صحيفة المثقف

الصورة حضور وتمثيل بصري

محمد كريم الساعديإن الصورة بحسب تعريف (المنجد في اللغة والأعلام) ترجع الى صَار – صَوراً الشيء : قطعةُ وفصلهُ. صَورَ/ه :جَعَلً له صورةً وشكلاَ ورسمهُ ونقشهُ/ صُوَر لي : خُيَل لي . تَصَوَرَ الشيء: توهم صورته وتخيله وله الشيءُ : صارت لهُ صورةٌ وشكلٌ . الصورة :ج صُوَر وصِوَر و صُور: الشكل /كل ما يُصَور / الصفة. يقال (صورةُ الأمر كذا)، أي صفته /النوع/الوجه. يقال (صورةُ العقل كذا) أي هيئته، ومن هذا التعريف اللغوي نستخرج الشكل والرسم والنقش، وترتبط الصورة ايضاً بالتخيل والتوهم وكذلك توجد إشارة الى ان تصور الشيء، أي إعطاءه صفه ونوع، وهيأة أذا كانت وصف موضوع معين أو إشارة الى شيء معين له دلالته كما هو العقل وغيره من المصاديق المرتبطة بحدود معينة من الفهم والإدراك .

أما التعريف الفلسفي للصورة، إذ ذكره في هذا المجال الدكتور (جميل صليبا) في ان الصورة في اللغة تعني الشكل والصفة، والنوع، كما يورد عدد من المعان لها، بحسب رأي العلماء، فهي الشكل الهندسي المؤلف من الأبعاد . وكذلك الصفة التي يكون عليها الشيء، والصورة هي النوع الذي يطلق على مفهوم صور الإنتاج، أي أنواع الإنتاج . وتطلق ايضاً على ما به يحصل الشيء بالفعل كالهيئة الحاصلة للسرير بسبب اجتماع خشباته، وتعبر الصورة عن ترتيب الأشكال ووضع بعضها على بعض، أو تطلق على ترتيب المعاني المجردة، كما تسمى ايضاً على العقد المتفق عليه بصورة العقد، وأخيرا تسمى صورة على ما يرسم بالقلم أو يدون بآلة التصوير. كما يرى الدكتور (جميل صليبا) في التفسير الفلسفي أو ما يطلق عليه بالصورة عند الفلاسفة هو ما يقابل للمادة . والمفهوم لدى الفلاسفة يأخذ عدد من التوصيفات ومنها ما يطلق على الصورة الجسمية وهي بخلاف الصورة النوعية، ويوجد تفريق ثاني بين الصورة الجوهرية والصورة العرضية، وهنا يأتي تفريق ثالث بين المادة، فهي الحدود التي يتألف منها، وأما الصورة فهي العلاقات الموجودة بين الحدود، ويطلق على بقاء الإحساس في النفس بالصورة  بعد زوال المؤثر الخارجي، أما الصورة الجنسية هي التي تحصل في الذهن في تركيب صورة الأشياء المختلفة بعضها الى بعض، بحيث يؤدي تركيبها الى ثبوت الصفات المتشابهة وزوال الصفات المتباينة، كما يفرق الفلاسفة بين الصورة التالية والصورة الذهنية، ان الأولى تعقب الإحساس مباشرةً في حين أن الثانية هي التي تقود الى شعور دون تأثير حسي مباشر  . أما الدكتور (عبد المنعم الحفني) في معجمه الشامل، فيرى بأن الصورة هي ما تطلق على الشكل المخصوص، ويقال صورة الشيء هي ما به يحصل الشكل بالفعل، ويرى بأنها تأتي على عدة معاني منها (الصورة الباطنية، الصورة الجسمية، الصورة الجوهرية، الصورة الشخصية، الصورة العرضية، الصورة الفنية، الصورة المادية، الصورة اللامادية،الصورة الميتافيزيقية، الصورة المنطقية و الصورة النوعية) وكل هذه الأنواع مهما لها من تفصيل في معجمه، لكن لكل وحدة منها استخدام بحسب مدلولاتها واشتغالاتها، مثلاً الصورة الباطنية وهي الصورة الكاملة للشيء عند الفيلسوف الفرنسي (بوفون)، والكاملة بمعنى الكمال والتمام، والصورة الجوهرية هي مجموعة خواص الشيء المعقولة أو ما يتميز به وجود الشيء، والصورة العرضية هي التي تخص الفرد دون سواه، أما اللامادية فهي المستقلة عن المادة، والمادية هي ما تعاكسها في المفهوم، والميتافيزيقية هي الماهية النوعية التي للشيء كالقول ان الإنسان هو حيوان عاقل، أما النوعية فهي ما يميز الإنسان و أي كائن كنوع مختلف .

إذن، فالصورة في المحور الفلسفي هي ليست مستقرة على معنى واحد، لكنها تأتي بحسب الاستخدام للمفهوم، أو البحث الفلسفي في ذات المفهوم واشتغاله في مجال معين، لكنها رغم ذلك فهي تندرج تحت استخدامين هما ما يوجد في داخل الذهن والتقبل والإدراك العقلي في استقبال الصورة وتعدد استخدامها ومفاهيمها ومصادرها القادمة منها في الخارج، وكذلك تأتي في تشكيل مفاهيمها وإطلاقها على ما هو يصنف في الخارج ذهنياً، إي ان العقل ليس سلبي في استقباله للأشكال والمواد سواء كانت جوهراً أو عرضاً، بل هو يعمل على تشكيل ذواتها ومفاهيمها التي تصبح مصاديق تطلق على المفاهيم والهيئات والصور والأصناف والأنواع والأجناس وكلٌ حسب اختصاصه واشتغالهً في الدوائر المعرفية والثقافية وغيرها .

أما في مجال علم النفس، يرى الدكتور (نايف القيسي)، بأن الصورة تأتي في مجالات هي (صورة الذاكرة والصورة المركبة، وصور عقلية لفظية، وصور عقلية متصلة بالحواس المختلفة، وصور عقلية وإحساسات) أما المجال الأول فهي الصورة التي تحصل بالاتصال  مع سائر الحواس الأخرى بدلاً من حاسة البصر أي خارج حاسة البصر مثلاً ما يرتبط بحاسة السمع من خلال نبرات الصوت مثلاً، أو من خلال التخيل لشكل غريب ليس له وجود في عالمنا مثلاً إنسان برأس نسر كما هو موجود في الأساطير وغيرها . أما الصور العقلية اللفظية، وهي التي تستخدم في كثير من أنواع التفكير، لاسيما إذا كان تفكيراً مجرداً , وهي صورة عقلية للألفاظ، كذلك يرى الدكتور (نايف القيسي) بان الأفراد بإمكانهم ترتيب الصور العقلية، بحسب الوضوح وعدمه مثل (صور عقلية واضحة أبداً)، (وأخيرا لا صورة هناك) أي لا توجد ما يشير اليها، وهذا النوع من الصور هي العقلية المتصلة بالحواس المختلفة وهي النوع الثالث، أما النوع الرابع ويطلق عليه (صور عقلية وإحساسات)، وهي ما يرتبط وصفها بأنها إحساس يستثار استثارة داخلية، وهي عادة اقل ثباتاً، واقل وضوحاً وأدنى تمييزاً مما يكون عليه الإحساس المصاحب لها . ان هذه الصور العقلية الأربعة هي ما يربط اشتغالها مع جوانبه المختلفة بما يثيره العقل البشري من تذكر تارة واستثارة تارة أخرى وإحساس تارة  ثالثة، مما يتولد منها تشكيل صور ذات علاقات مع جانب الارتباط المعرفي لديها أو ما يتعومل في تشكيل هيئتها الذهنية، لذلك فأن هذه الصور ووضوحها أو عدم وضوحها، يرتبط مباشرة في الفاعلية العقلية والتكوين المفاهيمي والارتباط بالجوانب ذات الدلالات الخارجية وانعكاساتها أو محاكاتها أو حتى تحولاتها في داخل الفاعلية العقلية أثناء التكوين والتشكيل لها .

أما في مجال الآداب والفنون، فأن الصورة هي تمثيل بصري لموضوع ما،فهي أنتاج للخيال المحض  والصورة في مجالها الحقيقي أو ذات واقع أصيل موجود فهي الأصيلة والمنتجة، التي لا تعبر عن تمثيلية أو يرتبط معها في تشكيل هيأتها جانب خيالي بشكل من الأشكال، كما ان الصورة تأتي في موضوعات أخرى في الأدب والفنون منها (الاستعارة، المقارنة، التجسيد، التشخيص والرموز) وكل هذه الاستعمالات تدخل في مجال الوسيلة المعرفية والثقافية التي تهدف الى جعل فكرة أو حقيقة أكثر رقة وأكثر جمالاً، وهذا التشكيل يمثله في صنع هيأتها شخصاً أو شيئاً من خلال فنون التصوير أو التشكيل أو المطبوع وغيرها.  كما أنها تدخل في إيجاد التضاد والمختلف أذا كانت بعيدة عن واقعها الجميل قريبة الى التزييف بحسب الرغبة في صنع المختلف المغاير للانا الرافضة له. ويأتي ايضاً في تعريف الصورة بأنها "كل الرسائل الأسلوبية التي تغير الشكل الأكثر بساطة للملفوظة . يميز علم البيان تقليدياً بين صور الكلمات أو الاستعارة وصور الفكر التي تتدخل على مستوى تنظيم لجمل الخطاب، كما ان الصورة يمكن ان تقسم الى أربعة أنواع بحسب تأثيرها على الشكل الصوتي وهي، بحسب مجانسة صوتية أو تورية، وهذا النوع الأول، أما الثاني فتأخذ باعتبارها المجاز المرسل والكناية، والثالث حسب الحذف والإضمار والرابع هي صورة الفكرة  المرتبطة بالمبالغة، التعريف  والترميز.

إن التعريفات السابقة يظهر منها بأن الصورة التي هي بناء عقلي ذهني لتكوين فهم محدد ومعين عن جوهر خارجي أو عن تشكيل وتركيب لمفهوم مقصور قد يكون واقعي أو غير واقعي مادي أو لامادي عن نوع أو صنف أو جنس أو كائن موجود أو متخيل . لأن الصورة في معانيها المختلفة وتشكيلاتها المتباينة تدلل على ان مفهومها ليس واحد بل مختلف بحسب المجال المعرفي الذي تأتي فيه، لذلك فأن ما نريد ان نصل اليه من تعريف يسهم في تشكيل المصطلح الذي يخدم هدف الكتاب في إنها، أي الصورة : هي الشكل و الرسم والنقش الذي يعطي صفه و هيئة في الذهن لترتيبها على وفق معاني جردها العقل تتعدد في ظهورها في الوعي، بحسب الاستثارة وبحسب الوضوح وتدرجاته، وهذه الصورة مرتبطة في تكوينها وتشكيلها المعرفي والثقافي بالحواس وبالكلمات والألفاظ . والصورة هي ايضاً استعارة ومقارنة وتجسيد وتشخيص وترميز، وكل حسب استخدامه في تشكيل مفهوم الصورة وبحسب غاياته وأسلوبياته التي تسهم في التغيير من البساطة و الوضوح للمرئي أو الملفوظ أو المكتوب الى ما يصبو اليه الفكر المشكّل للخطاب وتنظيمه واستغلاله للصورة ومفهومها ومعناها وربطها بالتشكيل الجديد للمعنى واستخداماتها بالأخر المعرفية الخاصة أو العامة وفي مجالاتها المختلفة على وفق ما يراد إيصاله من معاني أو استثارة معاني سابقة مرتبطة مع الشكل أو الهيئة أو الصفة أو النوع أو حتى المعاني الخاصة الكامنة في الذهن والوعي الإنساني المراد عادةً بث الروح فيه.

فالصورة في هذا المجال هي حضور وهي خطاب، وهي وسيلة للاستثارة أو للتفعيل، وهي إنتاج للخيال أذا كانت إيراداتها الواقعية أو المتخيلة تدخل كجزئيات في تشكيل الحدث الجديد أو الشكل الجديد . فالصورة هي خطاب يحتوي على العلاقات بين الحدود التي تشكل المعاني وما يراد من ورائها، فالصورة هي في معانيها المتعددة يمكن ان تكون قابلة في تكوين الجمال أو القبح، فهي ذات مدلولات متعددة وذات غايات مختلفة بحسب شكلها ومكونها ومكان وزمان استخدامها.

 

الاستاذ الدكتور محمد كريم الساعدي

.....................

المصادر

- المنجد في اللغة والأعلام، بيروت:دار المشرق،ط39، 2002، ص440.

- صليبا، جميل:المعجم الفلسفي،المجلد الأول، بيروت دار الكتاب اللبناني، 1978،ص741،ص745.

-  الحفني، عبد المنعم،المعجم الشامل، لمصطلحات الفلسفة، القاهرة، مكتبة  مدبولي،2000، ص475،ص477.

- القيسي، نايف،المعجم التربوي وعلم النفس، عمان، دار أسامة للنشر والتوزيع، ط1، 2006، ص272- ص276.

- علوش، سعيد : معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، بيروت، دار الكتاب اللبناني، ط1، 1985، ص136.

- ينظر : ترجمة وتحرير، كامل عويد، معجم النقد الأدبي، بغداد، دار المأمون للترجمة والنشر، 2013، ص232 –ص233.

- ارون، بول، دينيس سان، جاك، الآن فيالا،معجم المصطلحات الأدبية، ترجمة : الدكتور محمد حمود، بيروت، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات  والنشر والتوزيع، ط1، 2012، ص700.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم