صحيفة المثقف

ثورة 14 تموزعام 1958 فاصلة تاريخية

عبد الخالق الفلاحانطلاقاً من العراق عام 1958 هزحدث تاريخي الشرق الأوسط  سماها البعض بالانقلاب ظلماً وخلافا لكل التعاريف والوقائع وقد سبقتها ثورات عديدة ضد الاحتلال البريطاني وأبرزها ثورة العشرين تلك الثورة الشعبية العارمة التي أقضت مضاجع الانكليز، وجسدت وحدة الشعب العراقي بأجلى وأنبل مظاهرها،إلأ ان في الحقيقة  كانت ثورة الرابع عشر من تموز،ثورة تحمل الاسم الحقيقي  لما لها من اهمية من الناحية السياسية والجغرافية للبلد وتأثيرها على دول المنطقة والعراق يمثل محوراً استراتيجياً يربط الشرق الاوسط كله بالغرب .

 الثورة احدثت زلزالا عنيفاً ليس على مستوى العراق والمنطقة  فحسب بل العالم اجمع، لان الحدث لم يغير نظاما سياسيا فقط بل احدث فاصلة تاريخية مهمة في حياة العراقيين شملت الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، كما ان هذة الانطلاقة المباركة  اثرت تأثيرا كبيرا على مجمل التوازنات في المنطقة والعالم و العراق فيه كان وما يزال  اليوم مركزا لتوازنات ألاقليمية والعربية واحلاف دولية عديدة سابقاً .

 كما اريد لبغداد ان تكون هي السد المانع لانتشار الاحزاب القومية والدينية  واليسارية العالمية وتم توظيفها من قبل الغرب على هذا الاساس لكبح الحريات والمعتقدات السياسية و للحدث أهمية بمكان لان الثورة قامت على ايدي مجموعة من الضباط كانت تضم العديد من الوطنيين  ويقودهم ضابط ذو كفاءة عسكرية متميزة وروح وطنية عالية ونزاهة وعفة وأمانة معروفة بين اوساط الضباط. وهو منظم كبير وذو عقلية استخباراتية وكان يقف على معظم التغيرات والاسرار في المؤسسة العسكرية ويسهر ليلاً ونهاراً ويشرف ويتابع بنفسه المشاريع الصغيرة والكبيرة وسرعة الانجاز منها دون ملل او كلل وهو الزعيم عبد الكريم قاسم وببرنامج يمثل منهج بناء الدولة، فيما لم يكن لدى أعداءه غير منهج بناء السلطة الذي لا يحتاج غيرإيجاد بعض المستنفعين واصحاب المصالح بعيداً عن مطالب الجماهير وما اشبه اليوم بالبارحة  .

لقد كانت الثورة ومنذ انطلاقتها تدعوا الى تحرير العراق من الاستعمار البريطاني وكانت جبهة الاتحاد الوطني قد تأسست و ضمت بين صفوفها بعض الاحزاب المؤتلفة في تلك الرحبة  مثل البعث والشيوعيين والحزب الوطني  الديمقراطي  والاستقلال وشخصيات سياسية اخرى . لقد كانت بحق امرطبيعي لمسيرة نضالية طويلة من قبل الاحزاب والعناصر الوطنية والقومية وبتأييد من قبل قطاعات واسعة من الشعب العراقي . و كانت نتاج ثورات وانتفاضات عديدة قامت بها النخبة من مثقفي واحرار العراق ابتداءا من ثورة العشرين مرورا بانتفاضات ووثبات عديدة و كانت ثمرة نضال سياسي الهدف منه قيام نظام جمهوري يحقق السيادة الوطنية والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية للشعب

والثورة كانت  مدعومة من قوى الشعب العراقي بعربه واكراده وبعماله وفلاحيه وكسبته ومثقفيه وايدته منذ الوهلة الاولى،وكان البيان الاول للثورة اعلن عن "بعد الاتكال على الله وبمؤازرة المخلصين من أبناء الشعب والقوات الوطنية المسلحة، أقدمنا على تحرير الوطن العزيز من سيطرة الطغمة الفاسدة التي نصبها الاستعمار لحكم الشعب والتلاعب بمقدراته وفي سبيل المنافع الشخصية. إن الجيش منكم وإليكم، وقد قام بما تريدون" وكذلك  رسمت الثورة منذ البداية خارطة طريق باتجاه الإعلان عن منجزاتها واولها الإعلان عن تحرير الاقتصاد العراقي وذلك بالخروج من الكتلة الاسترلينية وتحرير الدينار العراقي، وقانون الإصلاح الزراعي وتوزيع الأراضي على الفلاحين وانهاء معاناتهم من تسلط واضطهاد الاقطاع وشرعت قانون الأحوال الشخصية والذي اخذ بالاعتبار حقوق وحرية المرأة، بموافقتها على إقامة الجمعيات الفلاحية والنقابات المهنية، وشرعت بعمل لجنة لدراسة حقوق العراق النفطية، وألغت سياسة الانحياز نحو الغرب والأحلاف العسكرية التي سار عليها النظام الملكي، "كان عضوا اساسياً في حلف بغداد المركزي الذي ضم ايران وتركيا وباكستان والعراق والولايات المتحدة بصفة مراقب" والتي أدت إلى إضعاف العراق عسكرياً، لأن الدول الغربية لم تجهز العراق بالسلاح خلال تلك الفترة مما تطلب إقامة علاقات مع المعسكر الاشتراكي، وتم تسليح الجيش العراقي بعد الثورة بالسلاح السوفيتي ومن الدول الاشتراكية الاخرى ونشطت الصناعة بشكل جيد  .والعمل على رفع مستوى الدراسة لان نسبة الامية في العراق ما قبل ثورة تموز كانت مرتفعة بشكل كبير، لاسيما في اوساط الفلاحين وتكاد تصل في بعض المناطق الى نسبة مائة بالمائة، باستثناء ابناء الاقطاعيين الذين توفرت لهم فرصة الدراسة في العراق وخارجه، فتمدنوا بالضرورة، وان كانوا من مرجعيات فلاحية.

و إننا اليوم ننظر إلى إنجازات هذه الثورة وفق ما حققته من تحولات كبيرة في المجتمع العراقي وبقيت تأثيراتها حتى اليوم رغم الانقلابات المضادة المتتالية التي حدثت والمسخرة من الامبريالية العالمية .

الثورة وما فجرته من تفجير للوعي السياسي لدى الجماهير الشعبية الواسعة التي كانت محرومة من المساهمة في النشاطات السياسية احدى ركائزها و رفعت مستوى الوعي لدى الجماهير بحقوقها وواجباتها الوطنية، وانغمرت في نشاطات الأحزاب السياسية. وإطلاق السجناء السياسيين، وحرية التعبير والتفكير والعمل النقابي والسياسي والثقافي وبشكل واسع منقطع النظير.. وتعزيز الإستقلال السياسي للبلد، للحفاظ على كيانه السياسي، واستقلاله وسيادته كمنجز  وطني كامل، وإلغاء جميع المعاهدات الإستعمارية الجائرة والمخلة بالسيادة الوطنية.الثورة ومنجزاتها اغاضت الكثير من القوى في العالم وبدأت عملية اجهاز متتابعة بتخطيط من مخابرات دول غربية وعربية وأقليمية لاسقاط هذه التجربة الوطنية ووأدها، وبالفعل اوكل العمل لقوى واحزاب ومنظمات  في الداخل العراقي ترفع شعارات القومية العربية كحزب البعث وبعض التيارات القومية والناصرية و ساعدتها قوى وتيارات مناهضة للديمقراطية واقطاعية واشتركت بعملها وساهمت  بأسقاط ذلك المشروع الوطني التحرري في 8 شباط 63 بانقلاب اسود اريقت فيه دماء الالاف من العراقيين، وبعد سبعة أشهر على الانقلاب، نقلت صحيفة "الاهرام" عن الملك حسين قوله". أسمح لي أن أقول لك إن ما جرى في العراق في 8 شباط/فبراير 1963 قد حظي بدعم الاستخبارات الأمريكية.

ان طعم الوقائع المرعبة ووخز الذكريات الموجعة وبصمات العذاب  لايام  الحرس القومي لايمكن  ان تنساها ذاكرة ما تبقى من ضحاياها وما تركته من جيوش الارامل واليتامى  والتي لم تسلم من ارث عصابات الحرس القومي  التي خلفت اكبر مؤسسة قمعية في العالم وابشع تقاليدالقسوة التي طورها الجيل الثاني من الحرس القومي في انقلابهم التموزي الثاني في   1968   فاهلك اولئك اليتامى وما ولد من اجيال في حروب وسجون وثرامات ومناف وتغيب ومعتقلات مرعبة ودهاليز مظلمة  وتهجير للالاف من ابناء العراق الشرفاء على اساس الهوية والمذهب والدين  . ولقد بقي القليل من عاش تلك الايام ممن يعرف او سمع بعض بواطنها والذين دافعوا بكل بسالة عن ثورة تموز وانجازاتها التاريخية وقدموا حياتهم

 

عبد الخالق الفلاح - باحث واعلامي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم