صحيفة المثقف

هل تأثّرَ الأميرُ عبد القادر بالصُّوفِيِّ الأكبرِيّ مُحْيِ الّدّين ابن العربي؟

1108 ابن العربيتشير بعض الكتابات أن الأمير عبد القادر الجزائري كان متأثرا جدا بعالم الكلام الصوفي محي الدين ابن العربي، الذي جسّد وحدة المذاهب والأديان من خلال ما له من أثر على الفكر الإسلامي (سُنّة وشيعة) وعلى الفكر الإنساني بتعدد دياناته (الإسلام والمسيحية واليهودية وحتى الوثنية)، وسر قوة الفكر الصوفي الأكبري الذي يكمن في رمزيته وفي مجالات التأويل التي يفتحها على العقل والقلب معا

اختلفت الكتابات بين الإسم الصحيح لهذه الشخصية الصوفية، بعضهم يقول أن اسمه ابن عربي، وآخرون يضيفون له لام التعريف فيتحدثون عن الصوفي محي الدين ابن العربي، الذي احتل الصدارة في عالم التصوف، وما له من تأثير لظروف عامة وخاصة، يعرفها عالم اليوم، عالم ما بعد الحديثة، إلا أن بعض الكتابات تقول أن هناك شخصية أخرى وهي تعود للقاضي المالكي أبو بكر بن عربي، إلا أننا في مذكرات الأمير عبد القادر وهي عبارة عن سيرة ذاتية كتبها الأمير عبد القادر في السجن سنة 1849 صدرت المذكرات عن دار الأمة الطبعة السابعة 2010، حيث نجد في الصفحة 61 قد ورد في هامش الصفحة حديث ابو القاسم بن محمد البلوي القيرواني المعروف بالبرزلي عن ابن العربي وذكر اسم أبو بكر بن العربي الأشبيلي قاض من حفاظ القرآن، عندما سأل هذا الأخير الغزالي في مسألة تقليد الشافعي وكان مذهب المقلد مخالفا لأحد الخلفاء الأربعة وغيرهم من الصحابة، ولم يذكر اسم محي الدين ابن العربي، وهذا ما يؤكد على وجود خلط بين الأسماء، كما نراه في كتاب الرباط والمرابطة للدكتور فهد سالم خليل الراشد، إذ يقول في الصفحة 22: " يأبى ضيف الشام ويقصد به الأمير عبد القادر إلا أن يقضي هجرته الأخيرة بدمشق في نفس الدار التي أقام بها شيخه الأكبر ابن عربي (بدون لام التعريف) قبله بستة قرون أين عاش وقُبِرَ، علامة على حياة استثنائية لرجل استثنائي...الخ.

ما يهم هنا هو مسار العالم الصوفي محي الدين ابن العربي، فقد لقب الشيخ محي الدين ابن العربي بالعديد من الألقاب، فكثيراً ما يدعوه مريدوه بألقاب التعظيم والتبجيل مثل سلطان العارفين، وإمام المتقين، ومربي الشيوخ والمريدين، وابتداءً من القرن العاشر الهجري، بعد أن فتح السلطان سليم الأول دمشق سنة 922 للهجرة وأمر بتشييد مسجد الشيخ محيي الدين وبناء ضريحه إلى جانبه، أصبح ابن العربي يُعرف باسم الشيخ الأكبر، كما كان هذا العالم الصوفي محل شدٍّ وجذب بين الأتباع والخصوم فكان محل نقد إلى درجة التكفير، وقد كان الشيخ ابن تيمية من اشد خصوم ابن العربي، حيث حكم عليه بالكفر والزندقة، ولا شك أن من تتلمدوا على يده هم كذلك محل شك واتهام، لاسيما فكرة التشيع، خاصة وأن ابن العربي لم تكن لها علاقة مع البلاط الموحدي، فاضطر إلى الهجرة من المغرب إلى المشرق.

 فقد دار جدل قوي بين ابن تيمية وابن العربي حول العديد من المسائل وكان ابن تيمية يرد على ابن العربي برسائل حول فكرة "الولاية"، واختلافهما حول إن كانت الفصوص هي الفتوحات، لدرجة أن ابن تيمية اتهمز اين العربي بالكفر والزندقة، لأنه قال أن الكون خيال في خيال، تشير بعض الكتابات ومنها ما جاء به ساعد خميسي في دراسته حول المفكر الصوفي ابن العربي بعنوان: "ابن العربي المسافر العائد"، أن المجاهد الشهير الأمير عبد القادر الجزائري من أبرز تلامذة وأنصار ابن العربي في العصر الحديث، وكان حلم الأمير ان يدفن بجوار معلمه ابن العربي، وقد تحقق له ذلك، حسبما جاء في هذه الدراسات فالأمير عبد القادر من الذين تأثروا بابن العربي وعملوا على إحياء فكره وتجربته الصوفية، ودراساته لاسيما كتابه "فصوص الحكم"، الذي ادعى أنه تلقاه من النبيّ (ص) في رؤيا وأمره أن يخرج به إلى الناس، حيث يقول: فإني رأيت رسول الله في مبشرة رأيتها في العشر الأواخر من محرم سنة سبع وعشرون وستمائة بمحروسة دمشق وبيده (ص) كتاب وقال لي: هذا كتاب "فصوص الحكم خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به، فحققت الأمنية وأخلصت النية بلا زيادة ولا نقصان.

 وكان الأمير عبد القادر يدعو معلمه ابن العربي بـ: سيدنا وينزل نفسه إلى أقل مرتبة إعلاءً لمرتبة ابن العربي، وكلما ورد اسم ابن العربي على لسانه إلا وأضاف عبارة: رضي الله عنه، بحيث رفعه إلى مرتبة الصحابة، يقول صاحب الدراسة أن من أهم ما قام به الأمير عبد القادر الجزائري تجاه شيخه محي الدين ابن العربي أنه قام بنشر "الفتوحات المكية" وهو الكتاب الذي حققه عثمان يحي، وقد أهداه هذا الأخير إلى الأمير عبد القادر الجزائري، وجاء في هذا الإهداء: "إلى ربّ السيف والقلم الأب الروحي للثورة الجزائرية الخالدة، الأمير عبد القادر الجزائري ناشر الفتوحات المكية لأول مرة.

 كما عمل الأمير عبد القادر بتعاليم ابن العربي، حيث ظل وفيا للشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي ابن عليوة مؤسسة الطريقة العلاوية بمستنغانم، فكان كما وصفه بعض مفكري الإسلام من أعظم أولياء الله المسلمين لأنه اتبع تعاليم شيخه ابن العربي، كما سعى الأمير عبد القادر لبعث مدرسة أكبرية عربية في عهده، وكرس حياته كلها لهذا الغرض حتى تعيش أفكار ابن العربي في إطارها الزماني والمكاني، إلا أننا نقف على عكس ما جاء به ساعد خميسي في الصفحة 25 من نفس الكتاب، بأن ابن العربي كان يعدُّ عبد الله بن بدر الحبشي اليمني أقرب تلامذته إليه وأحبهم إلى قلبه، فقد كان بدر الحبشي الصاحب المخلص والرفيق الملازم لإبن العربي منذ أن لقيه بفاس، وقد أهداه كتاب الفتوحات المكية، في حين يقول في صفحات سابقة أن كتاب الفتوحات المكية أهداه محقق الكتاب عثمان حي للأمير عبد القادر، كما يعد صدر الدين القونوي من اقرب تلامذة ابن العربي، وقد تعلق به ابن العربي كثيرا.

 ولعل ذلك يعود إلى نجاح القونوي في نشر صوفية ابن العربي في الوسط الشيعي، الملفت للإنتباه أن الذين دافعوا عن ابن العربي (الفكر الأكبري) من الشيعة ومنهم عبد الرزاق القاشاني، السؤال الذي وجب ان يطرح هو كالآتي: هل تأثر الأمير عبد القادر بفكر ابن العربي؟، لدرجة أنه تمنى أن يدفن بجانب الشيخ الأكبر محي الدين بن العربي وقد تحقق حلم الأمير عبد القادر بحيث دفن بجانب ضريح ابن العربي (1807-1883)، وهو ما لم يتحقق للكثير من مشايخ التصوف الذين تمنوا مجاورة ضريح شيخهم ابن العربي، وبالعودة إلى أن الأمير عبد القادر تتلمذ على يد الصوفي ابن العربي وأنه تأثر به كما جاء في الصفحة 42 من الكتاب، فهذا يطرح كثير من التساؤلات، خاصة وأن ما جاء في مذكرات الأمير عبد القادر، لا نجد أنه تتلمذ على يد الصوفي ابن العربي، وأن هذا الأخير كان من مشايخ الأمير.

 ففي الصفحة 50 من مذكراته، جاء بأن الأمير عبد القادر أخذ عن والده التفسير والحديث والفقه والنحو وأصول الدين، وأن والده أخذ كل هذه العلوم والمعارف من مشايخ آخرين منهم شمس الدين اللقاني شيخ المالكية بالقاهرة، له شرح المنظومة الجزائرية في العقائد، والشيخ علي الأجهوري من علماء الحديث والقائمة طويلة، ونقرأ ايضا أن الأمير عبد القادر أخذ جوهرة البيان والمنطق عن بعض علماء وهران كالشيخ محمد بن نقريد والشيخ بن جلول وغيرهم، وأخذ جملة العلوم التي حصلها من علماء فاس كالشيخ عمر الفاسي والمسناوي، والفقيه الزروالي والشيخ إدريس العراقي، ما يمكن استنتاجه أن الأمير عبد القادر الجزائري تاثر فعلا بشيخه ابن العربي، فحمل عنه رداء الصوفية، فكانت له دلالات الرؤية الكمالية التي يحملها للعالم كله، كما ـاثر بالشيخ الدرقاوي الذي كان يمثل العين النابضة بالحياة الصوفية، وقد تم له ذلك على يد الشيخ محمد بن مسعود الفاسي وارث السجادة الشاذلية.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم