صحيفة المثقف

سقوط.. حرّ

انمار رحمة اللهأي قوة هذه التي تجذبني؟!. تلك التي لا أستطيع مقاومتها. قوة الجذب التي تشدني نحو الهاوية بحبال وهمية!. أتحدثُ الآن وأنا في طريقي ساقطاً نحو الهاوية. من المفترض أن أرتطم بها بعد ثوان، دقائق، ساعات. بعد أن رُميت من شاهق. لكن لحظة الارتطام تأخرت طويلاً حتى عشعش غراب الملل في رأسي. لا أخفي عليكم ففي الثواني الأولى حين رموني، كنت أصرخ بعد أن نشب الفزعُ أظفاره في قلبي. وبعد أن لاحظت المسافة الطويلة التي قضيتها، ولما أزل أتداعى فيها ولم تنته، تضاءل فزعي وأملي في العودة معاً. وحين لا تخالط القلبَ أي مشاعر حتى لو كانت سيئة، سيسري فيه سمّ الملل القاتل. لهذا قررت كسر حاجز الملل قليلاً، والحديث مع من يسمعني حتى لو كانت نفسي. ما الذي يجعل الوقت الذي يستغرقه الارتطام طويلاً إلى هذا الحد؟!. حتى دخل الهواء في كل مسامات بدني!. أتذكر مرة أنني سقطت من شرفة نافذتي، حين كنت منهمكاً بوضع قلادة من الورد النايلون أزين بها منظر المنزل. في تلك الساعة شعرت بآلام انتشرت كالنار في عظامي. وما خفف الألم وقتها أن الأصدقاء والاحبة احاطوني برعايتهم. أما الآن فمصيري مجهول بلا رفيق أو قريب يحيط بي أو ينتظرني على الأقل في الأسفل.  سئمت من شقلباتي في الهواء هكذا كأنني ريشة تافهة تتلاعب بها ريحٌ هوجاء. الغريب أنني لم أعد اتذكر من المنحدر الذي رُميت منه أي شيء، سوى ضحكات من دفعوا بجسمي صوب الهاوية!. الحياة ما قبل المنحدر كلها حُذِفت من ذاكرتي دفعة واحدة. في أول الأمر- أعني الأمتار الأولى أثناء سقوطي- كنت لا أرغب في شيء من الحياة سوى العودة إلى ذلك المنحدر. وبعد أن طالت المدة ما بين المنحدر و القاع، تبدلت رغبتي، وصرت أرغب في الوصول إلى نهايتي راضياً بأي نهاية. وبالرغم من يأسي ويقيني أنني سألتصق بهاويتي عاجلاً أو آجلاً  كذَرْق طير، كانت تمرّ على عقلي نسائم خواطر لطيفة، أحدهم سيفتح مظلة، أو يضع لي فراشاً إسفنجياً ثخيناً في الأسفل، أهوى عليه ناجياً من الموت..؟!. أو على الأقل بعض الأفكار القريبة من نجاتي، مثلاً ، سأسقط على أغصان شجرة كثيفة، أو لعل الأرض التي ستشهد ارتطامي رخوة، طينية، مِلكٌ لفلاح رواها بمياه غزيرة. فتكون ليونتها تلك سبباً ضئيلا قد يؤدي بي إلى النجاة. ومع كل هذه الخواطر الحسنة، تأتي على ذهني عاصفة وسواس عتيمة، تقول أنني متجه بقوة نحو جسم صلد مدبب؟!. من الجائز أنني سأقع على صدر بحر أو نهر، فلا تتكسر عظامي، وتنفلق هامتي؟!. لماذا أفكر أن ما ينتظرني في الأسفل صخرة كبيرة مدببة؟. من الأفضل أن لا أفكر نهائياً بمصيري.. سأغفو قيلاً.. بعد هذه الرحلة المملة نحو القاع، صار لا يهمني بأي شيء سألتصق.. لا يهمني الآن سوى نهاية هذه الرحلة الرتيبة.

 

أنمار رحمة الله

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم