صحيفة المثقف

تحديات تواجه العلماء والمفكرين العرب في تحقيق التغيير

قاسم حسين صالحانعقد في جامعة الأزهر بالقاهرة المؤتمر العلمي الدولي الأول للهيأة العليا للعلماء والمفكرين العرب للمدة من (18-19 آب /أغسطس 2019) حضره علماء ومفكرون واعلاميون من بلدان عربية عدة.وقد تم تسميتنا (الرئيس الفخري للمؤتمر) وتكليفنا بالقاء كلمة الأفتتاح استهلت بالتوكيد بان هذا المؤتمر ينطلق من حقيقتين، الأولى: ان العلماء والمفكرين هم مصانع لانتاج الافكار، وان الافكار هي ادوات التغيير نحو الافضل، وان بلداننا العربية هي الاحوج لهذا التغيير. والثانية: ان دور العلماء والمفكرين العرب هو الان بين ضعيف ومعطّل، وان تغييب دورهم او تهميشه يشكّل السبب الرئيس في ضعف التغيير او انعدامه في عالمنا العربي، وعليه فان المهمة الاولى لهذا المؤتمر هو تفعيل دور العلماء والمفكرين العرب في احداث التغيير لشعوب بسمّرها التخالف في اماكنها، واخرى اثكلتها الفواجع، وأخرى اضناها الفقر مع ان بلدانها تمتلك كل المقومات لان يعيش اهلها برفاهية وكرامة.

ولمواجهة هذا التحدي فان التعامل معه يتطلب التنسيق بين الهياة العليا للعلماء والمفكرين العرب، وبين الحكومات العربية والمؤسسات الرسمية والخاصة (الاهلية) المعنية بالتنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية..وعلى المؤتمر تخويل رئاسة الهيأة للبدء من الآن في تحقيق هذه المهمة.

ايها العقول النيّرة التي تراهن عليكم شعوبكم في صنع حاضر افضل. لستم بحاجة الى ان نستعرض لحضراتكم ما احدثه العلماء والمفكّرون العرب من تغيير في عالمنا العربي وفي العالم ايضا..عبر الاندلس مثالا وابن رشد انموذجا، فانتم اعرف بذلك. ونرى ان التحدي الأكبر الذي نواجهه اليوم يتمثل في أن ما يحصل لنا الان يبدو لكثيرين انه عكس المنطق..فبعض الدول العربية تراجعت خمسين سنة الى الوراء، والسبب الرئيس هو ان حكّام هذه الدول تحكّمت بهم سيكولوجيا الخليفة، اعني تمسّك الحاكم بكرسي السلطة الى يوم يخصه عزرائيل بالزيارة ، نجم عنها انفرادهم بالثروة وتمتعهم برفاهية خيالية انستهم معاناة شعوبهم، وانشغلوا بجمع الثروة وشراء افخر العقارات في مدن عربية واجنبية دون ان يلتقطوا الحكمة من حكّام سبقوهم كانوا اقل منهم فسادا وصاروا في مزبلة التاريخ.

وبحكم اختصاصي كسيكولوجست، فانني تابعت مسيرة حكّامنا العرب فوجدت انهم يحيطون انفسهم باشخاص يقولون لهم ما يحبون ان يسمعوه ويستبعدون العالم والمفكر لأنه يقول لهم الحقيقة، وان قالها وبقي في الوطن فان الحاكم اما يحتويه بأن يغريه بمال او منصب، او يحجره بين جدران السجون، او ينهيه بطلقة من كاتم صوت.

كيف يمكن التعامل مع هذا التحدي وقلب هذه المعادلة بين الحاكم والمفكّر؟ كيف يمكن انهاء هذه الخصومة بينهما ؟..تلك هي احدى اهم مهمات مؤتمركم هذا.

والتحدي الثالث يتمثل بمفارقة ينفرد بها عالمنا العربي، هي ان العقول العربية المبدعة هجرت اوطانها الى حيث فضاءات العلم والحرية، وكان لها أن أسهمت في تطور وتقدم العديد من البلدان بما فيها اميركا وبريطانيا..وشاهد على ذلك، ان الأطباء العراقيين الموجودين في بريطانيا، لو قرروا العودة الآن الى العراق لارتبكت الخدمات الطبية او تعطلت بتعبير الصحفي خالد القشطيني..وقل الشيء نفسه عن سبعة الآف كفاءة مصرية في دول الشتات، وآلاف أخرى من دول عربية اخرى لاسيما الجزائر والسودان وليبيا..وتلك هي مهمة مؤتمركم هذا، بان يصار الى وضع استراتيجية عربية تضمن ان نتحول من خلالها من بلدان طاردة للأبداع والمبدعين الى حاضنة لهم.

في الضفة الأخرى..ضفة المجتمعات العربية، هنالك قضايا خطيرة تواجه العالم والمفّكر العربي..أشرسها: الأرهاب، والتطرّف الديني، والفكر التكفيري، والفتنة الطائفية، والجهل الذي لا يقدّر قيمة العلم ودور العالم في تحقيق حياة افضل للأجيال. كيف نتعامل معها؟، كيف نحدّ من تأثيرها بين الناس عبر وسائل الأعلام ومنابر المساجد..وتلك هي المهمة الرابعة لمؤتمركم المبارك هذا.

تحدثنا عن ضفتي السلطة والناس في اشكالياتها بالعالم والمفكر..وعنكم وفيكم نشخّص اشكالية مؤسفة هي ان بين العلماء والمفكرين العرب من اوصله الشعور بالاحباط من تغيير الحال الى اشاعة ثقافة التيئيس بين الناس..وهذه قضية بالغة الخطورة في حركة التغيير، لأن الانسان العادي حين يرى انموذجه قد يئس من اصلاح الحال فانه يكون بين حالين: اما الانصراف الى تحصيل قوت يومه دون التفكير بالوطن ومستقبل اولاده، او ان الحاكم يستثير فيه الماضي عبر خطاباته ليشغله فيه عن بؤس الحاضر الذي هو سببه..وتلك هي المهمة الأخيرة لمؤتمركم هذا، بأن نبدأ بانفسنا في توحيد خطاباتنا وتحديد اهدافنا بوضوح.

ختاما ..تذكروا ايها الأحبة، ان العالم والمفكّر..اشبه بالنبي..مهمته التبشير، وأنتم اهل لأن تكونوا مبشّرين لأمّة وصفت بانها كانت خير أمّة اخرجت للناس.

تحية معطّرة برائحة العراق لأم الدنيا..مصر الحبيبة التي احتضنت مؤتمرنا هذا، ولكل المشاركين العرب الذين سيسهمون في انجاحه..وتهنئة وتقدير لحضراتكم من رئيس الهيأة العليا للعلماء والمفكرين العرب المهندس الدكتور طاهر القاسم.

وقد أقر المؤتمر عددا من التوصيات اهمها: تأسيس مركز بعنوان (المركزالاستشاري العربي الموحّد) يضم نخبة من الباحثين والعلماء والمفكرين العرب في التخصصات العلمية والانسانية كافة، تكون من بين مهماته: تأسيس مفوضية خاصة للبحوث الاقتصادية للنهوض بالأمة العربية، تعمل تحت مظلة الهيأة العليا للعلماء والمفكرين العرب، وتبنّي استراتيجية علمية خاصة بسياسة التوظيف والدمج في مؤسسات الدولة، وتقديم المشورة العلمية للحكومات والمؤسسات المعنية بالتنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية وفقا لاتفاقات موثقة تلزم الاطراف المعنية الحكومية والاهلية بما تتضمنه بنودها، والتعاون مع المؤسسات المتخصصة بالبحث العلمي وبراءات الاختراع عربيا ودوليا لتمكين العقل العربي من ان يكون موازيا لنظرائه في العالم ..وبالتنسيق مع جامعة الدول العربية.

وقد تم تسمية البروفسور الدكتور قاسم حسين صالح من العراق رئيسا لهذا المركز.

 

أ. د. قاسم حسين صالح

جامعة الأزهر- القاهرة(18- 19 آب/اغسطس 2019).

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم