صحيفة المثقف

طلال الغوار في رؤاهُ كُلًها .. الشاعر المسْكون بالحُب التَكاملي

1065 talalبدءاً، كانت النية في الكتابة أولاً عن إحدى مجاميعهِ الشعرية ؛ ألا وهي "حرريًني من قبضتكِ" ووقع اختياري على قصيدة "حرائق الكلمات"، التي رأيتها البؤرة التي أنطلق منها إلى فضاءاتهِ المُحلقة في سماء الحب المتكامل، لما فيها من شمول حياتي بمقاطعها " 4+1 " القصة وإجمالها، خلاصة السبب والمسبب" تحصيل الحاصل "، لكن حين أطلعت على بقية المجاميع التي استدرجتني عناوينها، لذا عدلتُ عن رأيي وتراني تركتُ مقصدي وتوقفتُ لحظتها، لملمتُ نفسي وشددَتُ عزمي من أن سأمرُ عليها كُلًها كي أتناول ما يساير رغبتي في التقاط الفضاءات الموحية التي توازي وتساوي لوعتهِ في التوظيف من حُب مسكون بأعماقهِ وقدْ استقر منتشياً، لذا لا يستطيع الخلاص منهُ حتى أضحى كمتلازمة حياتية وهووس لا انفكاك منهُ .

إن الولوج لأي مكان ما ؛ بصرياً، أو فضاء ما ؛ تخيلاً، لابد وأن يكونِ عِبر " العتبة " التي هي في الأساس المثابة التي ترشدك إلى الجهة التي تنوي الوصول إليها، وعلى الأكثر نلاحظ علامة " رأس السهم الحمراء " تقبع هناك عند مداخل الأمكنة كدليل تعريفي، وهذا هو المدخل الرئيسي للدخول " الشرعي " لذا نطبقهُ بشكل عام في حياتنا اليومية المعاصرة والتي تتطلب منا الدليل في ظِل زحمة العناوين وكثافة أسطرتها، أما في الأجناس الأدبية، فيمكن الحال نفسهُ أيضاً، ونرى هُنا في " الشعر " هي المرآة العاكسة أولاً لجسد النَص، ثم تأتي بقية الهيكلية تباعاً .. فاستخدامها يكون على وفق ملكات وأدوات الشاعر التي يحيطُ بها، وقدْ يحسبها تختتم ربما بـ أُحادية تفي بالغرض، يطوي قصيدته أو مجموعتهِ، ويكتفي بها، لكن يلاحظ من أن عتبات " الغوار " على الأغلب جعلها " ثلاثية ورباعية " على الأرجح، كما يبدو لي بأنهُ ينوي الإحاطة الكاملة لتغطية جسد النص تماماً، خذ مثلاً من عنونة مجاميعه : الخروج من الأسماء، الأشجار تُحلق عالياً، السماء تتفتح في أصابعي، حرريًني من قبضتكِ، احتفاء بصباحات شاغرة، أول الحُب ... آخر المعنى .. هذا البناء المعماري الذي وظفهُ في العنونة جاء طبقاً للمناخات التي يواكبها وفق الحدث القائم حينها، وربما من الطراز الذي يؤسس فضاؤهُ الشعري والنثري معاً ؛ لهذا كانت نهاياتها قصوى وحادَة معمارياً للمفردة التي تتحمل ثقل نفسيتهِ في متاهات بعيدة منها " التحليق – تتفتح – الخروج – احتفاء- إنثيالات – الخروج – أول المعنى " هي اسطرة عن واقعهِ على أقل تقدير . ربما يستدل المتلقي بأن سيرتهِ وفق المفهوم السيكولوجي بأنها تحملت مصائب وتصدَعات حياتية قد مرِت بهِ فتنفسها وشهق بهذهِ النصوص كتنفيس ليس إلا، وكما قلنا بأن مراحل حياتهِ وعوالمها قد داهمها التوجس والتشتت، لذا أثرت على مسيرتهِ بكل هذا الكم من الويلات التي رصدناها بتروي وجلَ ما نطقت به نصوصهِ بالتصدع القهري الذي لازمهُ طيلة الفترة التي عانى منها .

هذا الزخم الحاصل بكثافة العنونات ربما ينوي بها توضيح الإشارية قبل الولوج في " المتن كي يسهل للمتلقي التمهيد الأولي " فهي تشكل باعتبارها سيميائية متجلية تسهل للمتلقي بعض الغموض " علامات وإشارات دلالية تفتح أبواب النص أمام المتلقي \ القارئ، وتزودهُ بطاقات يكتسح من خلالها ميادين النص، وهي شفرات تفك رموز النصوص، وتجذب القارئ نحو القراءة والولع والعشق بالكتاب، فالتعبات وظائفها السياقية والدلالية والإشارية " 1

كان هذا الولوج في عوالم الشاعر طلال الغوار كعرض تعريفي أكثر مما هو نقدي بتحليلهِ وتأويلهِ، لأن الاسم " طلال الغوار " بحد ذاتهِ " عتبة قرائية " فـ " طلال " يعني " الجمال والحسن " و" الغوار " الذي يسبر أعماق الأشياء " متعمق النظر " لذا لمحتهُ يغور في متنهِ عُمقاً وخاصة في نصوص " الحُب " الذي أذهلني توظيفه بحق، كل شيء لديهِ هو " حُب " يا تُرى كم يمتلك هذا القلب من نصاعة روحية ؟!... من المستحيل أن يضم القلب كل هذا الحُب ويجعل للبغض حيزاً فيهِ. لكن يمكننا إستدارك حقيقة كلما تعمقنا في الغوص أكثر، نرى من أنهُ لا يعني بالضرورة ذلك الحب الذي هو متعارف عليهِ بين جنسين، بل هو تآلف روحي بين الأشياء من شجر وحجر وسماء وارض وغيرها من ماديات مهملة وهامشية، وأيضاً هو مع البشر ضد الطغيان والظلم لاستمرار الحياة ضد الموت، الاخضرار ضد اليباس، الجمال ضد القُبح، السلم ضد الحرب، وهكذا جرياً برؤاهُ .. لذا جاءت أنسنتهِ لكل ركن يمر به يصبغهُ أخضراً بالتوظيف الجمالي، كي يكون الأقرب لقلبهِ المخضل بنماء الحُب .. فالحب المُطلق لكل ما يراهُ يستحق ذلك فهو " الوطن، المرأة، الناس " هذهِ العوالم جعلتهُ أن يوظف حياتهِ لأجل ذلك، فالحالة التي مرَ بها من الضيق والعُسر والاغتراب أراد لها أن تكون على مرمى قلمهِ، فجاء ذلك الأتساع بالسمو والرفعة.

فـ الحُب هو ذلك الاحتراق الشعوري ناتجٌ عن نبض قلب ورهافة ضمير، احتكاك القلب بدفقة هو الأقرب لمعرفة ما يغور وما يتجلى، فالحب هو جمرة ذلك الاتقاد، الاحتراق في الاشتغال الروحي، من هذا الاسترسال فيهِ أي " الحُب " يتوالد منهُ عدة تعاريف يمكن إجمالها وحسب قوة الميل العاطفي بنشوتهِ : الأيروس الخاص بالحب ألإغرائي \ وفيليا حُب الإنسان \ أجابا الحب الروحي بين الخالق والمخلوق، عرفانياً .. ومكملاتهِ حُب الذات \ النرجسية \ وغيرها الكثير، هذا كله نتاج من تقلب القلب خلال دفقاتهِ، فالحب كما عرفهُ " أرسطو " : مادة روحية ترفع من شأن البشر وترفعهم إلى مستوى الإلوهية في عين المُحب "2

ويمكن ذكر قول الكاتب الشهير " برنادشو " أيضا: الحب يستأذن المرأة في أن يدخل قلبها، وأما الرجل فأنهُ يقتحم قلبهُ دون استئذان، وهذهِ هي مصيبتنا!.. "3

كذلك أكملها " أفلاطون " بحبه الخارق لطبيعة الجنس البشري : " ذلك الحُب الذي ينشأ بين العُشاق الذين يسمون بأنفسهم فوق رغبات الجسد وشطحات الجنس، وهو القائل : ما في العاشقين أحسنُ مني ...أنا اكتفي بنظرةٍ من بعيدِ" 4

هذا المهووس بتعقل للحب الأخضر وظفهُ ليس ترفاً جمالياً حسب، وإنما هو مكنون يخالج شعوره أبداً، بدءا من فضاء السِحل وحتى تخوم الشام، ومن عنونة قصائدهِ " أيها الحب، حُب، حُب، حُب " هذا التكرار التأكيدي في العنونة جعلهُ يرسو بحقيقة واضحة من كُثر ما ذكرها أي مفردة " الحُب " ويعلنها جهاراً، حتى أفرد لها اسم مجموعتهِ الأخيرة " أول الحُب ... آخر المعنى " تضامناً مع مكنوناتهِ، يلاحظ للمتلقي من أنهُ مهووس بمتلازمة الحُب، وكما أسلفنا ليس الحب المتعارف بين جنسين، وإنما حُب عالمي تأكيدي، حياتي، تكاملي، فلسفي، من الواضح أن نتعرف لتجلياتهِ قبل إطلاق المفردة على عواهنها المعهودة، لكن بتبصر مجازي وتورية واستعارة وغيرها، للسبب والمُسبب معاً، قبل أطلاقها بشكل جزمي متعارف . " فإن عنوان المجموعة يكشف عن ثيمة مهيمنة تتمثل في تدوين سيرة البلاد في صورة المرأة الحبيبة، مما جعل مفردة " الحُب " تهيمن على معظم القصائد، فالمرأة التي غالباً ما يخاطبها هي البلاد التي تناءت وتداعت على يد المخادعين " 5

ولكي نعرضُ ما أعلناهُ في مستهل دراستنا، نذكر الآن بعضاً من المقاطع الشعرية التي تخص اختيارنا، وهي أساساً عرضاً، لا نقداً، تعريفاً وليس سرداً أو تأويلاً، ونقتطف من واحتهِ الخضراء المخضلة بعضاً منها، وها هو مقطعاً من قصيدة " الغياب " ومجموعة " الخروج من الأسماء " 6:

" أقف في الطرف الآخر

من صحرائي

واسأل نجم صباي

عن ضفاف اختفت "

كمن هو يراقب الحدث على حافة الضجر، فالصحراء بامتدادها الخرافي تمثل لهُ حياة متوقفة، موت عياني، انهيار بعد قتل الاخضرار الذي كان سائداً قبل وقوع الكارثة، فما جرى لها غير أنها امتدت زاحفة بتسارع كي تمحو ما كنا نتفاخر بهِ فأضحت زحفاً من الرمال التي تلهث بسرابها، ومثابتها أنها كانت " الطرف الآخر " كتحديد للمكان وهو " الوطن المستباح " الذي كان ينظرُ لهُ من أعلى قمة جبل قاسيون .

ومن مجموعة " الأشجار تُحلقُ عالياً "، وقصيدة " أحلام في غيمة ." 7

" ما الذي سأفعله

من أجلك يا طفلتي

وليس لي غير الكلمات

خذيها

اقتضي جلدها

تجدي طفلا

يحزم أحلاما في غيمه "

أسئلة حيرى صارح بها الطفلة، لكن ما جدوى ذلك !..، تبدو استحالة " مُطلقة " غير ممكنة، وحين نستنطق النَص يبدو لنا أنها ممكنة رغم استحالتها، فالكلمات هي خير تعبير ونتائجها ملموسة جذرياً، ربما هي أحلامها الوردية، ملائمة ومواءمة عمرياً، فالحلم الإشراقة التي ننتظرها بترجي وصبر، فهناك بارقة أمل توحي بذلك، ويمكن رصد ذلك من خلال مفردة " الأحلام" التي وظفها لمراتٍ عدة وكأنها أحلام عصيَة لا يمكن تفسيرها البتة وكأنها " الاستحالة"، أي من الممكن استحالة ذلك وفق المنظور التفسيري، إلا أن البحث عن دليل يرشدنا باستقراء تتابعي عيني كي يثبت صحة رؤاهُ، إن لم نقُل إدعاؤه على شكل شكوى أو استغاثة مرجوة، حيث يستدرك القارئ بأن الغربة تشكل هاجساً مرَاً في نفسيتهِ وكبؤرة أو مثابة ينطلق منها لبث همومهِ ورصفها بترتيب أدواتهِ القاسية مثل : الحزن، الشتات، القهر، الاغتراب وغيرها من مكملات اللَوعة، ويظل هذا التوظيف متصاعداً طبقاً للحدث، الماضي، الآني، اللاحق، ومرافقاً لشهقة النفس الحادَة .

ومجموعة " السماء تتفتح في أصابعي " والقصيدة المُختارة " 8

كي أكون صالحاً للحُب

آخيتُ روحي بالينابيع

وكلماتي بالعشب

كلماتي التي سأحزمها يوما في حنجرتي

وأمضي بها تحت غيمة

لأترك اخضرارها ينمو على راحتكِ .

وعودة ثانية وثالثة للحب الذي أخذه هوساً في الاستذكار والتوظيف الذي وجدهُ بضوابط قلبية يستحقها عن جدارة قلب ينبض باخضرار رغم عوادي الزمن المتسرع بخبثهِ وقلقهِ، كُنَا قد سردنا القول بـ انسنتهِ للأشياء، وها هو يتآخى مع الينابيع كونها دفقات خير لأدامه الحياة التي يستحقها كما يتمنى، فالعشب ديمومة " النماء " التي تتشكل حياتياً مع الاستمرارية التي ينشدها،

أما مجموعة " حرريًني من قبضتكِ " وقصيدة " عُشبة الانتظار " 9

مذ تماهت معي

عشبة الانتظار

وتآخت بروحي

صرت أشعل بين يدي

هشيم الغياب

وأحمل نافذتي للمطرْ

فكأن السماء

تتفتح زنبقة في الأصابع

والأقاصي

على رميةٍ من حجرْ.

التماهي مع الشيء هو نوع من التماثل والتعانق الروحي، فـ عشبة الانتظار تشكل مع بقية العوالم بذرة حياتية تنمو وفق مسايرة مأخوذة بتعاطف، هي الصبر الذي لازم الشاعر منذ المستهل الأول، ومازال يقتحم صعوبات الواقع الراهن. التنبؤ الذي حصل وسيحصل لاحقاً، هو نتاج عقلي طرحهُ في مكنونات رؤاهُ وكأنهُ على دراية ما يحل بنا من أزمات عصيبة نمر بها، هذا الكشف والإستبصار ملكة شعرية تلازمهُ كل لحظة حين يلتفتُ للجهات التي يُحدق بها عن بعد، التجلي الذي بثهُ في استبطان كان يدخرهُ، هو من مسلمات الصبر التي وفرها لهذهِ الفترة .

والمجموعة " احتفاء بصباحات شاغرة " وقصيدة " حُب " 10.

لمْ يعدْ لي من الغناء

ما يكفي يا حبيبتي

حتى أوقظ الطرقات

احتفاء بك

أو أرتًل الشجر

كي تواكب خضرة َ أحلامك .

في هذه الفقرة أراهُ يُمهد للاعتذار المُسبق بأن الغناء لا يكفي للاحتفاء المُنظر، لأن أحلام الطفولة شبه استحالة بالتطبيق على مقياس الطفولة الباذخة بالتمني التي قد لا تستوعبها حتى الطرقات والدروب، يلاحظ نهاية النَص أضفى لهُ " خضرة " النماء الروحي الذي يتعش النفس الإنسانية ن فكيف للقلب أن يتسع كل هذا الفرح وإلا يُصاب بذبحة حٌب الوطن، كما هو حب " السَاموراي " الياباني الذي يُعالج قضية مصيرية باتة في الإخلاص لوطنهِ .

والمجموعة " أوَل الحب ... أوَل المعنى " وقصيدة " أوَل الحب " 11

التفاحةُ التي أغوت بها حواء

أبانا آدم

قضمتها

هي أول العصيان

لكنها كانت أول الحُب

ولأنهُ أراد من الحُب أن يكون أول منزلٍ للقلب، أستهل بالإغواء الذي إنطلق منهُ وهي " التفاحة " التي مثلت دلالة الاستدراج وأتخذها مثابة الولوج رغم أنها تمثل \ القضم + اللَذة = العصيان، هذا الاستبيان يعاضدهُ تناصاً من النسق القرآني، لكن على ما يبدو أنهُ تماشياً مع القرآن بأن \ آدم = الأب، والأم لم يذكرها بالاسم = حواء، مثلت فعلتها التي تبرقع بها الرجل دون المرأة .

إجمالاً وعن يقين راسخ بأن الغوار لهُ ملكة شعرية فائقة في الرصد والتقاط من اليومي المعاصر استنباطا، استقراءاً للأحداث التي ستحصل، لذا نلاحظهُ يضع احتمالاتهِ التخمينية، ثم يقيس على أثرها تلك الرؤى، فكان تكرار الحب ذخيرة ذلك المكمن وقد أصبغهُ ورصعهُ من عندياتهِ الوفيرة ملائمة للوضع الراهن، فجاءت مفرداتهِ المخملية الوضاءة، المشرقة بالإبتهاج الذي يُفتح النفش شهية للذي بعدها منها " الصباحات، السماء، النهار، الكلمات، النهر، الأشجار، الغيم، الحُلم، الأغاني، الانتظار " وكأنها بنسب تعويضية لإكمال الحُلم .

فالحب هو الحاجز الروحي الذي يبعدك عن الموت لوهلة تطبيقهِ أو استذكارهِ في حياتنا اليومية، هو ديمومة العيش الفاعل وأسمى شعور أنساني عرفتهُ البشرية وطبيعته في تلاقي القلوب جذباً . لقد وظف مجاميعه من الألفاظ التي تهيمن على تجربته الشعرية الوجدانية تارة، وأخرى إرهاصات حلم يراهُ منتجاً رغم رمزية وبمعناها البعيد عن التداول بدلالاتها وصورها وحسب موازنة ذلك القياس الإيحائي من تناص وتضمين واقتباس يتمحور حول المعنى، لكن ببعد فلسفي وصوفي وعرفاني كي يدرك كهنة الموضوع بمعالجة رصينة توحي للمتلقي استدراك ما فاته لحظتها . وكما قرأتُ لهُ في أغلب نصوصهِ من أنه تصطبغ عنده الأشياء بلونية الأخضر من سهل وجبل ونهر وشجر " وقد وردت لفظة الأخضر ثماني مرات في القرآن الكريم، واستخدمت كلمة أخضر لبيان ماهية وجمال ثياب أهل الجنة " 12. فهذا اللون من مغريات العباد كجزاء ومنحة للفوز بالجنة ن لما لهُ من راحة ودفء وابتهاج دنيوي لتأثيره الواضح والملموس فيزيولوجياً ونفسياً على حياة الإنسان، فكيف سيكون آخروياً !.. .

فكان " السِحل " وفق الصيغة التي أوردناها، هو المكان الشمالي للمدينة مهبط الصبا ومرتع الفتوة والشباب، البقعة الخضراء التي إستبطن لونيتها، وقد تجمع بطبيعتها الخلابة كل الفصول لحظة الاختلاء الحُر، هو المكان الأثيري الذي أصبح مرتعاً للشعراء الشعراء وأرباب الأدب كي يستلهمون منهُ الإلهام في خلوتهم الروحية، الصفاء والنقاء والحب، فتنمو الملكة الشعرية إيحاءً بخضرة يانعة، هو مثابة الإنطاق إلى الأقاصي البعيدة، فكانت للطبيعة الدور الأهم في تشكيل معظم قصائدهُ الخضراء التي تنمو من أديمهِ بإخصاب حياتي من روح وحياة عجنها بالحب والعُشق، كونهُ منفتحاً ببراءة يافعة عليها منذ نعومة أضفارهِ، وصولاً إلى كهولتهِ الناضجة معرفياً . وكما متعارف عليهِ بأن اللون " الأخضر " موروث شعبي مقدس، لهُ ميزة في نفسية أصحاب الطرق الصوفية والعرفانية، لما لهُ من حدس النقاء والصفاء والطُهر حتى نهاية الحب المنشود .

 

بقلم : عدنان أبو أندلس

...............

الهوامش :

1- د. ماجد قائد، جمالية التلقي في الكتابة الشعرية العربية، من العتبات إلى النص، مقاربة للنشر والصناعات الثقافية، فأس، المغرب، ط1، 2018، ص 60 .

2- قول الفيلسوف اليوناني أرسطو – فلسفة الطبيعة .

3- = الكاتب الإنكليزي جورج برنادشو .

4- = الفيلسوف اليوناني أفلاطون .

5- د. سعد التميمي، فضاءات المعنى، مقاربة دلالية في تجربة الشاعر طلال الغوار، مجموعة مقالات، دار الينابيع، دمشق، 2018، ط1، ص 22 .

6- طلال الغوار، المجموعة الشعرية 1، الخروج من الأسماء، دار الشؤون الثقافية ؛ بغداد، 1996، ط1 .

7- المؤلف نفسهُ، المجموعة الشعرية 2، الأشجار تُحلق عالياً، الدار نفسها، 1998، ط1.

8- =، المجموعة الشعرية 3، السماء تتفتح في أصابعي، الدار نفسها، 2003، ط1 .

9- =، المجموعة الشعرية 4، حرريًني من قبضتكِ، دار تموز، ط1، دار الينابيع، 2017، ط2، دار ا ‘ دمشق .

10_= ‘ المجموعة الشعرية 5، احتفاء بصباحات شاغرة، دار بعل، دمشق، ط1 و2 ‘ 2014 و2017 .

11_ =، المجموعة الشعرية 6، أوَل الحُب ... أوَل المعنى، دار بعل، دمشق ‘ 2016، ط1 .

12 _ د. علاء الجوادي، موقع النَور الإلكتروني، 23-5-2018 .

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم