صحيفة المثقف

غض البصر بين "الفيس" ورجال الدين!!

حميد طولستمشهد مهيب لم أرى مثله قط  خلال سفرياتي العديدة على متن القطار، منظر أثلج صدري وأزال عن نفسي عناء السفر ومشقّته، وأرغمني على الإنحناء إجلالا وإكراما للإمام الشيخ الفقيه الحاج "الفيس" على نجاحه الباهر في إجبار ركابي القطار من الرجال على مختلف أعمارهم وتنوع الأوساط المجتمعية، التي جبلت، مع الأسف، جلها -إلا من رحم ربي-  على توظيف عيونهم للتجسس المجاني على تفاصيل العابرات من قمة رؤوسهن إلى الأحذية التي ينتعلنها، أجبرهم على التحلي بفضيلة "غض البصر" واحترام خصوصيات النساء اللواتي عانين الأمرين، ولازلن، مع النظرات الفضولية الجاحظة الماشطة لقامة أجسادهن كآلة الماسح الضوئي " السكانير"..

الفضيلة التي أخفق أوصياء الدين ورجاله ودعاته وشيوخه في نشرها بين الرجال، بتقاعصهم المتعمد عن هداية المسلمين إلى تعاليم الدين السمحة الصحيحة، وقيمه النبيلة المهذبة للنفوس والمرتقي بأصحابها إلى مصاف الإنسان الاجتماعي الصالح المحترِم لأخلاقيات وضوابط مجتمعه، المراعي لمرجعيات حرية غيره الدينية والمذهبية والإثنية والعرقية والثقافية، والمعترف بهويته الفردية والاجتماعية والسيكولوجية، وغيرها من الخصال التي تجعل السلم والأمن والأمان يسود المجتمعات .

الأمر الذي شكل ويشكل إذانة فضيعة لكل الذين يرفعون شعارات نصرة الدين والشريعة والأخلاق، لإضفاء القداسة الدينية على أفكارهم وأحاديثهم، وسلوكاتهم، وتصرفاتهم، التي ليست من الدّين في شيء،  وإنما هي طقوس فلكلورية ظاهرية للرياء والتباهي، وإيهام الناس بأنهم الأكثر تدينا وصلة بالسماء، والأفضل أخلاقا، بينما أن حقيقة أكثريتهم، أنهم أكثر الناس تسفيها لمصداقية الدين، واكثرهم انتهازية ووصولية وارتشاء، وتعد على النساء وهدر لحقوق الأطفال، وبالمجمل الصريح، فهم الأكثر فسادا وإفسادا للبلاد والعباد بما يشعونه في المجتمعات الإسلامية من كذب ونفاق وتملق ومداراة ودجل، مؤدٍ إلى الإحباط و الانهزامية التي تغيب معها كل معان ومفاهيم الانتصار المؤدّية إلى استحالة مواكبة العقلية العربية لتطور الإنسان والإنسانية، لأغراض سياسية وأيديولوجية إسلاموية صرفة.. 

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم