صحيفة المثقف

عبد الكريم قاسم وحكّام اليوم

قاسم حسين صالحبين من وضع العراق في قلبه ومن وضعوه في جيوبهم

ست وخمسون سنة مضت ومعظم العراقيين يتذكرون عبد الكريم بخير ويترحمون عليه، الا حكاّم اليوم، فانهم لا يحيون ذكرى استشهاده.والمفارقة ان الذين قتلوه يعترفون بانهم جاءوا بقطار اميركي، وان من يحكم الآن جيء بهم بدبابة اميريكة!.

والذي دعانا لكتابة هذا المقال هو:

 لماذا تردت الأخلاق الآن مقارنة بزمانه، مع أن قادة النظام رجال دين، وان رسالة النبي محمد كانت اخلاقية بالدرجة الاساسية (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)؟ولماذا لم تفرز مسيرة (16) سنة..حاكما قدوة؟

 كان عبد الكريم قاسم (قتل في 9 شباط 1963) يمثل انموذج الحاكم القدوة في نزاهته، فالرجل عاش براتبه وما امتلك رصيدا في البنك، وما كان له قصر او بيت لرئيس الجمهورية، بل كان ينام بغرفة في وزارة الدفاع..ولهذا لم يجرؤ في زمانه وزير او مسؤول على اختلاس او قبول رشوة او التحايل على مقاولة، فيما حكّام اليوم يسكنون في قصور مرفهة ويتقاضون رواتب خيالية، لو جرى تخفيضها بنسبة 50% لوفرت للدولة "14 مليار دولار سنويا!..وفقا للخبير الاقتصادي ابراهيم المشهداني".

 وكان الفساد في زمنه يعدّ عارا، فيما تحول الآن الى شطارة، وصار العراق في زمن حكم قادة الأسلام السياسي ثالث افسد دولة في العالم واول افسد دولة في المنطقة.وكان العراق في زمانه..دولة، فيما صار الآن دويلات لمكونات وعائلات!.

كان اختياره لوزراء حكومته يقوم على وفق معايير الكفاءة والخبرة والنزاهة، واعتماده مبدأ وضع الرجل المناسب في المكان المناسب فيما صار معيار اختيار الوزراء في زمن المحاصصين هو الولاء للحزب والطائفة وان كان لا يمتلك شهادة تخصص ولا خبرة.

 وكان يخالط الناس ويتجول بسيارته في شوارع بغداد. يذكر عنه ان احدهم كان يبيع الكبة في عربة صغيرة بشارع الكفاح يكّنى (الحجي) وكان عبد الكريم يسلم عليه بيده من نافذة سيارته حين يأتي من الباب الشرقي الى مقر عمله بوزارة الدفاع في باب المعظم.وحدث انه لم يشاهد (الحجي) بمكانه ليومين، فاوقف سيارته في اليوم الثالث وطلب من مرافقه ان يسأل صاحب مقهى شعبية في فضوة عرب فاخبره ان (الحجي) مريض ونائم في بيته..فطلب منه ان يذهب غدا الى بيته كي يقوم بزيارته واداء الواجب..وحصل ان (الحجي)حضر صباح ذلك اليوم ومعه عربته..حياه عبد الكريم وقال له ملاطفا:

- حمد الله عال سلامة حجي..بعدك شباب.

فاجابه:

 سيادة الزعيم، اني من اسمعت جنابكم سأل عني، راح المرض مني وشفيت، اما الطائفيون فان احدهم اذا خرج للشارع سبقه وتبعه فوج حماية بطريقة مهينة للمواطن.

 وكان عبد الكريم محبّا للعراق ومنتميا له فقط، ولهذا كانت المواطنة، بوصفها قيمة اخلاقية، شائعة في زمنه بين العراقيين، فيما انهارت الآن، وصار الناس يغّلبون الانتماء الى الطائفة والقومية والعشيرة على الانتماء للوطن..وتلك اهم وأخطر قيمة اخلاقية خسرها العراقيون في زمن المحاصصين وسرّاق المال العام.

 ويكفي عبد الكريم قاسم (وقل عن سلبياته ما شئت) ان العراقيين منحوه لقب (ابو الفقراء) وأنه سيبقى يحتل قلوبهم لنصف قرن آخر، فيما حكّام الخضراء وقادة احزاب الأسلام السياسي سيلعنهم العراقيون ويخلدّهم التاريخ بأهزوجة (حكّام الشعب كلهم حرامية).

14 تموز 2019

 

أ. د. قاسم حسين صالح

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم