صحيفة المثقف

رفسات الامبراطور.. تراجع الهيمنة الامريكية

مهدي الصافي- انهيار النظام الرأسمالي وتذبب اسواق الاسهم، وتكرار حالة الركود الاقتصادي، وتعثر مشاريع الشراكة والتبادل التجاري الدولي، وزيادة نسبة البطالة، وعجز الموازنات المالية لخزائن اغلب الدول الاقتصادية، انطلاق مشروع طريق الحرير الاسيوي الاوربي، مشاكل الهجرة واللجوء ...

- فشل نموذج النظام الديمقراطي الراسمالي الامريكي

- التراجع الحضاري العالمي

- صعود اليمين المتطرف في اوربا وامريكا...

يقال ان تاريخ هيمنة القوى الامبراطورية يعيد نفسه، فهي تسير بشكل تصاعدي لعقود حتى تصل القمة، ثم تبدأ بعدها رحلة التراجع والانهيار، فاسحة المجال لقوى امبراطورية اخرى تأخذ مكانها، او يدخل العالم في المرحلة الباردة، مرحلة توازن القوى او تعدد الاقطاب...

مايحدث بعد نهاية الحرب الباردة (مجيء بوش الاب للبيت الابيض .. وقيادة حرب الخليج ١٩٩٠)

تخبط واضح في مسألة تثبيت القيادة الامريكية المطلقة على النظام العالمي الجديد "القرن الامريكي"، حيث سرعان ماعادت ونهضت روسيا من تركة غورباتشوف الثقيلة بزمن قياسي لافت، وتصاعدت معها وتيرة الصناعات والاكتشافات الالكترونية الدقيقة في دول شرق اسيا وتحديدا في الصين، الا ان عودة الانتعاش الاقتصادي للدول التفطية بعد حروب الخليج، احدث نقلة نوعية في جميع المجالات والقطاعات الصناعية الحربية والمدنية،

استغلت اغلب هذه الدول (روسيا والصين وايران وتركيا) النفطية والصناعية التورط الامريكي في منطقة الشرق الاوسط (حرب احتلال العراق عام٢٠٠٣، اسقاط حكومة طالبان، وبداية تطبيق مشروع الشرق الاوسط الجديد)، والانخراط المباشر في هذه الملفات المعقدة، لاعادة بناء منظومة الاكتفاء الذاتي التنموية، العلمية والاقتصادية والصناعية، ومارست حصارا وضغوطا عسكرية كبيرة ضد التواجد الامريكي في هذه البقعة والمساحة الجغرافية صعبة، الحيوية والمهمة جدا (تبدأ من البحر المتوسط، سوريا ولبنان، وصولا الى البحر الاحمر في اليمن، الذي قيل عنه بالهلال الشيعي، بخضوع مضيق هرمز وباب المندب لقدراتهم العسكرية المؤثرة)،

اعتمدت فيها الادارة الامريكية الحالية على حلفاء اقليميين لايملكون الا المال (دول الخليج العربي)، في حين ان الهيمنة الاقليمية المطلقة في المنطقة هي بيد ايران وتركيا فقط،

بعد ان تحولت تركيا الى المعسكر الروسي بشكل جزئي، او اخذت موقفا متذبذبا في منطقة الابتزاز، تعقدت قدرات واشنطن في اعادة القوة والهيبة للاذرع الامبراطورية البعيدة (مع تعذر بناء منظومة الدفاع الامريكي في اوربا، وبعض جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، ومع بداية التصدع ايضا في منظومة الاتحاد الاوربي، بطلب بريطانيا في الخروج منه) ، وابتعاد المانيا القطب الاكثر تأثيرا في هذا الاتحاد عن القطار الامبراطوري الامريكي الخارج عن السيطرة (ولهذا كانت خطابات ورسائل ترامب المتشنجة ضد المانيا وحتى فرنسا سواء المتعلقة بتمويل حلف الناتو، او في مايتعلق برغبته في استكمال عملية الخضوع الكامل من قبلهم لسياساته الاقتصادية او حتى المشاركة في مخططات اعادة فرض القوة الامبراطورية حول العالم) ...

العلم والابتكار والمعرفة قد تكون احد اهم الاسس المعتمدة فيها هو الخيال العلمي المنطقي (اي الذي يستند للاسس العلمية الاولية المكتشفة)، وهذا الامر لم يعد حكرا على امة او شعب او دولة دون غيرها، فاسواق التكنولوجيا والصناعات التقنية متاحة للجميع، ولا يمكن ان تخضع كما حصل سابقا مع العراق فترة الحصار الاقتصادي للمراقبة والمحاصرة والمنع الدولي، فحدود العالم البرية والبحرية والفضائية اصبحت شبه مفتوحة تكنولوجيا (الاقمار الصناعية، شبكات الاتصالات الدولية الالكترونية)، اضافة الى ان الامم وشعوب منطقة الشرق الاوسط هي تعد حضاريا من اذكى الامم، ولاينقصها سوى الاستقرار الامني والسياسي، من هنا شعرت الدوائر المغلقة في الولايات المتحدة الامريكية (وقسم من دول الاتحاد الاوربي) ان التطور التكنولوجي الاسيوي (بالاخص العسكري، وزيادة الرغبة في الدخول الى الصناعة النووية من باب الحاجة لتغطية الاستهلاك المتزايد في الطاقة)، قد يشكل تهديدا حقيقيا لمصالحها الامبريالية او التجارية في المنطقة،

لهذا عادت للتدخل مجددا في ملفات المنطقة (سوريا والعراق وايران)، وقامت ايضا بالغاء الاتفاق النووي الدولي مع ايران، واتجهت الى محاصرة روسيا والصين تجاريا واقتصاديا، مع ان ادارة ترامب اعلنت اكثر من مرة انها ستنسحب من المنطقة (يقال ان ترامب قال لاردوغان سوريا لك بعد ان حدد مهلة الانسحاب)، وكأنه على مايبدوا اعادة ترتيب الاولويات الامبراطورية التي غفل او عبرها ترامب دون ان يعرف او يدرك اهميتها، تماما كما يعتقد ان السلاح النووي قد يوقف الاعصاير والعواصف والكوارث الطبيعية قبل ان تصل بلاده....

رفسة الامبراطور واضحة بالتخبط السياسي والاقتصادي والتجاري، بتحول ادارة ترامب الى ادارة فوضوية بامتياز، لاتوجد سياسة او برامج وخطط استراتيجية واضحة (هناك تسريبات كثيرة حول هذا الامر من قبل العديد ممن كان يعمل معه، اخرها تصريح السفير البريطاني المستقيل لدى واشنطن كيم داروتش)، وحالة رد الفعل الانفعالية ضد التصاعد والازدهار الاقتصادي الصيني (زيادة التعرفة الكمركية والضرائب الجديدة الاخرى المفروضة على البضائع الصينية المستوردة)، المؤثر في الاقتصاد الامريكي، وبقية دول العالم اكثر مما يضر هذه الدولة المتكاملة (حيث نشر تقرير صادر عن مركز دراسات الولايات المتحدة الامريكية في جامعة سدني حول القدرات الصاروخية الصينية الدقيقة التي تشكل تهديدا مباشرا لجميع القواعد الامريكية في غرب المحيط الهادئ) ، مما يجعل من هذه الحركات (الرفسات) البهلونية بلا فائدة، وكأنها استعراض في مسرح للسيرك او العبث الممل...

يقال ان المصريين واجهوا مدافع نابليون بالسلاح الابيض، وقد حاول صدام عام١٩٩١، ان يواجه الترسانة الحربية الامريكية الذكية

 بالسلاح الاسود (النفط وحرق الابار..وحديد خردة الاسلحة الغبية المتهالكة القديمة )، وفي كلتا هاتين المعركتين كانت النتيجة محسومة لصالح القوى الامبراطورية الامبريالية،

اما معارك اليوم فهي مختلفة تماما، فالجميع بات يملك الاسلحة الذكية الموجهة بالليزر او بالكنترول، والقادرة على تقليل نسبة الخطأ في اصابة الاهداف المعادية الى الصفر احيانا، اذ لم تعد هذه الدول (النامية او الناشئة) بحاجة الى صرف ملايين او مليارات الدولارات لصناعة الطائرات الحربية الضخمة المكلفة، بل صار بالامكان ارسال الطائرات المسيرة (قليلة التكلفة، سهلة الصنع والحمل والاخفاء والانطلاق، الخ.)

لاصابة ابعد الاهداف (بمافيها حاملات الطائرات العملاقة المتواجدة في البحار والمحيطات البعيدة نسبيا عن

 المياه الاقليمية ) ...

الحضارة الالكترونية- الفضائية رفعت الحواجز العلمية بين اغلب دول العالم، ومن المعروف ان الامبراطوريات لايمكنها ان تفرض اذرع الهيمنة الا في محيط الدول المتخلفة البائسة الفاشلة، ولكن ماذا عساه ان يفعل ترامب لروسيا والصين والهند وايران وتركيا والمانيا وكوريا الشمالية وامريكا الجنوبية وبقية الدول النامية، لاشيء غير ان يستمر بارسال رفساته المتكررة المشتتة هنا وهناك للعالم، لعله يصيب او يعيد القوة لامة انتهى على مايبدوا دورها الريادي في قيادة العالم المتحضر...

المعارك والحروب وصناعة الفتن وزيادة رغبة فرض الهيمنة الامبراطورية على العالم، دليل واضح عن ان الامم والشعوب لم تصل بعد الى مرحلة الحضارة الانسانية، الحضارة التي لاتنظر الى الانسان والكون والطبيعة والحياة عموما كمادة موضوعية قابلة للتغيير والتحول والخضوع تبعا لسلطة الاقوى، انما من منظار الاخلاق والقيم والمثل والمعارف الانسانية الراقية، بعيدا عن حدود الجغرافية والهويات التاريخية او الخصوصيات الدينية او الاثنية، فقد زالت الحواجز واصبحت الارض ملك البشر، وصار تغير المناخ والتلوث البيئي وحرائق غابات الامازون شأن دولي عام...

لم يعد بمقدور شعب ما او امة معينة قادرة ان تعيش بمعزل عن الشعوب والامم الاخرى، هذه هي كما نعتقد بدايات الدخول في مرحلة بناء اسس الحضارة الانسانية القادمة....

لاينفع لرفسات الخيل المصابة غير رصاصة الرحمة

 

مهدي الصافي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم