صحيفة المثقف

الحراك يضع العلاقات الدبلوماسية الجزائرية على المحك

علجية عيش

لم تشهد الجزائر حراكا شعبيا منذ الإستقلال إلى اليوم، مثل هذا الحراك الذي اتسم من حيث تركيبته البشرية المتنوعة (من حيث الجنس والأعمار والطبقات) بالتنظيم والوقوف على كلمة واحدة، كما أنه يختلف عن موجة الحركات العربية الأخرى التي شهدها العالم عقب أحداث سبتمبر 2011، كون مسيراته جاءت في كل مراحلها سلمية دون إحداث عنف او تخريب في الأملاك العمومية، اثبت فيها الشعب الجزائري وعيه ونضجه السياسي وتحضّره، رغم أنه منذ انطلاقته كان بدون قائد وغير مهيكل، ويمكن القول أن هذا الحراك هو "ربيع الجزائر" في طبعته الثالثة، بعد الربيع الأمازيغي في 1981 وانتفاظة 05 أكتبر 1988، باستثناء المأساة الوطنية التي تعتبر حربا أهلية مسلحة دامت 10 سنوات، حربا لم تحدث في تاريخ الجزائر، كونها تختلف عن حرب الجزائر مع الإستعمار الفرنسي الذي دام 07 سنوات، (من أول نوفمبر 1954 إلى غاية الإستقلال)

رغم ما حققه الحراك الشعبي من نتائج إيجابية حركت مشاعر الشّعوب، وأثار اهتمام ومتابعة العالم العربي الذي رافق عن كثب ما يحدث في لبييا واليمن ومصر وسوريا، إلا أنه استثني من برمجته في جدول أعمال أشغال القمّة العربية لهذه السنة، وهذا يعني ان الجامعة العربية لم تعد تتدخل في الشؤون الداخلية للجزائر كما كانت عليه من قبل، خاصة ما تعلق بالإنتخابات الرئاسية، حيث كانت تسجل حضورها القوي في مراقبة الإنتخابات، بطلب من الحكومة الجزائرية المتضمن إيفاد مراقين دوليين لمتابعة مراحل العملية الإنتخابية، في وقت رفضت الأمم المتحدة متابعة الحدث الجزائري خوفا من تكرار "التجربة الجورجية" التي أقر الملاحظون الدوليون شرعية نتائجها، ليتم فيما بعد الإطاحة بالرئيس الجورجي من طرف المعارضة التي اتهمته يتزوير الإنتخابات، ولعل رفض برمجة الحراك الشعبي في لقاء القمة العربية يعود إلى تصريح وزير الخارجية بعدم التدخل في ما يحدث في الجزائر من الداخل، على أساس أن المشكل هو جزائري، والجزائريون كفيلون بحل مشاكلهم مثلما حلوها خلال المأساة الوطنية، حين وقفت الجزائر بمفردها في مواجهة الإرهاب دون أي دعم من الدول الأخرى، في إشارة منه إلى فرنسا والولايات المتحدة اللتان تتابعان الحراك يوميا باسم حق الشعوب في التعبير والتظاهر، وحمايتها من كل التهديدات واهتمامها أيضا بما يسفر عنه من نتائج.

الغريب أن المراقبون الدوليون في كل استحقاق رئاسي جرى في الجزائر لم يكونوا يشككون في نزاهة الإنتخابات الرئاسية في الجزائر وكان تقريرهم يعكس ما تقوله الأحزاب المعارضة في الجزائر بأن الإنتخابات الرئاسية مزورة، وهذا يؤكد أن الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة كان يتلقى دعما قويا منهم، للبقاء في الحكم أطول مدة، أم أن هناك مصالح مشتركة تربطهم بالرئيس، البعض ربط الحراك بما وقع داخل المجلس الشعبي الوطني والانقلاب على رئيسه المجاهد السعيد بوحجة، والتغييرات الغير مسبوقة التي مست إطارات المؤسسة العسكرية، كما ربط البعض الحراك بقضية البوشي من الناحية الإقتصادية، في ما عرف بأكبر فضيحة تهريب للكوكايين في تاريخ الجزائر، فضلا عن فضيحة مشروع القرن المتمثل في الطريق السيار شرق غرب الذي كان يتابعه الوزير السابق عمار غول وقضايا أخرى كانت في خانة المسكوت عنه وتتعلق بالفساد ولم تفجر قبل وبعد مجيء الرئيس بوتفليقة إلى الحكم وقد تعود إلى أيام الرئيس الشاذلي بن جديد.

على العموم فإن مطلب الجزائر بعدم التدخل في شؤونها الداخلية، أو منع مسؤولين جزائريين من السفر خارج البلاد، لا يؤثر سلبا على علاقتها الدبلوماسية مع الدول الضاربة في التاريخ، بل هي مواقف تخص الجزائر في تعاملها مع مسؤوليها في إطار ما يسمى بـ: "الصحوة الوطنية "، خاصة والجزائر حاليا تعيش فراغا دستوريا، وأن الدستور الحالي أصبح في خبر كان بعد إقالة واضعيه وجرّهم أمام المحاكم، بعدما أسقط الحراك أقنعتهم وكشف عن حقيقتهم، يبقى موقف "المعارضة" الذي سيتم الفصل فيه في ندوة 06 جويلية القادم، إن كانت الندوة ستوحد الأهداف والرؤى، إذا قلنا أن الذين أبدوا موافقتهم لحضور الندوة منقسمون فكرا وإيديولوجيا، فحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (الأرسيدي)، يختلف بآرائه ومواقفه مع وزير الخارجية السابق أحمد طالب الإبراهيمي، وكذا يوسف الخطيب رئيس لجنة الحوار لعام 1994، ورؤساء حكومات سابقين، كمقداد سيفي وسيد أحمد غزالي ومولود حمروش.

هؤلاء جميعا أعربوا عن مشاركتهم في الندوة ماعدا جبهة القوى الإشتراكية (الأفافاس) المعروفة بمواقفها تجاه النظام، فهل ستكون ندوة 06 جويلية ندوة وفاق أم ندوة شقاق، أمام المطلب الأمازيغي في الإعتراف بالعلم الأمازيغي كراية وطنية أمام العلم الجزائري كون الشعب الجزائري الذي ينتمي إلى شمال افريقيا ينحدر إلى أصول أمازيغية وبشهادة مؤرخين، هناك تخوف كبير من فشل الندوة مثلما فشلت المبادرات التي سبقتها مثل الجدار الجامع، وندوة الوفاق وغيرها، بعض الملاحظين اعتبروا ما يحدث هو انقلاب، من أجل إقرار نظام قائم وفق طموحات الشعب، وحتى لو تم الإجماع على الذهاب لإنتخابات رئاسية، وذهب الناخبون إلى صناديق الإقتراع، فهل اختيار الرئيس القادم سيكون من اختيار الشعب أم أن شخصا آخر سيتم فرضه كما جرت العادة عن طريق التزوير، أي معرفة إن كانت الإدارة ستلتزم بحياد الجيش أم لا؟.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم