صحيفة المثقف

تشظي الكتابة الغارقة بالتعقيد.. واستغفال القارئ

سعد الساعديلماذا نكتب ولمن؟ هل الغاية معرفية ونشر ثقافة معينة؟ أين يكمن خلل الكاتب؟ ماهي أقصر الطرق لوصول رسالة الكاتب؟

من مجموع هذه الاسئلة، وبمدخل مختصر الى موضوع أصبح من الضروري الالتفات اليه، يمكن الوقوف عند حقيقة غزت مساحات الكتابة بشكل ملفت للنظر، وهي زجّ مفردات غريبة في بعض القراءات والدراسات النقدية ممن يدّعون أنهم نقاد وكتاب .

لم يكن دافعي لكتابة هذا الموضوع وليد الصدفة، فقد كتبت سابقا عنه ضمناً بشكل مختلف وتحت عنوان: ارحموا القارئ أيّها الكتّاب؛ لكن الدافع الأهم كان حين قرأت قراءة نقدية لشخص يعد نفسه من النقاد وهو يتناول قصيدة شعرية بالشرح والتفصيل .. كانت كلمات القصيدة بمنتهى العذوبة والوضوح والبيان الناصع، لكن نقدها جاء بطريقة لا هي فلسفية، ولا لسانية ولا تفكيكية، ولا تحمل أية صورة واضحة، وبالتالي، ووفق منظور علم الاتصال الجماهيري فان تلك القراءة أو الرسالة فاشلة، لانها لم تفِ بالغرض الاول منها، وهو الوصول بوضوحٍ مفهومٍ للمتلقي القارئ .

وانا كغيري من القراء لم افهم ما المقصود من كلمات خرجت عن الموضوع بشكل تام، والتي زجّها الكاتب بقوة شرسة لم أعرف لماذا، فكلمات مثل : (الماوراءآتية،  الميتا استقرابنائية،  التطبيقاناتية، السردوشعرانية ) وغيرها ممن نسيتها تشتت المتلقي بالقدر الذي يجب أن يفهما وهو يقراً الكشف عن القصيدة، ورفع الغطاء عن مكنونات جوهرها أو اخطائها كغرض أصيل يتبناه الناقد .

ولكي أكون منصفاً مع نفسي، ومع من كتب تلك العبارات، ارسلت بمقطع منها لصديق روائي ناقد، وطلبت منه قراءتها واعلامي ما المقصود والمفهوم .. ردّ عليّ مستغرباً بسؤال : هل تريد اختباري، أم انك تتفلسف بكلماتك هذه التي لم أفهم  مقصدها ؟ ظنّ صاحبي أن تلك الكلمات منّي، لكنني طمأنته بكلمة لا، إنها ليست لي .

هذا ناقد لم يفهم ما أراده ذلك الكاتب، فكيف بقارئ بسيط يهوى القراءة لكنه لا يهوى وصف العقد النفسية الكلامية، ولعله يسأل كما اتساءل : ما هي وظيفة الناقد، هل الاسترسال بكلمات شاذة معقدة، ام اضافة صور فنية جميلة على النص الموضوع فوق طاولة التشريح إن كان يستحق ؟

المشكلة الان فيما نراه من كتابات كثيرة هو التأثر شبه التام بالمصطلحات الغربية المبعثرة هنا وهناك، واثراء الذاكرة بخزين هائل منها يُجمع فيها، اضافة الى ليّ الكلمات بعنف،  لاستخراج مصطلح جديد يبدو لمن كتبه انه وصل به الى ذروة المعالي حين يتصدع رأس من يقرأه، ليعود أخيراً يفسر الكلمة بمعناها مستخرجاً ذلك من معاجم اللغة كتحليل ودراسة للنص الذي أمامه، ومن المؤكد أن النقد الأدبي الغربي تختلف اسقاطاته جبراً على أدبنا العربي الذي يجب أن يتخذ له سبيلاً مغايراً في الشكل والمضمون من خلال نظرية نقدية عربية خاصة بنا وبلغتنا .

قال صديق ذات يوم حين وصلنا بالكلام الى ما يشبه هذه القصة : إن امثال هؤلاء لا يبغون بكتاباتهم إلاّ استعراض العضلات، والإيحاء، أو التأكيد على أن لا أحد يجاريهم فيما يكتبون حسب قوله . قد تكون هذه حقيقة لا نعرفها، أو هناك حقائق خفيت علينا لا يعرفها إلاّ أصحاب تلك القراءات، مضافاً الى أن بعضهم أضاف شيئاً آخر وهو الحروف المتقطعة كدلالات على تحليل النص، وأحياناً باللغة الاجنبية، مع بعض الارقام كمعادلات رياضية اثباتية لما يقول ..!

إن كانت رسالة الكاتب ( كاتب النص ) الشعري أو النثري تحمل بعض الغموض برمزية يرتئيها هو فقد يكون معذوراً لأسباب شتى، منها حماية نفسه من بطش الغاشمين، ربما، أو استخدام تورية خاصة كأسلوب بلاغي، ولكن من يأتي كناقد ويزيد الغموض غموضاً، والحيرة قلقاً، و الظلام عتمة ، فهذا يعني الخروج عن المعقول لإيقاع القارئ في مستنقع الوهم، وعدم فهم ما موجود أمامه، والبحث عن مرسل آخر لرسالة اعلامية تختلف، كي لا يضيع وقته وجهده، ومن هنا أيضاً ضياع هدف كاتب النص الاول فيما أراده من نشر معرفة تنويرية أو عامة بكل المقاييس .

لن أغيّر من شيء ربما في كتابتي لهذا الموضوع، وقد يستهجنه من يكتب بالطريقة التي لا هي ميتافيزيقية (اريد ان اتفلسف قليلاً) ولا هي فكرية، ولا هي إمتاعية واعية، بل مجرد سفسطة مضروبة في نفسها عشرة أضعاف ؛ هذا اذا تذكّرنا ولم ننسَ كثرة الاخطاء الإملائية والنحوية التي يكتبها من يقول انه ناقد . لكن المؤكد الحقيقي، هو وجوب معرفة لمن نكتب، وماذا نكتب، وكيف نكتب، ولماذا نكتب وما هو الغرض من الكتابة؟ وإلاّ يكون ترك القلم في راحة أفضل بكثير .

 

سعد الساعدي ..

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم