صحيفة المثقف

ما يكبته القلب يبوح به اللسان

جاسم العبيديقولي لامك ما يكبته قلبك من وجع، لتعلم ان رحيلك لم يكن سوى وجع ات بما لم يستطعه جسدك النحيل

قولي لها اني رحلت تاركة ملابس اصدقائي هاربة الى سماوات لم تمنحني غير جسد التهمته نيران قذائفهم ولم تترك امامي سوى بدلة عسكري مات في العراء تلتهم جثته الغربان

قولي لامك ان من احببته لم يترك لي قبرا ازوره كل عيد لان جثته توارت ولم اعثر على بقاياها بين الانقاض

قولي لها انني اعطيتهم رجلا يافعا وهم اعطوني عظاما سوداء نخرة وورقة كتبوا فيها جثة مفقود في الحرب قولي لامك انهم اوقفوني على الساتر ثم راحوا يخلعون عن جسدي ثيابي لينهشوا لحمي الطري باسنانهم القذرة وارسلوني الى سجونهم المعتمة لانني لم اتفق معهم على زرع عظام ولدي في مقبرة الشهداء واكتب فوق رقيمها اسمه كذبا قولي لامك ان الذين جاؤوا يثبابهم الرثة استدرجوني بالخطيئة على ان اكتب لهم ما يمنحهم حق بيعي بالمزاد قولي لامك انهم على قارعة الطريق وقد اودعوا سكاكينهم مخبؤة خلف ظهري كي اصدق اقوالهم واشاروا الي، اطمانوا الى صوتي حين غنيت لهم "يا حريمة ضاعت الجلمات من فوك الشفايف" وراحوا يرقصون "الهيوة" على جسدي المسجى بعنجهية قولي لامك هؤلاء الذين سلبوا حريتي لم يكتفوا بالرقص في الظلام لقد عروا جسدي وكشفوا عورتي واداروا كؤوسهم حولي قولي لامك ان من قتلوا العشق في صدري اشترطوا علي ان اغني على انين الجياع وصراخ المستضعفين انهم كانوا يحدقون في عيني طويلا ليغرقوها بالدموع ثم ساقوني الى بلاد الطوفان بلا سفينة ها هو قبر نوح حيث رست سفينته التي هربت بالنازحين من الموت انها تصيح بي لم لم تركبي في السفينة لتنجي من الموت

قولي لامك انهم وضعوني وقصائدي في مقبرة ليس فيها سوى جثث الادباء الفارين بجلودهم " السياب، البريكان، محمود عبدالوهاب، واخرون، واخرون ممن لم يألفوا سماع اصواتهم وهي تصرخ بالحرية قولي لامك كيف اودعوني سجنا انفراديا وراحوا يحملون على جيادهم اضابير شقائي حين قطعوا جسدي اربا

قولي لامك كيف اخفوا شاهدة قبري وشهود موتي وسيحوا علي مياه الفراتين وكيف حاولوا ان يهشموا راسي ويمحوا اسمي من الذاكرة

قولي لامك كيف ختموا على قصائدي بالشمع الاحمر لان فيها صوتا يدعوا الى الحرية قولي لامك كيف كنا نتكيء على ارصفة الشوارع كالموتى وكيف كنا نجمع في رؤوسنا القصائد العارية من اسمائنا القصائد التي خباتها في ذاكرتي قولي لامك انني ساسكن مع بقايا اجساد الشهداء الذين كانوا يجترون الامهم لانهم وهبوا دماءهم ليسدل عليها الستار

قولي لامك ان اطفال الشهداء ميتون وهم احياء وان نساءهم مزروعون على قارعات الدروب تتضاعف بهم الشوارع

قولي لامك كيف انتصروا بنا كيف علقوا صورنا واسماءنا على الشوارع المزروعة بالأشجار ليمنحوا انفسهم اوسمة الانتصار وهم يعزفون الالحان على اشلائنا

قولي لامك ان شمس الله تورق في دعائي ان شهدت الموت فاقتسمي من الموت اكتفائي

قولي لامك ان بغداد بكت من لوعتي وشفا عوائي

قولي لها ان احتمال العشق يودي بالشقاء كم مرة سابقت روحي فارتجفت كما الشتاء كم مرة اقدمت للقداس في ليل ابتلائي كم مرة قبلت في شفتيك احلامي وبائي كم مرة وعلى سبيل الخوف حاصرني بكائي كم مرة نامت عروستي الصغيرة في خبائي وتسللت في غرفتي دوامة ومشت ورائي قولي لامك كيف نعيش في مأوى الخراب نجري وراء فتاتهم منذ الصباح الى المساء اطفالنا عري ونوم نساؤنا سبي وحصادنا لا اخضر منها ولا باقي اليباس وهم يقيمون احتفالات على اسمائنا ويختالون بدمائنا ويشربون نخب موتنا ويباركون لنا الموت والشهادة

قولي لامك كيف تحترق الشفاه الى اللقاء قولي لها كي ترسم بالدم المسفوح وجه الانبياء وتستري بالصمت في ظلمات دهر الاتقياء

قولي لامك كيف تلتصق الوجوه اذا استقرت في الخفاء

قولي لامك كيف متنا وبقت تجر رفاتنا في الحاويات قولي لها اني لشوق النوم مأسورا لنوم هانئ وبلا عراء

 

جاسم العبيدي / العراق

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم