صحيفة المثقف

الواقع وأحلام الفضاء.. العيش بالمقلوب!

سعد الساعديمما قراته مؤخراً وأثار اهتمامي ما يكتب عن السعادة، وبالذات عند قراءة موضوع من على محرك البحث گوگل، وما أكثر ما يكتب هناك، وما اكثر ما ينقل منه وينشر بأسماء أخرى. في موضوعه الذي اقتبس بعضه من ثلاثة مصادر أجنبية أشار اليها في الهامش ذكر الكاتب محمد مروان طرقاً كثيرة لتحقيق السعادة جعلتني بين ألم واستهزاء لما يبتغيه وينشده المنظّرون والمتخصصون بعلم النفس كما لو أنهم يكتبون من عالم آخر ليس هو الأرض التي نعيش  عليها، وهذه الاشارة أسقطتها ذات مرة على بعض نقاد الأدب  وكأنهم في حلم تدور أحداثه في فضاء الوهم والخيال .

مما أضحكني ما كتب عن تحقيق السعادة ما يلي:

 " فمن أفضل الطرق لتحقيق السعادة هي اختيار الوظيفة والأعمال التي تحمّسه وتجعله سعيداً " . من هنا يحق لنا جميعاً ان نتساءل: أية وظيفة هذه التي تجلب السعادة تلك وليس هناك وظائف لا في بلدي ولاغيره إلاّ من خلال الرشاوى، والوساطات، والمحسوبيات التي تميزت بها بلداننا العربية ودخلت موسوعة غينيس بلا منازع أو مثيل؟ ماهي الوظيفة والعمل اللائق بصاحب شهادة عليا وهو يبحث ليل نهار عنها، لكنها تعطى لإنسان أميّ او شبه أمي، ليصبح فيما بعد ممن ترفع لهم القبعات ومن أصحاب المليارات وقد ولّى زمن الملايين؟

كل هذه المنغصات وما يرافقها يومياً من مشاكل هي بدائل السعادة التي يعيشها ملايين العاطلين، ومعهم ملايين أخرى وهم عوائلهم وذويهم. فهل أصاب صاحبنا بمقاله وهو يتكلم عن العمل واختيار الوظيفة المناسبة التي معها يترسخ حب العمل، لينتج ابداعاً خلّاقاً وليست فوضى خلاقة؟

ومن المضحكات الأخرى مما ذكره صاحب المقال ويقوله غيره يومياً ويجدون من يصفق لهم ويشجعهم كما لو أنهم وضعوا قوانين السعادة العالمية ونحن في ظل عولمة تغطي كل شيء فيقول:

" يعتقد العديد من الناس أنّ السعادة مفهوم يرتكز على جمع المال والممتلكات، ولكن في الحقيقة ترتكز السعادة على العلاقات الإجتماعيّة التي يحقّقها الفرد " وهنا يبرز سؤال مهم: من لا يملك المال وليس له سلطته كيف سيحقق السعادة من علاقات اجتماعية وأضحى المجتمع لا يعترف بالفقير المعدم، إلاّ بأصحاب الجاه والثروة والسلطة؟ ومن ذلك الذي يسعى لعلاقات مع فقير ويترك التزلف ومنافقة الاثرياء؟ وكيف للمال أن لا يحقق السعادة حين يوفر الغذاء الصحي ويمنع الامراض ويساعد على استعمال كل شيء وفق النظام العام بما فيها توفير جوٍ باردٍ في الصيف مع مكيفات الهواء وإن انقطعت الكهرباء لساعات فالمال سيوفر المولدات البديلة لتوفيرها وبالتالي تصنع السعادة في حين مع العيش يوميا بعكس هذه الحالة نفتقد لرؤية من يقول: انا سعيد، حتى بات الاطفال بعمر أربع او خمس سنوات يتأففون ونسمعهم يطلقون كلمة (بابا ضايج) باللهجة العراقية، بمعنى زهقت وملت روحي مما انا فيه وهو حقيقة لا يعرف جوهر وفلسفة هذه الحالة لكنها ترسخت لديه مما يسمعه ويراه على وجوه أبويه او أهله جميعاً لتخرج بعفوية تلك الكلمة . هل تحققت سعادة الوالدين وهما يسمعان اطفالهما يتكلمون بذلك، وأحياناً يتمنون أشياء أخرى؟

في مقال الكاتب اشارات جميلة لتحقيق السعادة فمنذ البدء اسماه " كيف تحقق السعادة" ولا ننتقص منه ومن أصحاب المراجع الذين اقتبس منهم ونقل عنهم ما يبغي ايصاله للفرد والمجتمع كي يفيدهم، وربما يمتعهم ويسعدهم، لكن الموضع بعيد عن واقعنا وربما من السهولة تحقيق ذلك في المجتمع الغربي تحت ظل القوانين والعدالة التي هي شبه نائمة في بلدان ثانية..!.

ومن أجل اقناعنا نحن من نبحث عن السعادة، يقول الكاتب لعلنا نتشجع ونحققها: " السعادة ليست هدفاً يحقّقه الإنسان إنّما هي أداة ووسيلة من أجل تحقيق الأهداف، فمن خلالها يمكن توسيع تفكير الفرد ومداركه، وبناء موارد وإمكانيّات كثيرة، بالإضافة إلى أنّ التفكير الإيجابيّ يساعد على تحسين أسلوب التفكير ويزيد الإبداع وبالتّالي يحصل الفرد على نتائج إيجابيّة في جميع مناحي الحياة سواء في العلاقات الاجتماعيّة، أو العمل، أو حتّى على صعيد المهارات البدنيّة".

ونتساءل لآخر مرة: من أين يتولد التفكير الايجابي في ظل القهر والظلم والحرمان وسلب الحقوق؟ اذن لا سعادة ستتحقق. كيف يتوسع تفكير الفرد ومداركه وهو لا يملك ثمن شراء كتاب للمطالعة، وثمن قميص جديد يفرح بارتدائه؟ لا سعادة ستتحقق، وبالمناسبة فإن القميص يحقق السعادة، ووجبة طعام في مطعم فاخر تحقق السعادة، وشراء رواية جميلة تحقق السعادة، وزوجة تحاول تقديم أشهى طعام لزوجها تحقق السعادة، وترفيه الاطفال في مدائن الالعاب والسفرات تحقق السعادة، وكتابة قصيدة في أجواء هادئة تحقق السعادة، ولكن أغلبنا ليست لديهم وسائل تحقيق السعادة، لان همومهم جمدّت التفكير وحصرته فقط بالبحث عن لقمة العيش الشريف من أجل سدّ الرمق، أما الاحلام بعيداً عن تحليل الواقع فلا أعرف هل تحقق السعادة أم لا؟

 

سعد الساعدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم