صحيفة المثقف

سعيّد المستقل بنصدر المشهد الانتخابي التونسي

بكر السباتينبرفض صفقة القرن وبعتبر المطبعين أعداءً لتونس.. ويستهدف رموز الفساد.

كانت انتخابات متميزة ذات طابع غربي بامتياز، وجوهر وطني، من حيث الرقابة والتنظيم وسيادة الحوار بين أطراف العملية الانتخابية، والمناظرات المتلفزة بين المرشحين والتغطية الإعلامية التي انتهجت الموضوعية العادلة بعيداً عن البروبغاندا التضليلية .. ناهيك عن الطرف المستهدف من عملية الانتخابات، وأعني في سياق ذلك الشعب التونسي المتحضر الواعي الذي أثبت قدرة استثنائية على حسم موقفه بحرية قياساً بالديمقراطيات العربية سيئة السمعة والتي طغت على تجاربها الانتخابية الرئاسية والبرلمانية عمليات التزوير الممنهجة.. والأرقى في التجربة التونسية أن الحظوة كانت للمرشحين المستقلين من ذوي الحملات غير المكلفة ممن يتمتعون بسمعة راقية وثقافة عالية، ويمتلكون مجسات ناضجة تساعد على تلمس مشاكل التونسيين والتعامل معها بواقعية، أولئك المرشحين القادرين على التواصل والانفتاح على الآخر وعلى رأسهم أستاذ القانون الدستوري المتقاعد قيس سعيّد الذي فاجأ مرشحي الأحزاب الكبرى في الانتخابات الرئاسية المبكرة وحصل أعلى أصوات في المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية تلاه السيد نبيل القروي، القطب الإعلامي المتمرد على المؤسسة الحاكمة والموجود خلف القضبان.

الدكتور قيس سعيد، هذا الرجل المتواضع البسيط في مظهره والذي يتحدث اللغة العربية بطلاقة، والمستقل الذي لا ينتمي إلى حزب من الأحزاب.. صاحب الميول الاجتماعية المحافظة والذي تبنى شعار محاربة الفساد ورموزه التقليديين، تميزت حملته الانتخابية بالتقشف، والاعتماد على حفنة من المتطوعين الشباب، ورفض أي تمويل حزبي أو عمومي، لا بل ورفض التطبيع مع الكيان الإسرائيلي المحتل، حيث اعتبر أن الشعوب العربيّة في حال حرب معها، وصنف كل من يقيم علاقات معها عدواً يجب أن تحاربه تونس، ويرفض صفقة القرن.. هو المرشح الأقوى، والمستقل الذي لا يحمل فكراً إقصائياً قد يضعه على محك الدكتاتورية الحزبية أو الأيدلوجية.

وحتى وقت قريب لم يكن سعيّد وارداً في حسابات الائتلاف الحاكم كمنافس جدي في السباق الرئاسي أمام منافسين من العيار الثقيل مثل مرشح حزب حركة النهضة مورو ورئيس الحكومة يوسف الشاهد ووزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي.. وهم من أصحاب المكانة الاعتبارية والحزبية وقد حصلوا على دعم لوجستي ومالي كبير، ورغم ذلك قفز عنهم سعيّد (٦١) عاماً) تلك الشخصية الوطنية التي حظيت بدعم جماهريّ كبير . وتقدم سعيّد إلى السباق الرئاسي بعد جمعه تزكيات شعبية، فحقق قفزات مذهلة في استطلاعات الرأي خلال الفترة الانتخابية، ووجّه يوم الاقتراع الضربة القاضية لمنافسيه.

وتقول مؤسسة سيغما كونساي المتخصصة في الاستطلاعات إن سعيد حصل على 19.5% من الأصوات يوم الاقتراع متقدما على الجميع.

أتمنى أن يحظى الشعب التونسي برئيس يليق به.. شعب متحضر بالفعل ويمتلك مفاتيح الديمقراطية، وقد يسحب البساط من تحت الأحزاب للخروج بتجربة نظيفة، وهي بالمقابل الاختبار الأهم للمستقلين وستكون معيار اً قياسياً لهم في المستقبل التونسي لو نجحوا في إدارة البلاد ودفع عجلة التنمية فيها باقتدار.

 

بقلم بكر السباتين

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم