صحيفة المثقف

البطاطا لا تقطف من الشجر يا نتنياهو! إسأل نصر الله!

بكر السباتينكانت "إسرائيل" إذا تجرأت دولة عربية وأطلقت النار عليها ولو بالخطأ، تقوم بإذلالها واستنزافها وتفبرك الأفلام لتثبت أن الواقعة قد حدثت كدليل إدانة، وربما تبادر أيضاً إلى الرد بالصواريخ من باب الغطرسة وبروح إجرامية مشهود لها في التاريخ. فلا عجب في ذلك!

ولكن! حينما تعجز "إسرائيل" عن الرد المناسب المعهود من قبلها، على عملية حزب الله التي استهدفت آلية عسكرية عند طريق ثكنة أفيفيم في القطاع الأوسط للحدود بتاريخ الأول من سبتمبر الجاري، وأدت إلى مقتل وجرح من فيها، لا بل وصورت بالفيديو في كل مراحلها، وبثت على الفور كدليل على نتائج العملية المتقنة؛ لتبادر "إسرائيل" إلى نشر فيديو مضاد، يزعم بنجاة آليتها العسكرية من صاروخ حزب الله.. تعبيراً عن هروبها من الموقف وحفظاً منها على ماء الوجه.. فهذا يعني بلا أدنى شك بأن ما يسمى "إسرائيل" قد أصيبت ب "فوبيا المقاومة" وهو بحد ذاته إنجاز استراتيجي للمقاومة حينما فرضت قواعد الاشتباك على المشهد الاستراتيجي اللبناني الإسرائيلي من جديد.

ويمكننا القول في سياق ذلك بأنه قد جاء الزمن الذي يقول فيه نصر الله لإسرائيل: ضربناكم فيأتي الرد الإسرائيلي ليقول مرتبكاً: "لم يحصل ذلك! هذا افتراء". فيفبرك الطرف الإسرائيلي وعلى غير المعتاد الأفلام للهروب من المواجهة.. وكأنها لحظات فنتازية يقول فيها نصر الله: هذه شجرة برتقال ليرد نتنياهو بل شجرة بطاطا.. فهل تنبت البطاطا على الشجر! لذلك فتصريح نتنياهو خلال مؤتمر صحفي في القدس المحتلة بنفيه الكاذب وقوع أي إصابات في القصف الذي نفذه حزب الله، إنما هو تعبير عن فوبيا المقاومة التي ألمت به وبكيانه المغتصب، وأخرست عنجهية إسرائيل التي اعتدنا عليها كعرب! علماً أن النية بإيقاع أضرار بشرية مثبتة في بيانات الحزب حتى لو صدقت الرواية الإسرائيلية الكاذبة.. فإليكم تفاصيل تلك الفبركة الإسرائيلية المكشوفة التالية:

فقد نشر تلفزيون (ريشت كان) الإسرائيلي، مقطع فيديو لما قاله إنه كيفية نجاة مركبة زئيف العسكرية من الصواريخ المضادة للدروع على الحدود الشمالية.

وقالت القناة الإسرائيلية الـ 13: "إن مركبة زئيف العسكرية التي أطلق الحزب اللبناني صاروخين مضادين للدروع نحوها، على ما يبدو لم تسبب الصواريخ أي أضرار حقيقية بخلاف إصابة العجلة، ولم يصب الجنود الذين كانوا فيها".

وفي وقت سابق تجولت مراسلة RT في معسكر افيميم فوجدته خالياً من الحياة سوى لوازم العسكريين القتالية من سلاح وحقائب وغيرها، كأنها عملية هروب جماعية، وأدعى الإسرائيليون بأن سيارات الإسعاف التي شوهدت تغادر موقع العملية لم تكن تحمل جرحى أو قتلى بل حُرِّكًتْ في الموقع للتمويه! (يا لله!!)

وعلى إثر ذلك خرجت منظومة التطبيل العربي الانهزامية والمجيرة لمشروع صفقة القرن، لتشكك بالعملية تارة أو تدينها كما فعل المسؤول الكبير في السلطة الفلسطينية عزام الأحمد، وكما بالغ في إدانتها وزير خارجية البحرين الذي اعتبر العملية خطيرة على ما يسمى بإسرائيل ودولة لبنان، وذلك من باب التأليب على حزب الله في حياضه، دون أن يدرك ومن دفعه ليقول ذلك بأن الموقف الرسمي اللبناني كان قد اعتبر عملية تسلل الطائرتين الإسرائيليتين عملية اعتداء وخرق لقرار 1701الأممي لعام 2006 لذلك ثمن حزب الله هذا الموقف اللبناني إزاء العملية الأخيرة.. فقد وصفت مصادر حزب الله الموقف اللبناني الرسمي بـ "الوطني والممتاز" لافتة الى أن ما عبّر عنه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بشكل خاص يستحق الاشادة والتنويه. وتذهب المصادر أبعد من ذلك بالحديث عن "بيئة ممتازة تعطي المقاومة شرعيّة الرد"، معتبرة أن "الاحتضان الشعبي والسياسي والحزبي والرسمي والإقرار بحق المقاومة بالردّ غير مسبوق وقد يكون الأفضل وعلى كل المقاييس ولا يقارن بما كان عليه في العام 2006" .

وفي سياق فلسطيني وخلافاً لما ذهب إليه عزام الأحمد، فقد بارك القيادي الحمساوي محمود الزهار العملية في حديث له مع تلفزيون المنار، لا بل طلب من الحزب زيادة التنسيق مع المقاومة في غزة، داعياً إيران إلى زيادة الدعم المالي والعسكري للمقاومة في غزة "لتدمير" المحتل الإسرائيلي.

وخلاصة القول أن الفبركة الإسرائيلية لنتائج عملية تدمير المدرعة الإسرائيلية وإخراجها بدون إصابات في الأرواح، وما رافقها من تصريحات إسرائيلية رسمية وما أبداه حلفاء نتنياهو العرب من مؤازرة معنوية للكيان الإسرائيلي، كل ذلك يدل على قمة المذلة الذي وصل إليه حال العدو الإسرائيلي، حيث أثبتت الحروب أن جيشه فاشل وغير منظم وأن ترسانته العسكرية أصبحت دون فائدة في حرب تمتلك المقاومة فيها قواعد الاشتباك . وإن مشروع التحرير أكثر واقعية بتوفر معطياته لو عزمت الهمم.

أما لماذا هذه الفبركة المهينة؟ فبالطبع هناك ثمة أسباب أدت إلى حصول ذلك: منها إنقاذ موقف نتنياهو في الانتخابات القادمة.. أو تبرير خوف الكيان الإسرائيلي من الرد الذي كان سيجلب لها الكوارث من قبل المقاومة في غزة وجنوب لبنان حيث ثبت من كلام الزهار أنهما ينسقان معاً.. وربما جاءت بنصيحة حلفاء نتنياهو العرب للرفع من معنوياتهم حتى يظل هذا العدو هو الضامن لأمنهم الخليجي ومن أجل ترسيخ قاعدة مشاركته في حلف مضيق هرمز الجاري تشكيله، وحتى لا يقال أيضاً بأن هذا الحليف عجز عن ردع المقاومة شمالاً وجنوباً، وهذا بالطبع سيرفع من معنويات الذباب الإلكتروني المجير لصفقة القرن والذي يعشش بيننا دون خجل أو وجل.. العملية ليست بحجمها الذي يبدو محدوداً بل بما تفضي إليه من متغيرات كانت ستأخذ نيرانها الهشيم لولا إعادة حزب الله من خلالها قواعد الاشتباك فتستقر الأمور نسبياً مع ترقب المستجدات في حرب محتملة.

 

بقلم بكر السباتين

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم