صحيفة المثقف

هكذا تم تشريع الدستور العراقي

حامد الحمدانيلم يكن الشعب العراقي مهيئاً للإنتخابات، بعد سقوط نظام الطاغية صدام وهو الذي حُرم من الديمقراطية طيلة عقود عديدة، حيث سيادة الحزب الفاشي الواحد، والقائد الدكتاتور الواحد، والعنف الذي لا مثيل له الذي استخدمه في قمع حقوق وحريات الشعب، وفرض الطاعة العمياء لسلطته الغاشمة عليه.

كان ينبغي التريث في إجراء الانتخابات، وتشريع الدستور الدائم لفترة انتقالية تمتد إلى ثلاث سنوات على الأقل ريثما يتم إعادة الأوضاع الطبيعية في البلاد، وإعادة بناء مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية التي جرى تهديمها من قبل المحتلين الأمريكيين، لكي تتهيأ الأجواء لمرحلة الانتخابات، وتشريع الدستور الدائم للبلاد.

لكن أحزاب الإسلام السياسي الشيعية والأحزاب القومية الكردية أصرت على الاستعجال بإجراء الانتخابات للمجلس التأسيسي، وتشريع الدستور الجديد، على الرغم من مقاطعة الطائفة السنية التي تشكل الأغلبية الساحقة في محافظات نينوى، والأنبار، وصلاح الدين، وديالى، وجانب كبير من محافظة كركوك.

وهكذا جاءت الانتخابات على أساس طائفي من جهة، وقومي من جهة أخرى، واستغلت الأحزاب الطائفية الشيعية معانات الطائفة على أيدي عصابات صدام حسين وأجهزته القمعية، من جهة وتأثيراتها الطائفية والدينية من جهة أخرى، لكي تضمن أصوات الطائفة الشيعية، فيما صوت أبناء القومية الكردية لقوميتهم بعد كل الذي أصابهم من نظام طاغية العصر صدام وحزبه الفاشي، ولم يكن لبرامج الأحزاب السياسية وخططها المستقبلية أي دور في نتائج الانتخابات التي جاءت بمجلس يكرس الطائفية، والعرقية، ويخلق استقطابا خطيراً يهدد بصراع طائفي والعرقي.

ومما زاد في الطين بله أن جرى على عجل تشريع دستور دائم على أيدي نفس القوى الطائفية والقومية، فجاء الدستور طائفي المحتوى رجعي التوجه من خلال فرض العديد من المواد والبنود المتعلقة بالشريعة.

وتبعاً لنتائج تلك الانتخابات تشكلت حكومة طائفية لا يمكن أن تلبي طموحات الشعب العراقي في الديمقراطية الحقيقية، وتأمين حقوق الإنسان وحرياته الشخصية والعامة، بل لقد تمادت الأحزاب الطائفية وميلشياتها في الإعتداء على الحريات الشخصية والدينية للمواطنين من خلال عمليات القتل والتهجير للأخوة المسيحيين والصابئة، ومن خلال فرض نمط الحياة المتخلف على المرأة العراقية بفرض الحجاب عليها، وقد تعرضت المرأة التي خالفت هذا الفرض للقتل والخطف والإرهاب، وتحولت مدارس العراق إلى حسينيات وجوامع لتعميق التخلف في المجتمع العراقي، واتخذ الإرهابيون من الجوامع والحسينيات قواعد ومراكز لهم، ومخازن للأسلحة التي تستخدمها في تنفيذ جرائم ميليشياتهم بحق المواطنين، وكل ذلك جرى باسم الدين، والدين برئ من أفعال هذه العصابات المتخلفة وقياداتها التي تسلطت على شعب العراق بقوة السلاح، فلم يعد المواطن يأتمن على حياته حتى وهو في بيته، وأعادت هذه العصابات شعب العراق القهقرى عشرات السنين.

كان الشعب العراقي كان ينتابه القلق حول طبيعة الدستور الذي سيجري تشريعه من قبل اللجنة المشكلة لهذه المهمة، والتي هي بطبيعة الحال شكلت من عناصر أحزاب الإسلام السياسي الشيعي، والأحزاب القومية الكردية، وكانت شكوك المواطنين تدور حول الأمور الهامة التالية:

1 ـ توجهات تحالف القوى المتحالفة في الانتخابات؟

2 ـ طبيعة التحالفات التي انبثقت عنها تشكيل الحكومة الجديدة، واختيار رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، ومجلس الوزراء؟

3ـ موقف القوى المتحالفة من مسألة صياغة الدستور؟

4 ـ العلاقة المستقبلية بين الدين والدولة؟

5 ـ الموقف من المرأة التي تمثل نصف المجتمع؟

6 ـ الموقف من قضية الفيدرالية، وأية فيدرالية تريد الأحزاب الكردية.

7ـ الموقف من قوى الفاشية والظلام التي تمارس الأعمال الإرهابية في البلاد؟

8 ـ هل سيشهد العراق وحدة وطنية، أم سيدخل في صرا عات طائفية جديدة؟

9 ـ هل يمكن إعادة بناء العراق الجديد دون قيام حكومة وحدة وطنية؟

أسئلة كثيرة وهامة كانت تتطلب الإجابة عليها بكل صراحة وشفافية لكي يحكم الشعب العراقي على السلطة الجديدة، ولكي يطمئن على مستقبله ومستقبل الوطن.

كان المطلوب من السلطة الجديدة التي ستتولى تشريع الدستور الدائم للبلاد الإفصاح عن برنامجها السياسي، ومشاريعها المستقبلية فيما يخص الدستور الذي تطمح إلى تشريعه بكل شفافية، ودون أي لبس أو غموض، والحذر من محاولة فرض دستور لا يلبي حاجات المجتمع العراقي في الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ذلك أن أية محاولة لفرض دستور إسلامي سوف لن يكون إلا مدخلاً لصراعات خطيرة لا مصلحة للشعب فيها، والتي يمكن أن تؤدي إلى تفتيت النسيج الاجتماعي، وتقدم خدمة للقوى المعادية للشعب.

كان الشعب يتطلع إلى أن تسود الحكمة لدى القوى المتحالفة في الانتخابات لكي تحافظ على الوحدة الوطنية، والسير بالعراق نحو الديمقراطية الحقيقية، وتجنيب الشعب أية صراعات جديدة، والحرص على مشاركة كافة القوى الوطنية في السلطة، وفي صياغة الدستور بما يلبي طموحات الشعب التواق للحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

وكان على السلطة الجديدة الحذر من ربط الدين بالدولة، واستغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية وحزبية، وليكن شعار الجميع الدين لله، والوطن للجميع.

كما أن السلطة كانت مدعوة للإفصاح عن موقفها من المرأة التي تمثل نصف المجتمع والتواقة للتمتع بكامل حقوقها وحرياتها على قدم المساواة مع الرجل في الحقوق والواجبات، حيث سيكون موقف السلطة من هذه المسألة هو المحك للحكم على ديمقراطية السلطة المنشودة.

وكان على السلطة أن تعالج موضوع الفيدرالية للشعب الكردي بما يضمن حقوقه القومية، وعدم تعرضه مستقبلاً لمثل تلك الحملات الفاشية التي تعرض لها خلال العقود الماضية، مع ضمان وحدة الوطن العراقي أرضاً وشعباً، في ظل الإخاء الوطني، واحترام خصوصية الشعب الكردي.

وكانت السلطة مدعوة كذلك إلى الإسراع في محاكمة أركان النظام الصدامي، والعناصر التي تلطخت أيديها بدماء أبناء الشعب البررة دون تلكأ أو تردد، فلا بد أن يأخذ كل ذي حق حقه بموجب القانون، والعمل على استئصال الفكر البعثي الفاشي، وليس البعثيين من المجتمع العراقي، وتربية أبنائنا منذ الطفولة على القيم الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، ونبذ الفكر الفاشي العدواني.

كان ما يثير المخاوف والقلق الشديد لدى أبناء الشعب ما كان يدور وراء الكواليس بين أعضاء لجنة كتابة الدستور المؤلفة أغلبيتها من أحزاب الإسلام السياسي الشيعية الطائفية، بالإضافة إلى ممثلي القائمة الكردية، من التوجهات التي بدأت تظهر للسطح حول مساعي الأحزاب الدينية لفرض نظام حكم قائم على أساس ديني وطائفي، ومحاولة تفتيت العراق، وتحويله إلى دول الطوائف الذي أوصل الشعب إلى حالة من اليأس القصوى، والقلق الشديد على مستقبله ومصيره، وهو يعيش حالة من التدهور الشديد في كافة مجالات الحياة، فلا أمان، ولا كهرباء، ولا وقود، ولا ماء صالح للشرب، ولا صرف صحي، ولا خدمات صحية حقيقية، ولا سكن، وملايين العاطلين تعاني شظف العيش والبؤس، والمخدرات فُتحت أمامها أبواب العراق، وتجارة الرقيق الأبيض تزدهر يوماً بعد يوم، ولم تبقَ مختصة بالمرأة اليوم، بل بدأت تنافسها تجارة الأطفال التي أصبحت منظمة تتولاها عصابات متخصصة، وفوق كل هذا وذاك نجد شرطة الأحزاب الطائفية تطلق النار على المواطنين المحتجين على أوضاعهم السيئة، وفقدان الخدمات الأساسية كما جرى في بغداد والسماوة والديوانية والبصرة، وغدا العراق نهباً للطامعين في الثروة الوطنية، وانتشار الفساد في كافة أجهزة الدولة وفي كل المستويات، فأي مستقبل كان ينتظر للعراق وشعبه إذا استمر الحال على ما هو عليه؟

لقد كانت مخاوف الشعب وقلقه على مصيره أمراً واقعاً ومشروعاً بعد كل الذي جرى على الساحة العراقية حيث سلبت ميليشيات أحزاب الإسلام السياسي بشقيها الشيعي والسني كل الحقوق والحريات العامة والشخصية للمواطنين، وتدخلها الفض في حياتهم وخصوصياتهم صغيرها وكبيرها، وكان انتهاك حقوق وحرية المرأة قد أصابها في الصميم، فقد فرض عليها الحجاب بقوة السلاح والتهديد بالقتل سواء كانت مسلمة أو مسيحية أو صابئية، ودفع المئات منهن حياتهن على أيدي القتلة المجرمين من أدعياء الدين، وعاد المجتمع العراقي القهقرى عشرات السنين، وجرى تهجير مئات الألوف من المواطنين المسيحيين والصابئة من العراق هرباً من طغيان قوى الظلام والفاشية الدينية الجديدة.

وفي ظل تلك الظروف الخطيرة، وسيادة قوى الظلام السوداء على الشارع العراقي بقوة السلاح جرى إعداد الدستور الذي حمل معه بذور الصراع والعنف، وتمزيق النسيج الاجتماعي.

وعلى الرغم من أن قانون إدارة الحكم في المرحلة الانتقالية الذي وضعه المحتلون الأمريكيون كان العمود الفقري للدستور الجديد، فقد استطاعت قوى الأحزاب السياسية الشيعية فرض ديباجة ذات مضمون طائفي صريح، والعديد من المواد والفقرات التي أعطت للدستور بعداً طائفياً، ولاسيما وأن الطائفة السنية كانت قد قاطعت الانتخابات عن جهل وقصر نظر خطير، ولم تشترك في كتابة الدستور، في الوقت الذي كان ينبغي يمثل الدستور العقد الاجتماعي بين سائر أطياف ومكونات المجتمع العراقي، ولذلك كان للطائفة السنية التي تمثل الأغلبية الساحقة في محافظات الموصل، وصلاح الدين، والأنبار، وديالى، وجانب كبير من مواطني محافظة كركوك، اعتراضات كثيرة عليه، مما عمق الأزمة السياسية المستحكمة، وصعد من التدهور الأمني في البلاد بشكل خطير.

كما استطاعت الأحزاب القومية الكردية إدخال العديد من المواد والفقرات التي تتناقض مع المادة 13 من الدستور، وسأتعرض لها عند مناقشة بنود الدستور، والتناقضات التي ضمتها مواده، وما يشكله هذا التناقض من مخاطر جسيمة على مستقبل العراق.

لقد أصرت أحزاب الطائفة السنية على عدم الانخراط في العملية السياسية والمشاركة في الانتخابات القادمة إذا لم يجرِ إعادة النظر في العديد من مواد الدستور، وخاصة فيما يتعلق بالموقف من الفيدرالية، وقضية الثروة الوطنية، وفي المقدمة منها النفط والغاز، وكذلك طبيعة السلطة التي تؤمن التوازن المطلوب بين مكونات المجتمع العراقي.

وقد استطاعت الإدارة الأمريكية إقناع أحزاب الطائفة السنية بالانخراط بالعملية السياسية بعد أن وعدتها بإعادة النظر في المواد المختلف عليها، وعلى وجه الخصوص فيما يخص مبدأ الفيدرالية وتقاسم الثروة، وما يزال البرلمان يراوح مكانه دون أن نشهد هذا التعديل الذي بدونه لن يشهد العراق سلاماً ولا استقراراً.

نظرة في الدستور الدائم

1 ـ الديباجة:

ومن خلال هذه الديباجة يتبين لنا النفس الديني والطائفي للدستور، ويثير الخلافات الطائفية والصراع، مما لا ضرورة له، ولا بد من إعادة النظر فيه ليأتي بتأكيد على علمانية الدستور، وفصل الدين عن الدولة.

2 ـ المادة الثانية:أولا:الإسلام دين الدولة الرسمي،وهو مصدر أساس للتشريع: .

أـ لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام. .

ب ـ لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية. .

ج لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور.

وفي هذه المادة نجد التناقض الصارخ بين الفقرات أ، ب، وج، فكيف ومن يحدد الثوابت الإسلامية؟ أنها مجرد أفخاخ أريد بها لصبغ الدستور بالصبغة الدينية، مما سيؤدي إلى الصراع والنزاع، ولاسيما وأن مكونات الشعب العراقي تضم المسلمين والمسيحيين والصابئة والأيزيدية. وهي تتطلب إعادة النظر بها من جديد.

3 ـ المادة 115 والمادة 121 وتناقضها مع المادة 13

4 المادة (7):

أولاً: يحظر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي، أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه، وتحت أي مسمى كان، ولا يجوز أن يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون.

وهذه المادة تتطلب إجراء التعديل عليها بما يتفق مع تعديل قانون اجتثاث البعث والتأكيد على مكافحة الفكر البعثي الفاشي.

ثم أن هذه المادة تظهر لنا أن ميليشيات أحزاب الإسلام السياسي قد انتهكت المادة المذكورة بممارسة الإرهاب والتكفير والطائفية بأبشع صورها وأشكالها.

5 ـ المادة (9): .

أولاً: أ ـ تتكون القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية من مكونات الشعب العراقي، تراعي توازنها وتماثلها دون تمييز أو إقصاء، وتخضع لقيادة السلطة المدنية، وتدافع عن العراق ولا تكون أداة في قمع الشعب العراقي، ولا تتدخل في الشؤون السياسية، ولا دور لها في تداول السلطة. .

ب ـ يحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج إطار القوات المسلحة.

وهنا تبدو الأحزاب الإسلامية والقومية الكردية قد خالفت مخالفة صريحة نص الفقرة ب وكونت لها ميلشياتها الخاصة في تحدي صريح للدستور.

6 ـ المادة (10):العتبات المقدسة والمقامات الدينية في العراق كيانات دينية وحضارية، وتلتزم الدولة بتأكيد وصيانة حرمتها، وضمان ممارسة الشعائر بحرية فيه.

لماذا جرى زج هذه المادة في الدستور، فكل العتبات والحسينيات والجوامع والكنائس ينبغي أن تكون لها حرمتها، وحق ممارسة الشعائر الدينية دون تمييز.

7 ـ المادة (12): .

أولاًـ ينظم بقانون علم العراق وشعاره ونشيده الوطني بما يرمز إلى مكونات الشعب العراقي.

وفيما يخص هذه المادة فبرغم مرور 16سنة على سقوط نظام صدام فإن الأحزاب الطائفية الدينية بشقيها الشيعي والسني ترفض تنفيذ هذه المادة، وتصر على الاحتواء العلم لعبارات دينية.

8 ـ المادة 13: .

1- عدم جواز تشريع أي قانون يتعارض مع هذا الدستور سواء كان هذا التشريع مركزيا (اتحاديا) أو محليا (إقليميا). ويحكم القضاء المختص بعدم دستورية التشريع الذي يخالف هذه القاعدة. .

2- تكون قواعد هذا الدستور ملزمة في جميع أنحاء الوطن وبدون استثناء. .

3- يعد باطلا كل دستور إقليمي أو أي نص قانوني أخر إذا تعارض مع أحكام الدستور العراقي.

وهنا تأكيد صريح على أن أي تشريع في إقليم أو محافظة يتعارض مع هذا الدستور يعتبر باطلاً وغير دستوري، لكننا نجد أن المادتين، وهذه المادة الأساسية في الدستور تتعارض تمام المعارضة مع نص المادتين 115، و121 التي جعلت من هاتين المادتين فوق المادة 13 الأساسية، ويشير هنا بهذا الصدد أستاذ القانون الدكتور عيسى الزهيري إلى هذا التناقض قائلا:

أن المواد (115) و (121) من الدستور العراقي الجديد تشكلان خطورة بالغة على مستقبل النظام الدستوري العراقي بسبب استبعادهما للمبادئ الدستورية المتعارف عليها، ولتغليبهما المصلحة المحلية للأقاليم والمحافظات على المصلحة الوطنية العامة عند تعارضهما أو تناقضهما.

 

لذلك وجب تعديلهما بما يتطابق مع هذه المبادئ، كما يجب إعادة النظر في مشروع قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم الذي اعتبر مجلس المحافظة سلطة تشريعية بخلاف ما هو معروف في النظام الإداري اللا مركزي الذي يعتبر مثل هذا المجلس مجرد سلطة تنظيمية لا يمتد اختصاصه إلى التشريع.

9ـ المادة (36): .

تكفل الدولة وبما لا يخل بالنظام العام والآداب: .

أولاً: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. .

ثانيا: حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر.

ثالثاً:حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون.

وهنا نجد في العبارة [تكفل الدولة، وبما لا يخل بالنظام العام والآداب] إمكانية الاختلاف في تأويل هذه العبارة، وما هي الأمور التي تخل بالنظام العام والآداب؟ ولاسيما أن ما حصل ويحصل في العراق اليوم من تجاوز على حريات المواطنين الشخصية باسم مخالفة الآداب العامة، وفرض الحجاب على المرأة، وفرض إطالة اللحية، وطريقة حلاقة الرأس، ومنع صالونات الحلاقة وقتل أصحابها، وكل هذه الاعتداءات جرت باسم حماية الآداب العامة. لذلك فإن إلغاء هذه الفقرة أمر ضروري، وهناك قوانين عقابية تحاسب على ذلك بموجبها.

10ـ المادة (41): .

أولاً: أتباع كل دين أو مذهب أحرار في: .

 أ ـ ممارسة الشعائر الدينية بما فيها الشعائر الحسينية. .

ب ـ إدارة الأوقاف وشؤونها ومؤسساتها الدينية، وينظم ذلك بقانون.

ثانياً: تكفل الدولة حرية العبادة وحماية أماكنها.

وهنا نجد التمييز بالنسبة للشعائر الدينية المتعلقة بالطائفة الشيعية، فهل ضرب الزناجيل والسيوف وإسالة الدماء هي من الشعائر الدينية؟ أن الشهيد الحسين أسمى وأعظم من أن يرتضي تلك المشاهد المؤلمة التي نقلتها القنوات التلفزيونية إلى مختلف دول العالم، وأن تمجيد مآثر الحسين والإقتداء به هي السبيل الأمثل لذلك.

11 ـ المادة (109): .

النفط والغاز هما ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات.

وهذه مادة صريحة تتعارض مع الإجراءات التي اتخذتها حكومة إقليم كردستان العراق بعقد العديد من العقود مع شركات أجنبية لاستثمار النفط والغاز في منطقة كردستان، وإصرارها على ذلك رغم تحذير وزير النفط العراقي من كون هذه الإجراءات غير دستورية، بل تجاوزت الحكومة ذلك بالرد على وزير النفط قائلة في كل مرة تعترضون على العقود سنوقع عقدين جديدين، وهذا يشكل انتهاك صارخ للدستور.

المادة (110): .

أولا: تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الإقليم والمحافظات المنتجة على أن توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد، مع تحديد حصة لفترة محددة للأقاليم المتضررة والتي حرمت منه بصورة مجحفة من قبل النظام السابق، والتي تضررت بعد ذلك بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد وينظم ذلك بقانون.

ثانيا: تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة معا برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز بما يحقق أعلى منفعة للشعب العراقي معتمدة أحدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار.

في هذه المادة استغلت حكومة إقليم كردستان بتفسير الفقرة ثانياً لصالح إجراءاتها في توقيع العقود مع العديد من الشركات خلافا للمادة 109 الصريحة، ولا بد من إعادة النظر في الفقرة الثانية لإزالة هذه الثغرة في الدستور، وحصر مسألة رسم السياسات النفطية بالحكومة الاتحادية.

12 ـ المادة (112): .

كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية تكون من صلاحيات الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، والصلاحية الأخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والأقاليم تكون الأولوية لقانون الإقليم في حالة الخلاف بينهما.

وهنا تبدو الأمور معكوسة تماماً مما يشكل مخالفة صريحة للدستور، فهذه المادة تشبه ذلك الذي يقف على رأسه وليس على أقدامه، وتتطلب تعديل هذه المادة بقلبها على الوجه الصحيح.

وأخير جاءت المادة 140 من الدستور حول ما سمي بالمناطق المتنازع عليها، والتي تضم محافظة كركوك ونصف محافظة الموصل، وديالى، والتي باتت كبرميل بارود يمكن أن ينفجر في أية لحظة ليشعل حرباً قومية بعد تلك الحرب الطائفية التي شهدتها البلاد عامي 2006و2007 على أيدي القوى الطائفية بشقيها الشيعي والسني، وما برحت التهديدات من جانب القيادات الكردية تتولى بين آونة وأخرى لإشعال فتيل الحرب.

وأخيراً أستطيع القول أن الدستور الجديد جاء مفصلاً على مقاس أحزاب التحالف الكردي بامتياز، ومن هنا يتبين لنا السبب في إصرار الأحزاب الكردية على التمسك بالدستور بصيغته الحالية، وتعارض إجراء أي تغير عليه، وكأنه قرآن مقدس منزل من السماء، في حيت تجري التعديلات، بل وتبدل الدساتير في مختلف بلدان العالم تبعاً لتطور الظروف، ومتطلبات حاجات المجتمع في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

إن إعادة النظر الجذرية في الدستور باتت ضرورية جداً من أجل تطمين سائر مكونات المجتمع العراقي إلى مستقبلها، والحفاظ على اللحمة الوطنية من التمزق ، وقطع دابر الصراع الذي لا يجني منه أي طرف كسباً، بل خسارة لسائر الإطراف الوطنية، ولا شك أن العراق بما يمتلكه من خيرات وفيرة وطاقات بشرية خلاقة قادر على أن يحقق لسائر أطياف الشعب الحياة المرفهة في ظل الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، إذا ما تسنى له قيادة حكيمة، نظيفة اليد، مؤمنة بعراقيتها، وتضعها فوق كل الاعتبارات الدينية والقومية والطائفية، وتحت شعار العراق فوق الجميع.

 

حامد الحمداني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم