صحيفة المثقف

هجرٌ

صحيفة المثقفكان إحساسها بالهجر يتفاقم كل يوم . لم يترك لها متسعا أو وقتا للتفكير ولا للتنفس . بدأت تحس انها ملغاة وان لا أحد تنتمي اليه أو ينتمي اليها , مع انها خلعت لبدة الاسد التي رافقت فترة مراهقتها وشبابها مذ زمن بعيد وارتدت بدلا عنها وشاح الرقة والعذوبة . غير إن الأمر لا يعدو مظهرا من مظاهر التواضع والانجرار وراء هيبة الكهولة ومناهج الرحمة المقتدرة . رويدا رويدا وجدت نفسها كلــــــما التفتت يمينا ويسارا وجدت نفسها وحيدة ليس بالمعنى الحقيقي بل بالمعنى النفسي . كانت تقوم بواجبات زيارة الآخرين وعيادة المرضى غير أن أحدا ما لم يقم بزيارتها إذا مرضت أو سقطت أرضا كما يحدث لها كثيرا . كان الجميع يرحب بها اذا ما زارتهم غير انهم لم يحركوا قدما لزيارتها بالمقابل . كلهم يسأل عنها و يرسل لها التحايا والامنيات بالخير والعافية بأيدي الآخرين وعلى ألسنتهم ولم يفكر أحدهم بمد يده الى الهاتف ليوصل لها امنياته ويسمعها صوته . شعرت انها تدخل قبوا موحشا ما خطوة بعد خطوة ويوما بعد يوم .

كانت تعرف ان كلا منهم منشغل بمسؤولياته واسرته التي تشعبت الى عدة اسر صغيرة غير ان ذلك لا يغفر إهمالها وإسقاطها من حساباتهم كما يحدث الآن  .

كان الصدع متسعا بينها وبين الآخرين ولا تعرف وسيلة لرأبه ولكنها أمست في حاجة ماسة لرأب هذا الصدع المتنامي وقد أمست حافتاه متخاصمتين تنأى إحداهما عن الاخرى أكثر فأكثر كل يوم . أخذت تغلي غضبا من نهج الإلغاء الذي سُورت به من قبل الآخرين ولم تعرف كيف تكسر طوق اللا مبالاة الذي كبلت به وظلت تفكر وتفكر حتى توصلت الى ما يكسر هذا الطوق ويحطم جبروته عنها ويبعده لوهلة غير انه سيعاود الالتفاف على رقبتها . كان حلا وقتيا وإن أرادت كسر الطوق عليها بتكرار الحل برتابة معينة موقوتة لفترة الله يعلم امتدادها الزمني , ورأت انها عاجزة عن ذلك أولا لضعفها ثانيا لعدم قدرتها على إبتداع الأسباب لتكرار حدث ما مرة بعد اخرى . لذا كان عليها صرف النظر عن كل هذا والرضا بالهجر الذي ابتدعه الآخرون تجاهها والتقوقع في صدفة ما من صنع رؤاها وأخيلتها والبدء بقص أحلامها المجهضة على نفسها كل ليلة وتلوين بقعتها النفسية بألوان تقل قتامة عن الواقع المرئي لعلها تصل لنوع من التوازن تخلد اليه في جبّها الذي يؤرقه خلو ممراته ودهاليزه من وقع الخطوات والكركرات التي اعتادت تواجدها في تلافيفه إبان توغلها في مسيرة العمر .

**

سمية العبيدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم