صحيفة المثقف

"عابر يواريه الضباب" للشاعر شوقي مسلماني

عون جابرالعنوان يفي بغرض التعريف بمحتوى نصّ "عابر يورايه الضباب" الذي يقع في 31 صفحة، ونشرته مجلّة الطريق الثقافيّة الفصليّة على 11 صفحة كاملة من صفحاتها الغنيّة بالمواضيع الفكريّة والأدبيّة، فالعابر كائن غير مُحدّد، لا تُعرف وجهته ومن أين أتى وإلى أين يذهب؟، وما يزيد الأمر مواربةً كونه يُوارى بالضباب، ولطالما حاولت البشرية، بإنتاجها النثري، الحضاري، إماطة اللثام كليّاً عن بدء المجاز ثم الخرافة والأسطورة والعلم والفنّ والأدب والدين والفلسفة، أو بدءاً بالقول والمثل،  ويعزّز ما سبق إستشهاد الشاعر شوقي مسلماني بمقولة الصادق النهيوم: "العقل الغائب \ لا يرى الفكرة الحاضرة".

وينقسم هذا النصّ المتخصّص بالحكمة وما هو "ملحمي" إلى ستة أقسام مرقّمة. "الكلّ إتّصال - إنفصال"، وعليك كقارئ أن "تتحرّى نتاج عقله".  تتفاوت أحجام الأقسام بين 8 صفحات إلى صفحة واحدة للقسم الأخير. إنّ إخضاع التجربة الشعرية وتسليم قيادها للعقل أمر صعب، لكن الشاعر هنا برع في تخطّي هذه المقولة بإستعماله أساليب متنوّعة، جاعلاً الشعر طافياً، وكاشفاً عن مكنونات وعصارة تجربة إنسانيّة وثقافيّة وفكريّة دون أي مسّ بشعريّة النص.

من القسم الأوّل نجد الحكمة في أشكال، ويستدرج القارئ مترصّعاً بمقولات مقتضبة أو مكتنزة،  أليس "الإمتلاك مقبض"؟. ثم يرسم مشاهد تدلّ أنّ "الحقيقة ما أسهل / أن نراها في الشارع"، وهي أفكار متوفّرة بذاكرة القارئ، بدءاً من غرق باخرة "تايتانيك" إلى الفلسطينية العجوز وهي تحتضن جذع زيتون، "وإمتلأت عيناها / بالدموع الصامتة"،  ويذكّرنا الشاعر أن الحقائق مطروحة في الطريق، ومقالة  الجاحظ حول المعاني المطروحة في الطرقات لها قصّة متداولة. ينتقل الشاعر من الرسم إلى التعبير بأصوات. ويبدأ في القسم الأوّل كآهات، أو سجيراً،  ويبدأ بصوت جورج بوش الإبن وتيمورلنك إيّاه، لتحمل هذه الأصوات جميعاً مدلولات تاريخيّة تسقط على الواقع الحالي كأنّها من نسيجه. الشاعر إستطاع أن يوظّف غنى التراث والواقع الراهن ويستثمر بحرفيّة.

أمّا القسم الثاني، وهو من 3 صفحات، فالشاعر ينحو فيه إلى العقلنة أكثر وأكثر "عقول النخبة / أفق الجماعة / من هذه النخبة باطن / يختلف عن الظاهر/ خذ حذرك"، وتتردّد كلمة "عقل" 4 مرات في مقطع واحد مقابل مشاهد تستدعينا أن نستذكر "داعش"، و"تحاصره عيون ماكرة" و"عائم في بحر دمه".

القسم الثالث من 5 صفحات، ومزيد من التكثيف "المسألة ماكرة / والعقل لا يطمئن"، "لمّا لا يشاء أن يمشي / يمشي بمشيآت هي فيه" بإستنتاجات تقول أنّ "المثقف منارة / أو هذا ما يأمله / الراسخون بالطيبة".

القسم الرابع من 7 صفحات بهيئة قصصيّة لها المدى الإنساني حتى "إتّسع القلب - إتّسع العقل / إتّسع جذب محور الإنسانية العظيم".  ويستحضر تيمورلنك شارحاً الفكر في سيرورته التاريخيّة، و"ما من شكّ / أنّ الرأس معزول / في عمق مغارة / يتقلّب فيها / مع العقارب"، وأكثر "إسحبهم / من دماغك / لا تربطنّك صلة بهم"، "ليس لدى الفيزياء بعد وقت / لكي تهدره على الميتافيزيق".

القسم الخامس من 8 صفحات، فيه طويّة الشاعر الراسخة مفتتحاً بالنّحت "لصّ / يحلق ذقنه / ويركّب لحية صنم"، والإيجاز هيكل "لا تطلب / من مستباح / أن يلقي السلاح"، "عاجزون / عن إثبات ما يقولون / لذلك يتكدّسون بسحر البيان"، "يرسب / في إمتحان الرجولة / من يرسب في إمتحان الأنوثة"، "لا إنسان / من دون الكلّ"، و"الإدراك المتأخّر / أكثر في الهاوية"، ويقول بكلّ إدراك أن "النّاس / لايكرهون بعضهم / الناس يحتاجون بعضهم".

وفي القسم السادس الأخير يقول "ومِنَ الحكمةِ \ ومِنَ السهوِ \ ومِنْ سطوحِ الحَمَامِ \ ومِنْ كلِّ جهةٍ \ في كلِّ جهة  \ ومِنْ هديرِ البحرِ  \ ومِنْ سكوتٍ \ أطناناً \ لا تُحصى  \ ومِنْ سياجات".

"عابر يواريه الضباب" يستحقّ أن يُقرأ.

 

عون جابر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم