صحيفة المثقف

وصمة الإحتلال وصناعة الفشل (3-3)

كاظم الموسوييلخص المؤلف في فصل الخاتمة الذي يبدأ من صفحة 901 ما عرضه أو أراد الختام به ومن قراءته يتوضح تاثره بمثل ما أشار عن السياسة الأمريكية وأغلب السياسيين الأمريكان في تناقض الخطاب وتعارض المواقف. فيبدأها بالقول عن الحرب على أفغانستان واحتلاله وتدمير دولته بقرار من مجلس الامن الدولي. بينما الحرب على العراق لم تحصل على قرار دولي كما أشرنا واعتمدت الغزو ومن ثم الإحتلال على أسباب لخصها المؤلف بأربعة لم تثبت أو تحاكم اغلبها عمليا. ومن هنا تبدأ مأساة العراق الوطنية والعاملين في العمل السياسي الذين يرفعون شعارات لإنقاذه بالتخادم مع قوى إمبريالية عالمية، لها مصالحها واهدافها العدوانية وسياسات الهيمنة والسيطرة بلا أي حدود، وتطرح مواقف لفظية تدعيها أو توظف لها من ابناء البلدان التي ابتليت بها. كما حاول المؤلف شرح تجربته أو توصيفها، وهي صالحة لكل من دخل بمثل هذا المسار من المعارضين أو المعترضين الذين يتورطون في الرهان على دول خارجية وخطط تدمير بلدانهم وشعوبهم في غفلة منهم أو في وعي مريض.

تميز المعارضون المراهنون على غيرهم، بروح المبالغة المنفلتة، وهي ظاهرة عامة، لا تخص العراقيين وحدهم، وفقدان الرؤية الاستراتيجية في عملية التغيير وانهاء الاستبداد والدكتاتورية وبناء دولة القانون والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. ويمكنهم تسطير شواهد كثيرة على ما حدث وحصل قبل الغزو ودوافعهم في العمل السياسي المعارض لنظام وحشي في ممارساته واستبداده إلى درجة كبيرة لا تحتاج إلى توصيف خارجي له. ومهما قالوا عنه لا يضيف كثيرا لارتكاباته وخرقه أبسط الحقوق والالتزامات القانونية، وابرزها تمهيد الطريق لما آل إليه الوضع وما حدث فعلا. وهذه الظاهرة يجب أن توضع في المحاسبة القانونية والوطنية من جهة لدور المعارضة ومواقفها ورهاناتها والعواقب التي أدت إليها ممارساتها العملية، كما هو الحال للمسؤولين المباشرين، العراقيين والامريكان والمتخادمين معهم من كل الأصناف والالوان. ولعل ما كتبه المؤلف في عرضه للأخطاء الاستراتيجية صورة لما انتهى إليه الغزو والاحتلال. فرغم أنه مع الخطط الأمريكية الا ان الوقائع غيرت المجرى ووضعت الأمور بما حل في العراق. كما سجل المؤلف في صفحة 907 ":بالرغم من النجاح الكبير الذي حالف امريكا من ناحية أداء الحرب الا انها أخفقت في احراز أية نجاحات مهمة بعد الحرب، يعود هذا الإخفاق الكبير إلى عوامل متعددة ومتداخلة مع بعضها البعض ولكن السبب الرئيسي يعود إلى ارتكاب امريكا اخطاء جسيمة وقاتلة في إدارة الأمور بعد إسقاط النظام العراقي". فهل هذا الاستنتاج الواضح كان غائبا عن المراهنين على امريكا؟ وما هي مواقفهم من سياستها التي تخادموا معها في الوصول الى هذا الاستنتاج وتحديد الاخطاء وما هو المطلوب منهم حينها وفي أوانها، واين المصداقية في المعارضة والبديل المطلوب؟!. وبالتأكيد ثمة اسئلة كثيرة أخرى حاول الدكتور گوران الإجابة عليها وربما توضحت له، وتوصل إليها متاخرا، ولكن بعد خراب العراق، وليس البصرة، كما في الامثال.

فيرى في الأسباب الرئيسية التي أدت به إلى الوصول إلى عنوان كتابه، ما ذكره:" كان الخطأ الاول الأكبر الذي ارتكبته الولايات المتحدة الأمريكية هو تحويل مجرى الاستراتيجية المتبعة للحرب من التحرير الى الإحتلال وكانت هذه الخطوة وحدها كفيلة بزرع الشك وانعدام الثقة باسباب اندفاع الولايات المتحدة لإسقاط النظام العراقي. لقد مسحت هذه الخطوة وبجرة قلم كل المبررات التي كانت الولايات المتحدة تسوقها لإزاحة صدام من الحكم، بالاخص قيامه باضطهاد شعبه أو شن الحروب العدوانية على الشعوب والدول المجاورة وهما كانا السببان الرئيسيان اللذان يمسان المواطن العراقي بصورة رئيسية" (كما هو نصا في صفحة 908). ورغم هذا الوضوح حاول المؤلف تبرير  ما انتبه له، بقوله أكثر من مرة "كان المفروض..." وغيرها من التعابير الواضحة في هذا المجال. ورغم اعتباره الاحتلال وصمة إلا أنه في النص اعتبر مقاومته تمردا، وليس حقا مشروعا، كما أشار إليه في فقرة اخرى، مذكرا الأمريكان باحتلال البريطانيين للعراق في بدايات القرن الماضي والمقاومة الوطنية وثورة العشرين التي أجبرته على الرحيل.

وبعد عرضه لما حل في العراق وما يسميه باخطاء، يشير إلى أن "نتائج هذا الخليط العجيب من الاخطاء أن انتهت العملية، بدلا من أن تكون عملية تحرير العراقيين من نيران ابشع نظام توليتاري عرفوه في التاريخ الحديث ( لتتبعها بناء صداقة حقيقية ومتينة واستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية على غرار ما حدث بين أمريكا وألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية) لتتحول  العملية إلى مزيج كريه من الاحتلال من قبل قوة عظمى وحكم دكتاتوري من قبل شخص اجنبي أرعن وجاهل ومغرور مثل بريمر والذي مارس كل خطيئة ممكنة بحق العراقيين" ص915-914 .

الاخطاء الاستراتيجية التي وصفها المؤلف وحملها للسياسة الأمريكية وادائها في العراق شملت العراقيين وخاصة المعارضين المراهنين عليها،  وهذا الموقف يصح على تاطير الصورة كاملة، إذ أن من حملوا هذا الاسم أو وضعوا فيه، لا يعفيهم من الإخفاقات والفشل في اتخاذ القرارات السياسية الجريئة والصائبة. "كان هناك عجز واضح لدى بعض أو أكثرية قيادات المعارضة العراقية في فهم تفاصيل وديناميكية السياسة الأمريكية وكيفية صنع القرار الأمريكي ودور مؤسسات الفكر والرأي العام في الضغط باتجاه رسم السياسات وكذلك دور المؤسسات التشريعية..." (ص917 ( وينتقد عمل المعارضين أو بعضهم في وقوعهم تحت تأثير وهيمنة بعض المؤسسات التنفيذية الأمريكية دون غيرها... والامتثال لتوجيهات هذه الجهات لحرف وضع القرارات الصائبة التي تصب في المصلحة الوطنية العراقية"!.

ما كتبه في ختام الخاتمة يقدم أدلة خطيرة على مزاعم المعارضة وادعاءاتها، إذ "كان هناك انعدام واضح للرؤية السياسية الوطنية الصحيحة عند أكثرية الكيانات السياسية ومعظم الشخصيات السياسية المشاركة في مجلس الحكم وكان يتم تغليب التمثيل المناطقي والانتماء الطائفي أو الديني أو القومي الضيق على المصلحة الوطنية العليا...."!. وغيرها من الأحكام الكاشفة والمقررة هنا لما توصل إليه المؤلف في عنوان كتابه، وصمة الإحتلال.. بل جريمة الإحتلال التي لا تتقادم مسؤولية المرتكبين لها.

هل الخاتمة نقد ذاتي ومن المسؤول بعد.. لكل ما حدث وحصل وآل إليه وضع البلاد والعباد؟!.

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم