صحيفة المثقف

نحو إيقاظ روح المقاومة لوأد مخرجات صفقة القرن

بكر السباتينأعتقد بأن مخرجات صفقة القرن وخاصة ورشة البحرين سيئة الذكر وردود الأفعال الشعبية العربية ضدها مثلت كارثة لم يتوقعها الاحتلال الإسرائيلي حينما ساهم في كشف أوراق عملائه من القادة العرب.. ولكن الجديد في تداعيات صفقة العار هو تكشّف الأوراق العربية وتعرية وجوه القادة العرب المكفهرة.. وبروز دور الشارع العربي.. ثم عودة الملف الفلسطيني إلى المقدمة بعد أن طوته الأحداث في أتونها، من خلال الانشغال بالملفات الإقليمية الأخرى، على اعتبار أن الأخيرة باتت في نظر الدول العربية تمثل العدو البديل للكيان الإسرائيلي الذي بدوره اعتبر حليفاً استراتيجياً لدول الخليج العربي التي تقف وراء صفقة القرن.. مبرراً هذا الكيان العنصري تمدده في قلب الوطن العربي بالإضافة إلى أفريقيا بأنه الضامن لأمن الخليج والطائف السنية بالتحديد ضد إيران والشيعة من باب إشاعة الفتنة الطائفية، رغم أنه أثبت فشلاً ذريعاً حتى في مواجهته للمقاومة في غزة.

لقد تكشفت أوراق الكيان الإسرائيلي لحلفائه بحيث كان بوسع تلك الدول المغبونة الانتباه إلى ازدواجية الحليف الصهيوني المراوغ ورغم ذلك تؤثر دولة عربية كبيرة كمصر السكوت عن ذلك حتى يظل حليفها الصهيوني الفاعل على الأرض ضد الجماعات الإرهابية في سيناء.. متناسياً أن هذا الحليف يسعى لتطويق مصر جيوسياسياً من خلال مشروع سد النهضة الذي في الأصل كان من بنات أفكار هذا الكيان الصهيوني وقد اقترحه وساهم في تمويله وتصميميه والآن يتفق مع أثيوبيا للظفر بامتياز بيع الكهرباء التي يولدها المشروع فيما وفر له الحماية من خلال نشره للقبة الحديدية درءاً من احتمال نعرض السد لضربة مصرية محتملة.. ورغم ذلك فهذه القبة كان قد أثبت فشلها في التصدي لصواريخ القسام المتطورة التي تصنعها حماس في غزة..

وحتى يقضي الكيان الإسرائيلي على الخيار المصري نحو الكونغو لربط نهر الكونغو بالنيل الأبيض وتعويض نقص المياه الذي سينجم عن سد النهضة الأثيوبي، قام الكيان الإسرائيلي بضربة استباقية من خلال الاتفاق مع الكونغو لعمل سد كبير على نهر الكونغو.. وهكذا يتم خنق مصر لفرض مشارع تقسيمة عليها مستقبلاً وفق خرائط برناند لويس التفتيتية، وقد تكون مصر مهيئة لذلك بالقياس إلى سكوت المصريين عن فقدان جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية.

فالعدو الإسرائيلي يحسن لعب الشطرنج، فهو من جهة يتحالف مع بعض الدول العربية فوق الحزام، بينما يضربهم تحت الحزام كشأن علاقته مع مصر.

حتى مع الأردن الذي أبرم معه اتفاقية وادي عربة المشؤومة يجد المراقبون بأن صفقة القرن التي يسعى الكيان الإسرائيلي وحلفاؤه العرب لتطبيقها على الأرض، يُدْخِلُ في حساباته أن الأردن هو الوطن البديل للفلسطينيين..

وإزاء ورشة البحرين الفاشلة فإن الإجماع الفلسطيني على حضورها يمثل الرصاصة القاتلة لصفقة القرن الموءودة.. رغم أن هذا الموقف الفلسطيني المتقدم يعتبر أقل من المطلوب على مستوى القرار السياسي.

أما عن الخيارات الإسرائيلية فيما بعد صفقة القرن.. ففي نظري أن هذه المخرجات وردود الأفعال ضدها مثلت كارثة لم يتوقعها الاحتلال الإسرائيلي وقد بدا ذلك على وجوه محاوريهم المكفهرة العابسة وقد خرجوا عن طورهم عبر قنوات التلفزة العربية وهم يدافعون عن الصفقة يائسين وقد خاب مسعاهم الذي يخالف منطق الأشياء في إطار علاقة الجاني مع الضحية وخاصة بعد فشل ورشة البحرين الاقتصادية. وفي سياق كل ذلك دعونا لا ننسى بأن للكيان الإسرائيلي خياراته المدعومة أمريكياً في هذا الشأن.. إنه الذهاب إلى الاعتراف الأمريكي بضم بعض أراضي الضفة الغربية كما جرى مع الجولان.. وفي نظري أن قرارات ترامب المخالفة للشرعية الدولية ليست قانوناً يجب ما قبله بل هي عملية لصوصية مرفوضة.

إذن فما هو المطلوب منا كمثقفين عرب بعد فشل صفقة القرن وإزالة كل الأقنعة واكتشاف الأعداء الحقيقيين للقضية الفلسطينية:

سيتجلى ذلك بلا ريب من خلال رؤية استراتيجية جديدة تقوم على أنقاض صفقة القرن، ومن ذلك على سبيل المثال:

- اعتبار كل من يدعم مشروع المقاومة الفلسطينية ومثال ذلك في غزة هو حليف للقضية الفلسطينية مثل إيران وحزب الله، وعدم خلط الأوراق وتشويش الخطاب النضالي على حساب الحقوق الفلسطينية المهدورة للتركيز على العدو الحقيقي المتمثل بالكيان الإسرائيلي.

- تحقيق الوحدة الفلسطينية على مستوى القيادات السياسية في إطار خيار المقاومة أسوة بتكاتف كتائبها ميدانياً في غزة حيث تجمعهم غرفة عمليات واحدة.

- التقدم بالخطاب الإعلامي نحو رؤية ما بعد موت صفقة القرن حتى لا ترتد إلينا إعلامياً وتعيد برمجة العقل العربي من خلال زرع طاقة الخوف السلبية لتمسخ بذلك الشخصية العربية الناهضة..

- دعم المنظمات الأوربية التي تقاطع البضائع الإسرائيلية ونشرها كثقافة وطنية في الدول العربية وتعزيز دور مكاتب المقاطعة في البلدان العربية التي حيدتها اتفاقيات السلام المبرمة مع العدو الإسرائيلي.

- تعزيز ثقافة المقاومة في العقل العربي.

- مواجهة الذباب الإلكتروني الذي يدعو إلى إيقاظ الفتن الطائفية للتركيز في معركتنا الحقيقية مع العدو الإسرائيلي ولنعتمد خطة افتراضية باسم "المبيد الحشري للذباب الإلكتروني".. في إطار الاستغلال الجيد للإعلام الموازي والغير مسيطر عليه من قبل الحكومات.

- تعرية الوجه الصهيوني الحقيقي لحلفائه الإفريقيين والعرب وخاصة الشعوب في تلك البلدان، من خلال الكشف عن دور هذا الكيان العنصري داخل أفريقيا وخاصة استراتيجيته في خنق مصر من خلال تحكمه بسد النهضة وتحييد نهر الكونغو عن الخيارات المصرية البديلة.

أيضاً وفي ذات السياق، تعرية النظام الصهيوني العنصري أمام الشعوب الأفريقية من خلال تسليط الضوء على كارثة يهود الفلاشا العنصرية في هذا الكيان الاحتلالي.

- متابعة احتجاجات يهود الفلاشا ضد نظام الفصل العنصري الصهيوني في فلسطين ومحاولة استغلال ذلك الانشغال الإسرائيلي بها.. ومن ثم الاستعداد الميداني لأي خيارات إسرائيلية ضد شعبنا بهدف افتعال أزمة في الضفة الغربية وتوحيد الصف الإسرائيلي إزاءها لتفريغ الأزمة العنصرية الإسرائيلية من محتواها السياسي ولو إلى حين.. ويكون أهم شعارات تلك المقاومة هو الضغط على السلطة الفلسطينية كي تنسحب من معاهدة أوسلو بما في ذلك وقف التنسيق الأمني.. ولتكن المبادرة من القادة الميدانيين تحت أي مسمى فقد طفح الكيل في معركة مصيرية لا وقت فيها.

**

بقلم بكر السباتين

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم