صحيفة المثقف

ما وراء الشعر (1-2)

احمد الكنانيالماورائية في عناوين المقالات يقصد بها في العادة تلك الأبحاث التي تدور حول الموضوع ولا تتعرض له، كما يقال ما وراء الفقه عند البحث عن العلوم المتعلقة بالفقه لا الفقه نفسه، او يقال ما وراء الفن عندما يتعلق الموضوع بأمر يدور خلف كواليس الفن وليس الفن بذاته.

 وليس المقصود بالماورائية المعنى الفلسفي للكلمة وهي الميتافيزيقيا او ما وراء الطبيعة وكل ما يتعلق بالأمور غير المحسوسة، والكلام هنا ليس في الشعر كمادة أدبية متسامية وإنما هو كلام في البيئة الحاوية للشعر؛ بأعتبارها ظاهرة اجتماعية نعيشها في منتدياتنا الحقيقية اوالافتراضية .

الحديث عن الوجه الآخر للشعر، حديث لابد منه وان جحده العوام، وسكت عنه الانام، كلام عن الطرف المقابل للجهة المشرقة والمُشعّة للشعر والتي لا تنتمي للأدب الملتزم بحال وان عُدّت من أنواعه ...

الدكتور علي الوردي في كتابه " أسطورة الأدب الرفيع " أعطى لنفسه الحق في نقد الشعر العربي القديم وإسداء النصح للشعراء المحدثين عندما نعت الشعراء العرب بالشحاذين الذين يمتدحون السلاطين الظلمة أملاً بالجائزة الدسمة او جارية دعجاء، وآخرون يتفننون بوصف الخمرة والتغزل بالغلمان ...هذا فيما يخص قديم الشعر .

أما حديث الشعر فقد طالب معاصريه من الشعراء اتبّاع اللغة الميسرة المفهومة،والابتعاد عن شوارد اللغة وشواذها؛ اذ ليس من المعقول ان تقرأ شعرا وبين يديك قاموسأً لغوياً ترجع اليه بين الفينة والأخرى .

ولم ير نفسه متطفلاً عَلى الأدب او تطرق لموضوع ليس من شأنه او اختصاصه؛ لان ناقد الشعر ليس بالضرورة شاعر والقصيدة الشعرية او المقطوعة النثرية هي لوحة فنية وظاهرة اجتماعية في الوقت ذاته.

تسجيل ملاحظة ما او حتى نقد موقف ادبي لهذا او ذاك شعراً او رواية لا يدخل في باب الفضول والتطفّل إنما هو تشخيص ظواهر قد تتفاقم محدثة مشكلة اجتماعية يصعب تداركها أحيانا كثيرة، خصوصا وأمر النشر بات مفتوحاً على مصراعيه لكل من دب، حتى اصبح رواد الفيسبوك يلتمس العذر من المتابعين لان صفحته لم تضف موضوعا ما ليوم او يومين وكأن الناس جالسون ينتظرونه لينهلوا من فيض علمه ...

لا مجال للمجاملات في المعرفة وان اختلطت الأمور على كثير من الناس اذ اعتقدوا ان الواقع المعاش وموقع التواصل اصبح واحداً فإن تفضل عليك بأعجاب او قلب احمر يتطلب الامر ان تردها اليه بمثلها او بأحسن منها وان لم يعجبك ما ينشره اذ متطلبات الالتزام  الاجتماعي تقتضي ذلك ...

ذات مرة عوتبت على إعجاب بَدَرَ مني لمقالة صديق نشرها على الفيسبوك يتحدث بها عن ظاهرة توزيع شهادات الدكتوراه الافتخارية هذه الأيام؛ لان الشهادة العالمية قد تفقد معناها والحال هذه، وهذا ما اتفق معه تماما، وقد اتفق حصول هذه الظاهرة في سالف الأيام في الدراسات الدينية اذ اصبح لقب " أية الله " رخيصاً يطلق على من لا حظ له من العلم فأختلط الحابل بالنابل ... الصديقة المعاتبة كانت ممن استلم هذه الشهادة الافتخارية واللياقة الاجتماعية تقتضي السكوت المطلق، وعدم ابداء الإعجاب بمن يطرح رأياً مخالفا حفاظاً على قيم العلم  .

الشعر الحر او قصيدة النثر ليست تصورات ذهنية مبعثرة نابعة من هلوسات سكران على قارعة الطريق يحسبها الجاهل صور بلاغية فيهلهل لها ويمجّد بها فيزيد الثمل ثمالة ..

والرواية والقصة ليست خواطر نسوان بعد منتصف الليل لتشبع صفحتها بأكاليل الورود الحمراء من متابع شرب السهر مدامعه ..

قرأت رواية لإحداهن ذات يوم كانت قد أهدتها لي ثم بدأت تغدق من على صفحتها الشكر والتقدير لفلان لقيامه بالترجمة الانگليزية وعلى آخر لترجمته الألمانية ... والسؤال المضمر: كيف للقارئ الشكسبيري او ذاك الألماني فهم مضمون رواية لم اعرف من لغتها الأم رأسها من ذيلها ..

موضة حفلات توقيع الكتب بحاجة الى حفلات نقدية للكتاب للحد من الهبوط الأدبي والتصحّر الثقافي .

مما طاله النقد في أسطورة الأدب الرفيع للوردي المديح من الشعر والتفاخر بالقبيلة والأنساب لانه دعوة للاقتتال وإقصاء الآخر وهو عكس المرجو من الشعر من الدعوة السلام والوئام

 

احمد الكناني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم