صحيفة المثقف

قصدية التشويه لذاكرة العرب الصورية في ثقافة الغرب

رحيم زاير الغانمفي كتاب (لماذا الرسول؟) للكاتب محمد كريم الساعدي

نقرأ في مقدمة كتاب (لماذا الرسول؟) للكاتب الاستاذ الدكتور محمد كريم الساعدي تساؤلات عدة تُطرح، بدءاً من مسألة الاساءة وقصديتها والتشويه وما تركه من فعل في المنجز الفكري/ الفلسفي، وقصديته التي أنتجت هكذا تعميمات، تاركة في ذهن صاحب الكتاب العديد من التساؤلات، نتيجة لما طرحه المنتج الغربي من رسوم الكاريكاتير، الى افلام مسيئة لشخص الرسول محمد (ص)، وما دعت له الضرورة، سواء على مستوى الفكر او الاعتقاد، كنتيجة طبيعية للأفكار المشوهة التي حفل بها التاريخ الغربي، على اعتبار ما يمثله الغرب من مقاومة فكرية وانسانية وحضارية كمركز، والتي يخضع لها جميع الهوامش، وما قد ينتج من تساؤلات كردة فعل باتجاه مركزيتها الصارمة مع ما تدعيه من عدالة او مساواة، ويبقى السؤال، اين العيش بكرامة قبالة ما يدور من فكر اقصائي للآخر المغاير، بعدما اعتبرته ضدا وعملت على تهميشه، عبر جعله يغرد خارج سرب الفعل الانساني، تاريخا وحاضرا، ولا يقبع عند هذا الحد بل الى توجيه اصابع الاتهام للمواطن العربي/ المسلم، قبوله الرضوخ للحكم الدكتاتوري بجذره الحضاري الاول في الشرق، مرورا بظهور الدين الاسلامي في الجزيرة العربية الذي يعد امتداد لكارزما الشخصية الشرقية بحسب الغرب، و(الروح المطلقة) كما يتبنى طرحها (هيجل)، لذا وبحسب المؤلف ان الاساءة والتشوية هي افعال قصدية، وما حركات الاستشراق من قبل (800) سنة، الا محاولات لإخضاع الشرق، باستهداف الاخر المسلم، عبر ثنائية الشرق والغرب وما انتجته من ثنائيات، (الغرب المتحضر، والشرق البربري) و(الغرب المؤمن، والشرق الكافر) و(والغرب المتنور، والشرق الظلامي)، وما اعقبتها من مرحلة في القرن الحادي عشر ميلادي بفتح كراسي الاستشراق والدراسات الشرقية في الجامعات الغربية بأمر من مجمع الكنائس، توجت بأطروحة (صموئيل هنتنجتون) في كتابه (صِدام الحضارات)، وما يهدف اليه من اعادة النظام العالمي، وما يعتريها من نَفَسٍ تقويضي للآخر المسلم ممثلا بمركزه العربي، أو ترسيخ فكرة اختيار الله للشعب اليهودي، وعدَّ ديانته دين الله الاوحد.

 ان تناولنا لهذا الكتاب بوصفه يناقش الحرية المفرطة في التعامل مع معتقدات الشعوب ورموزها الانسانية، الحرية التي تتنافى الى قدر كبير مع دعوات التنوير الفكري والاعتراف بالآخر بغض النظر عن جنسه او نوعه، التي يحرص على تسويقها، من أجل بلوغ اعلى مراتب الانسانية، نتلمس من خلاله ازدواجية المعايير في الطرح النظري مقارنة بالتطبيق الذي يحرص اغلب دعاة التنوير على الحث عليه، لوقوعهم تحت تأثير الفكر الاحادي الرؤية في تشخيص الاخر، بمرجعيات تاريخية مظللة او استشراقية ملفقة، حرص المؤلف على استحصالها بالمصدر تحقيقا للأمانة العلمية في النقل سواء على مستوى النص أو الفكر.

يتلخص الكتاب في ستة فصول تناول في فصله الاول: (الصورة / الذاكرة/ التشويه/ القصدية)

وفي الفصل الثاني: الاشتغال الثقافي للصورة (حضور الخطاب المهيمن)، وفي الفصل الثالث: الذاكرة وتفعيل الحضور الميتافيزيقي، والفصل الرابع: الفكر الغربي ومرجعيات التشكيل، والفصل الخامس: الاستشراق وقصدية التشويه، والفصل السادس: مرتكزات في قراءة صور الاساءة، وسنحرص على تناول هذه الفصول الست بدراسة يستعرض فيها الساعدي أفكار وتصورات الغرب للإنسان المسلم العربي، والخلفية التي استند عليها الغرب، مفنداً ادعاءاتهم من جهة ومنزهاً شخصية الرسول محمد (ص) مما لفق له من جهة اخرى، مع مراعاة بعض الجوانب التي لا تخفى على القارئ المثقف العربي، ان بعض السلوكيات هي نتاج حراك داخلي بمحركات ومحفزات غربية، عبر اجندة تدعو الى اعادة انتاج اسلام جديد يؤكد انطباع الشعوب الغربية عما تمَّ طرحه عبر ماكنة اعلامية وثقافية هائلة من نموذج مثَّل بالنسبة لهم طبيعة العربي الشهواني القاتل.

  لقد حرص الغرب على تشويه الذاكرة الصورية للعرب وتنشئة المواطن الغربي على تصديق مقولات التشويه، لما تشكله الصورة، من رسم تشكيل على صورة مفاهيم وخبرات في الذهن، ليس من السهل محوها، لأنها نمت بفعل امتهان جميع سبل التشويه سواء على مستوى استحضار محفزات التشويه العرقِي أو السلوكي للآخر، على الرغم مما يعتريها من تلفيق او تدليس، ولهذا اعتمد الغرب تشويه الذاكرة الاصل وابدالها بذاكرة مشوهة، وهذه الذاكرة المحدثة لا تتوقف عند التصورات للأشياء والمواقف والثوابت الانسانية بل تتخطاها الى تشويه الصورة، التي يحاول الغرب ترسيخها تماهيا مع تشويه تاريخ حضارة العرب، برسوم وافلام مسيئة لرمزه الديني والانساني على حد سواء، ليبدو العربي، في عصر ما بعد الحداثة نفسه، ذاك العربي القابع في الصحراء، وللمواطن الغربي الخيار ان اراد التواصل معه حضاريا وفكريا، وان رغب بذلك فانُّه سيصطدم بالعقلية البدائية والبربرية، ان رغب بالمجازفة، فأنه من دون أدنى شكٍّ سيحمل مشعل الفدائية في هدفه التنويري النبيل أو التبشيري المصلح، بعدما أقبل على شعوب العالم الثالث وهو معبأ بتصورات وافكار لا تمت بصلة للعالم المتحضر ممثلا بالغرب ومن التحق بركب حضارته، من الامم الاخرى، اذ انه سيقدم على أمم خارج التوصيف التاريخي لدولة الانسان، حققه النهج الغربي المنظم في تحطيم أواصر التواصل المعرفي مع الاخر العربي وعده ضداً، حرصاً منه على ديمومة الصراع، قصدية انتهجها العقل الغربي، بعدما ادرك ان لا مناص من تحقيق مركزيته على العالم من دون ترسيخ ثقافة تهميش الاخر الضد الحضاري، وأدرك مبكرا بنجاعة الضد (الشرق أوسطي) وبظهور الرسول محمد (ص)، استقرت بوصلة التشويه على الوطن العربي وما شخصية الرسول محمد (ص) الا الهدف الرئيس من ادامة الصراع الحضاري الذي ظاهره صليبي / اسلامي، الا ان باطنه صراع الغرب والعرب، قد لا يدركه البعض للان وقد تستهجنه قاعدة عريضة من جمهور الأمة، لكنها الحقيقة كما تصرح بها تجاذبات الصراع الدائر من حولنا شاء من شاء وأبى من أبى.

 

رحيم زاير الغانم

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم