صحيفة المثقف

فساتينُ الـرّوح

ياسمينة حسيبي3سافرةُ القلب لمّا أزلْ… أتزيّن بدمي

وكعروسِ القشّ تزفّني دخنة الحريق   

فَـذَا جسدي : قيد شرطٍ يُكبّلني،

وذِي أضلُعي لا تستقيم إلاّ في الميْلِ

ولو صحَّ أمري …

لَأمسكتُ بِـيـَد الجمر في محارِيب الرهبانِ

وتلمّستُ صوت أمّي في رجفةِ الشّفاهِ

لكنْ هيهات .. وقد تصدّع زجاج الرّوح

وغدَا القلب أبْكماً، مُنْعقدَ اللّسانِ

وقالوا: خيّامة الهوى !!

قلتُ: أُكدّسُ فاخر الوهْم في جيوبِي

وأتغسّل بِحُوبِ الشِّعر لِأغْرِفَ من أحداقي !

وبما يكفي الصّبر، أتلبّسُني جِلْداً وجَلَداً

وأتوسّع ملءَ رئتي في السُّعال

بما يكفي الفطام، غدَا العشق حليبَ أمٍّ ..

ومن ثديها تذرّر الضوءُ على عيُوب الكونِ

فالكون هشٌّ كَالحَلْوَى ورخْو ٌ كنسْج العنكبوتِ

حتى المرايا المتلوّنة : فخاخُ عينٍ للوجوه !

وبين الحَسَكِ والحرير،

تدلّى صوتُ الضمير من مشنقتِهِ،

فقالوا : ثورةٌ تحلّلَتْ جُثّتُها قبل الدّفن

ووطنٌ تسّاقطَ من ثقوب الجيوبِ !  

وما زلتُ، وقد بلَغْتُ -منّي- عَتِيّا

أطوف حوْل كعبة الجسد

عارية النّبضِ، أستدفئُ على جمرة القلب

أتعلّم كيف أَخيطُ من سَّافِ الريح خياماً للّاجئين

وكيف أشَيِّع الموت إلى مثواه الأخير !

فارغة من صوتي، أشتااااقُني في غربتي

أشتاق لِـيَدَي قبل اقترافها للتّلوِيح  

وأشتااااقُ لِـأَنـَا التي كنتُ قبْلي ..   

قبل أن تَنْصِب الثورة شِباكها لِـ لأحلامي 

وقبل أن يبيع الوطن وقاره في المَــزادِ

 أشتااااقُ لِـأَنـَا  …

المأخوذة بجذوة النار تحت الثلوج،

التي تُمَوّهُ رائحة الجرح بعطرِ الأنفاس

وتتلصّص على الذنوب من شقوق الأثوابِ

وأَعتذرُ لي …سِرْباً ومفْرداً

عن سُباتٍ يَسْتحِـي أهل الكهف

عن أيادٍ أدْمنتْ خدَرَ التصفيق

وعن ضوءٍ تعفّنَ من رطوبة المكانِ!

أقفُ خلفَ مضاربِ دمي لأخيط جرحاً بجرحٍ

أهْرِقني في العُمْرِ وأضع التَعب شالاً على أكتافِـي ..

وأينما وليْتُ وجهي تلفحُـني جُروحي

أمشي على مَجْرى دمي.. لا أهتدِي

لا أصِلُني ..

لا أصِلُني ..

وفساتين الروحِ احْترقتْ -كلّها- في الإنتظارِ !

***

ياسمينة حسيبي

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم