي لا يبلى،

فها أنا ذا برغم طيشي وحمقي ألين.

كنت أقدح الفكرة ثمّ ألقي الشّرارة في الظّلام الموحل الّذي عجنتَه.

فما من عمل كنتَ تصمّمُه، إلاّ وأَنْجَزْتُهُ.

كان عليّ وأنا ممتلئ أملا وجرأة في تطلّعاتي الرّحبة، أن أنهب السّماوات،

لأمنحه من ثمرات ما سرقته.

كنتُ كلّما أنجزتَ فتحا اختطفت منك النّار

و انتزعت من يديك طيفك الّذي كنت تجلّه.

أيّها الإله العظيم ! لقد انفجرت صاعقتك على رأسي في الوقت المناسب؛

 كانت محاولةُ اغتيال أخرى كافيةً ليتحرّر الإنسان !

*

هذا إذا هو ذنبي الفظيع العظيم.

المواساة، يا لها من جناية ! الإخلاص يا له من جريمة !

ما الأمر ! أكان عليّ أن أفتح للمضطهدين ذراعيّ المحرِّرَتين؟

كم أنا أحمق ! حين أندهش عندما تكفّر الرّحمة عن خطئها !

و مع ذلك فــ"بروميثيوس" .. نعم، هو نفس المذنب

الّذي لم يمض زمن طويل مذ كان يساعدك في الانتصار على " التّيتان".

لقد كنت إلى جانبك في هذا العراك السّاخن، ففي حين كانت نصائحي تقود المحاربين،

كانت ضرباتي تربك البيت المكلّل بالنّجوم.

لقد كان الأمر في تقديري يتعلّق بمصير الكون:

كنت أريد أن أقطع نهائيّا مع الآلهة المنحرفة.

*

كانت فترة سلطانك على وشك أن تفتح لي هذا العهد الهادئ الآمن،

الّذي كان قلبي هذا الّذي أحمله في صدري، يحيّيه بأمنياته.

 لم يكن للشّمس الرّائعة أثناء مرورها الأثيريّ، أن تضيء إلاّ على الكائنات السّعيدة.

لقد كان الرّعب يفرّ هاربا، مزيحا حجب العتمة الّتي كانت توشح ابتسامتك العطوف الغنيّة عن الذّكر،

و شبكة الحاجيات البائسة من البرونز، كانت تنكسر من تلقاء نفسها تحت أقدام سيّد محبّ عطوف.

كان كلّ شيء متوفّرا، من فرح وحبّ ونهضة وازدهار؛

فالله ذاته لم يكن سوى إشعاع من الطّيبة الخالصة ضمن القوّة المحضة.

*

يا أيّتها الشّهوات الخدّاعة ! يا حلما تبدّد !

إنّ العين ما تزال بعد مبهورة بمثل روائع هذا الحلم،

أن أجد نفسي أمام ظلم السّماء.

أمام إله أعمته الغرة، يضرب ويحقد،

فأقول في يأسي من الفزع :

 » من كان على كل شيء قدير، هو من أراد لنا الألم ! « 

*

لكن لا تنخدع قطّ بنفسك! فلن تراني مطلقا، أخضع على هذه الصخرة المنعزلة.

لقد غير الفكر الثّائر وجه الأرض،

و ها أنا منذ اليوم، قد اخترت من يرثني.

و سيواصل إنجاز ما بدأته، بالسّير على أثري،

ما دام مثلي، قد ولد ليضلّ ويشقى.

إنّي لأوصي من بعدي، بجرأتي لمن تحرّر من البشر،

ميراثا مقدّسا لا يبلى أبدا.

فالعقل يزداد متانة ورسوخا، والشكّ جاهز ليرى نور الحياة.

و البشر الفانون يقفون أمامهما، وقد يلغوا من الجرأة ما يجعلهم يسائلون أسيادهم،

و سيقولون لك على سبيل المثال:

لماذا يعانون هذا الشّقاء؟ ولماذا هذا الصّلف منك وهذا الحقد؟

نعم، إنّ القاضي الّذي سيحاكمك - ألا وهو الضمير الإنسانيّ؛ هو بانتظارك،

و لا يمكنه أن يغفر لك، ولكنّه قرّر أن يلغيك.

*

ها هو ذا المنتقم الموعود لنجدتي عند الضّيق !

آه ! يا له من نَفَسٍ قد وهبه الحبُّ نقاءً ومرحا،

سوف ينشرح قلبي يوم يكون أقلّ جرأة من كريم شهم،

فعوض أن يُوَجَّهَ إليه إصبع الاتّهام، فإنّ ضحيّتَك الموقّرةَ

سو ف تتبرّأ من مضطهدها!

و سوف ينبذ الإنسانُ طغاة البشر

و هو الّذي تحرّر من الإيمان كما لو كان حلما ثقيلا،

سوف لن يكون أبدا فريسة لرعب لا يهادن،

يتلوّى عند أعتاب مذابحك.

سوف يعتقد أنّ السّماء خاوية، وقد أنهكه أن يجد نفسه أصمّ.

إنّ الطّبيعة وهي تلقي عليك حجابا أبديّا رائعا،

قد حجبتك بعد عن نظره؛

و حين يتعلّق الأمر في المستقبل بأيّ إله، فسوف لن يكتشف في هذا الكون الّذي لا حدود له،

، سوى ثنائيّ أعمى كئيب، هما القوّة والصّدفة.

*

هيّا اظهر " جوبيتير"، ولتنفجر إذا وتتشظّ في وجه هذا الهارب الّذي أفلت من نيرك !

و هو يتخبّط في شقائه رافضا أن يرى يدك الإلهيّة، فسوف يدّعي أنّ سلطان القدر قد أصابه.

سوف يسقط دون خوف، دون شكوى، دون صلاة؛

و حين تمنح نسرك ورعدك؛

لتسمعه يو هو يطلق صرخة واحدة تنطق لك بالسبّ والتّجديف،

سوف يتمسّك بالصّمت: هذا الصّمت الهائل سوف يكون عقابا لك.

*

لن يتبقّى لك في امبراطوريّتك سواي، كي تثق في نفسك أكثر أيّها الإله المؤذي.

بل لتتيرّأْ من النّهار والهواء الّذي أتنفّسه،

 فما من قوّة وحيدة سوى قسوتك.

*

في هذه السّماء الصّافية، على هذه الارتفاغات الشّاهقة،

آه ! رأيت عن الفظائع والجرائم كثب ؛

لقد مضى عليّ زمن تحت ضرباتك، تألّمت فيه ونزفت كثيرا،

إنّ الشكّ لمستحيل في قلبي هذا المهان.

نعم ! ففي حين أنّ شيئا من الشرّ، من منجزات غضبك،

         سيتخلّى مستقبلا عن سبر المجهول،

يرسل شعلته بعيدا عن العقل البشريّ،

و حدي أنا، سأعلم كلمة سرّ هذا اللّغز الغامض،

و سأكون تحت وطأة التّعذيب، قد اعترفت أنّ إلها قد حلّ في جلاّدي.

 

لويز آكرمان

..........................

 

Prométhée

Louise Ackermann (1813-1890)

Recueil : Poésies philosophiques (1871(.

***

Frappe encor, Jupiter, accable-moi, mutile

L'ennemi terrassé que tu sais impuissant !

Écraser n'est pas vaincre, et ta foudre inutile

S'éteindra dans mon sang,

*

Avant d'avoir dompté l'héroïque pensée

Qui fait du vieux Titan un révolté divin ;

C'est elle qui te brave, et ta rage insensée

N'a cloué sur ces monts qu'un simulacre vain.

Tes coups n'auront porté que sur un peu d'argile ;

Libre dans les liens de cette chair fragile,

L'âme de Prométhée échappe à ta fureur.

Sous l'ongle du vautour qui sans fin me dévore,

Un invisible amour fait palpiter encore

Les lambeaux de mon cœur.

*

Si ces pics désolés que la tempête assiège

Ont vu couler parfois sur leur manteau de neige

Des larmes que mes yeux ne pouvaient retenir,

Vous le savez, rochers, immuables murailles

Que d'horreur cependant je sentais tressaillir,

La source de mes pleurs était dans mes entrailles ;

C'est la compassion qui les a fait jaillir.

*

Ce n'était point assez de mon propre martyre ;

Ces flancs ouverts, ce sein qu'un bras divin déchire

Est rempli de pitié pour d'autres malheureux.

Je les vois engager une lutte éternelle ;

L'image horrible est là ; j'ai devant la prunelle

La vision des maux qui vont fondre sur eux.

Ce spectacle navrant m'obsède et m'exaspère.

Supplice intolérable et toujours renaissant,

Mon vrai, mon seul vautour, c'est la pensée amère

Que rien n'arrachera ces germes de misère

Que ta haine a semés dans leur chair et leur sang.

*

Pourtant, ô Jupiter, l'homme est ta créature ;

C'est toi qui l'as conçu, c'est toi qui l'as formé,

Cet être déplorable, infirme, désarmé,

Pour qui tout est danger, épouvante, torture,

Qui, dans le cercle étroit de ses jours enfermé,

Étouffe et se débat, se blesse et se lamente.

Ah ! quand tu le jetas sur la terre inclémente,

Tu savais quels fléaux l'y devaient assaillir,

Qu'on lui disputerait sa place et sa pâture,

Qu'un souffle l'abattrait, que l'aveugle Nature

Dans son indifférence allait l'ensevelir.

Je l'ai trouvé blotti sous quelque roche humide,

Ou rampant dans les bois, spectre hâve et timide

Qui n'entendait partout que gronder et rugir,

Seul affamé, seul triste au grand banquet des êtres,

Du fond des eaux, du sein des profondeurs champêtres

Tremblant toujours de voir un ennemi surgir.

*

Mais quoi ! sur cet objet de ta haine immortelle,

Imprudent que j'étais, je me suis attendri ;

J'allumai la pensée et jetai l'étincelle

Dans cet obscur limon dont tu l'avais pétri.

Il n'était qu'ébauché, j'achevai ton ouvrage.

Plein d'espoir et d'audace, en mes vastes desseins

J'aurais sans hésiter mis les cieux au pillage,

Pour le doter après du fruit de mes larcins.

Je t'ai ravi le feu ; de conquête en conquête

J'arrachais de tes mains ton sceptre révéré.

Grand Dieu ! ta foudre à temps éclata sur ma tête ;

Encore un attentat, l'homme était délivré !

*

La voici donc ma faute, exécrable et sublime.

Compatir, quel forfait ! Se dévouer, quel crime !

Quoi ! j'aurais, impuni, défiant tes rigueurs,

Ouvert aux opprimés mes bras libérateurs ?

Insensé ! m'être ému quand la pitié s'expie !

Pourtant c'est Prométhée, oui, c'est ce même impie

Qui naguère t'aidait à vaincre les Titans.

J'étais à tes côtés dans l'ardente mêlée ;

Tandis que mes conseils guidaient les combattants,

Mes coups faisaient trembler la demeure étoilée.

Il s'agissait pour moi du sort de l'univers :

Je voulais en finir avec les dieux pervers.

*

Ton règne allait m'ouvrir cette ère pacifique

Que mon cœur transporté saluait de ses vœux.

En son cours éthéré le soleil magnifique

N'aurait plus éclairé que des êtres heureux.

La Terreur s'enfuyait en écartant les ombres

Qui voilaient ton sourire ineffable et clément,

Et le réseau d'airain des Nécessités sombres

Se brisait de lui-même aux pieds d'un maître aimant.

Tout était joie, amour, essor, efflorescence ;

Lui-même Dieu n'était que le rayonnement

De la toute-bonté dans la toute-puissance.

*

Ô mes désirs trompés ! Ô songe évanoui !

Des splendeurs d'un tel rêve, encor l'œil ébloui,

Me retrouver devant l'iniquité céleste.

Devant un Dieu jaloux qui frappe et qui déteste,

Et dans mon désespoir me dire avec horreur :

« Celui qui pouvait tout a voulu la douleur ! »

*

Mais ne t'abuse point ! Sur ce roc solitaire

Tu ne me verras pas succomber en entier.

Un esprit de révolte a transformé la terre,

Et j'ai dès aujourd'hui choisi mon héritier.

Il poursuivra mon œuvre en marchant sur ma trace,

Né qu'il est comme moi pour tenter et souffrir.

Aux humains affranchis je lègue mon audace,

Héritage sacré qui ne peut plus périr.

La raison s'affermit, le doute est prêt à naître.

Enhardis à ce point d'interroger leur maître,

Des mortels devant eux oseront te citer :

Pourquoi leurs maux ? Pourquoi ton caprice et ta haine ?

Oui, ton juge t'attend, — la conscience humaine ;

Elle ne peut t'absoudre et va te rejeter.

*

Le voilà, ce vengeur promis à ma détresse !

Ah ! quel souffle épuré d'amour et d'allégresse

En traversant le monde enivrera mon cœur

Le jour où, moins hardie encor que magnanime,

Au lieu de l'accuser, ton auguste victime

Niera son oppresseur !

 

Délivré de la Foi comme d'un mauvais rêve,

L'homme répudiera les tyrans immortels,

Et n'ira plus, en proie à des terreurs sans trêve,

Se courber lâchement au pied de tes autels.

Las de le trouver sourd, il croira le ciel vide.

Jetant sur toi son voile éternel et splendide,

La Nature déjà te cache à son regard ;

Il ne découvrira dans l'univers sans borne,

Pour tout Dieu désormais, qu'un couple aveugle et morne,

La Force et le Hasard.

*

Montre-toi, Jupiter, éclate alors, fulmine,

Contre ce fugitif à ton joug échappé !

Refusant dans ses maux de voir ta main divine,

Par un pouvoir fatal il se dira frappé.

Il tombera sans peur, sans plainte, sans prière ;

Et quand tu donnerais ton aigle et ton tonnerre

Pour l'entendre pousser, au fort de son tourment,

Un seul cri qui t'atteste, une injure, un blasphème,

Il restera muet : ce silence suprême

Sera ton châtiment.

*

Tu n'auras plus que moi dans ton immense empire

Pour croire encore en toi, funeste Déité.

Plutôt nier le jour ou l'air que je respire

Que ta puissance inique et que ta cruauté.

Perdu dans cet azur, sur ces hauteurs sublimes,

Ah ! j'ai vu de trop près tes fureurs et tes crimes ;

J'ai sous tes coups déjà trop souffert, trop saigné ;

Le doute est impossible à mon cœur indigné.

Oui ! tandis que du Mal, œuvre de ta colère,

Renonçant désormais à sonder le mystère,

L'esprit humain ailleurs portera son flambeau,

Seul je saurai le mot de cette énigme obscure,

Et j'aurai reconnu, pour comble de torture,

Un Dieu dans mon bourreau.

Louise Ackermann.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم