صحيفة المثقف

أجنحة للبيع

صحيفة المثقفلم يكن مخلص يعيش في بيته وبين أبويه فقد مات كلاهما وهو صبي فكفله أحد أقاربه وكان نجاراً طيباً فعلمه مهنته فبرع مخلص بها . وظل يساعد عمه حتى وفاته غير إن زوجة النجار لم تكن تحبه أبداً ومع إنها لم تنجب أبداً لم تتخذ منه ولدا. وظلت تحاربه بالقول والفعل وتشدد عليه الخناق ولم يعترض مخلص على سوء معاملتها له إكراما للنجار الذي احتضنه كما لو كان ابنه . وبعد سنوات وكان مخلص قد أصبح شابا يافعا مات النجار غير إن مخلصا ظل يعمل في النجارة ليعيل الاسرة ولم تُقدر المرأة عمله بل فسرت ذلك وفق مفهومها مما جعلها تضيق الخناق أكثر وأكثر وتعامل الشاب كما لو كان عبداً مملوكاً حتى إنها أقامت عليه حراسة مشددة كلما خرج ليروح عن نفسه قليلا . كان يود الهرب غير إن أخلاقه وإخلاصه حالا دون ذلك . حتى أخذ يشعر بنفسه يضيق وبروحه تمتص من جسده الفتي كان يريد الهرب ولا يجد له طريقا للهرب فقد أصبح عبداً مملوكاً لمتجبرة . وكلما انتهى من عمل وسلمه لمن أوصى عليه تلقفت المال وابتعدت مسرعة وهذا ما كان يؤلمه جداً ولا فكاك له منه . كان غاية ما يصل اليه هو غابة القرية يذهب اليها فيستلقي على عشبها البليل غير عابىء بما قد يصيبه جراء ذلك من مرض ولا بمن يراقبه فقد سئم الحياة في ظل هذه المرأة . وفي إحدى جولاته في الغابة والتي كثيرا ما لاحظ فيها من يتبعه ويراقبه استلقى ولأنه كان تعباً فقد استغرق في نوم عميق وإثناء ذلك حلم بجميلة تقف عنده تعرض عليه بضاعتها فهي تبيع أجنحة جميلة وعرضت عليه شراء جناحين لكنه لم يكن يحمل نقوداً كالعادة فطلبت منه أن يعطيها ما في سلسلته غير إن ما في سلسلته غال جداً قيمة لا سعراً وكثيراً ما رغبت زوجة النجار أن تأخذها فكان يصك راحتيه عليها ويقول إنها خاتم أمي المميز لن أفرط أبداً فيه . أما الآن ولكي يشتري الجناحين فقد فك السلسلة وأخرج الخاتم ليعطي الصبية ثمن ما أخذ منها اختفت البائعة وحين أفاق مخلص من نومه وجد في حلمه الكثير من الحقائق وأولها اختفاء الخاتم لذا أراد أن يختبر باقي ما في الحلم لذا حرك يديه وإذا به يحس بخفة غريبة وإذا به يطير فعرف إن حلمه هذا طريق لهربه بعيدا لبدء حياة جديدة بعيداً عن هذه المرأة . أدار عينيه الى مختلف الجهات ومن حسن الحظ لم يكن هناك من يراقبه . تذكر إن عليه أن يجلب أوراقه الرسمية فمن يدري فلعله يحتاجها وهو يسافر الى مكان لا يعرفه به أحد . فنهض متوجهاً الى البيت الذي لم يكن بيته أبداً . مارس بعض العمل فغداً سيحضر زبون لاستلام ما طلب فلعله يستطيع أن يضفر ببعض المال يستعين به على السفر، غير إن ذلك لم يتحقق لان المرأة كانت بالمرصاد فأخذت ثمن مجهوده كاملاً . وضع أوراقه الرسمية في جيب داخلي وتوجه الى عمله كالعادة وقضى نصف النهار الأول وهو يكد ولما خرج من معمله الصغير تناول طعامه ثم توجه الى نزهته بعيداً بعيداً دون توقف خشية أن يراه أحد وصل الى قرية تشبه قريته فتركها الى مكان أبعد لا يمكن أن تصله فيها أخبار قريته ثم ابتعد الى أن وصل الى مدينة كبيرة مسورة يقف حراس على بابها يطلبون ممن يرغب بدخولها أوراقاً رسمية فأظهر لهم بطاقته الشخصية وسمحوا له بدخول المدينة التي لم يشهد لها مثيلاً حتى في حلمه وبما أنه يحسن القراءة فقد ظل يمشي ويقرأ حتى تعب فوصل آنذاك الى محل نجارة كتب عليه بحاجة الى عامل ماهر فتأنى قليلاً ثم دق باب المحل الذي كان بيتاً ومحلاً في آن واحد فخرج عليه رجل وقور هزمه المرض وأوشك أن يقضي عليه رحب الرجل بمخلص واتخذه عاملاً لديه ودعاه للمبيت عنده فجاءت بالعشاء شابة جميلة كما كانت فتاة الحلم فكأنها هي عجب مخلص غير إنه لم يتكلم . ومن صباح الغد غدا لعمله يمارسه براحة وعزيمة أحبه الرجل وأعطاه نصف الأجر المعتاد قائلاً أما النصف الآخر فهو لطعامك ومنامك . ارتضى مخلص ما خططه الشيخ وما قرره ووجده منصفاً ثم بعد أشهر زوجه ابنته لأنه على وشك الموت وليس للبنت من يرعاها بعده . وفي ليلة العرس اكتشف مخلص شيئاً عجباً إذ كانت البنت تلبس خاتم أمه المميز .

***

قصة لليافعين

سمية العبيدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم