صحيفة المثقف

الشعب المصري يلبي نداء محمد علي ويردد "أخرج يا سيسي"

بكر السباتيناستجاب الشعب المصري لنداءات ابن الصعيد المستقل، الشاب محمد علي، وحطم حاجز الخوف. فخرج الآلاف من المصريين بعد مباراة الأهلي والزمالك إلى الشوارع.. واشتعلت الحناجر مرددة: "ارحل يا سيسي". ويبدو أن هذا الشعب المغبون كان ينتظر من يعلق الجرس ويمضي في طريق التحرر من نير الطغيان.. وجاء من يفعل ذلك ليضيء النهار، حتى يستيقظ الشعب المصري ويثور على الدكتاتور الفاسد وفق ما يصفه المعارضون، الذي غادر مصر إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العمومية، ولا أريد أن أبالغ فأقول بأنه وجد لنفسه هناك برج مراقبة آمن لمتابعة ما يجري في مصر كخطوة استباقية للهروب إذا ما حدث أي تململ في القوات المسلحة التي لا يرتهن عليها بحكم التاريخ...!

فهل كان محمد علي الذي شغل العرب عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي انتقد من خلالها السيسي، يعبر عن ضمير المصريين المغيب، أم أنه مجرد كاذب يتبلى على الرئيس كما يرى مؤيدو السيسي! ولكن خروج هذا الشعب متبعاً صوت الجرس جاء ليعبر عن تصديقه لما يقوله ابن الصعيد من منفاه.. الذي دأب منذ أسابيع، هذا المثقف الفنان صاحب الفلم الملتزم "البر التأني"، ومن منفاه الاختياري في اسبانيا، على فضح الرئيس السيسي وتحريض الشباب المصري على الخروج السلمي إلى الشارع يوم أمس الجمعة بعد مباراة الأهلي والزمالك احتجاجاً على فساده بعد أن عرّاه أمام الشعب مدعياً أنه يتصرف بالمال العام لبناء القصور الضخمة إرضاءً لغروره ولسطوة زوجته انتصار.. ولولا أن السيسي اعترف بذلك في مؤتمر الشباب، لظلت الرواية في عهدة الراوي دون إثبات، وكانت النتيجة أن الشعب استجاب لدعواته وخرج كالسيل الجارف فيجتاح الطرقات حتى ينظفها من فوبيا النظام التي صنعها السيسي في العقل المصري المعتقل في زنازين الخوف.

بدأت القصة بفيديوهات قام بها المُمثل والمقاول المغمور محمد علي، والتي تكلّم فيها عن مشكلة كانت تمسّه شخصياً، أي بينه وبين قطاعات وهيئات داخل الجيش المصري ومؤسسة الرئاسة المصرية والمخابرات الحربية، لتظهر في سياق قصّته معلومات ليست بالجديدة في حد ذاتها على كثير من المصريين، وما نقصده بغير الجديدة هنا هو ما يتّصل بالسياسة المالية "السفيهة" وإهدار الأموال العامة عبر إقامة مشاريع وقصور واستراحات لمصالح شخصية كلّفت خزانة الدولة المليارات، فضلاً عن مشروع تفريعة قناة السويس ذائع الصّيت، بالتزامن مع ترويج "السيسي" لخطاب "مصر الفقيرة" في المناسبات العامة. وفي مؤتمر الشباب الذي انعقد في القاهرة أقر السيسي بما قاله محمد علي مؤكداً على أنه سيستمر في بناء القصور لتحويل مصر إلى حديقة جميلة متناسياً أن ذلك سيكون على حساب التنمية المتعثرة في مصر حيث الصفوق المدرسية المكتظة بالطلاب، والفقر المستشري إلى درجة أن بعض الفقراء يقتاتون على ما تجود به حاويات القمامة.

إن قصة الفساد في مصر إذًا ليست جديدة، وفساد السيسي ونظامه بات من البديهيات، إلا أن الجديد في انتشار فيديوهات ابن الصعيد على هذا النحو، وحجم المشاهدات القياسية على جميع منصات التواصل وحتى القنوات الإعلامية والمواقع الصحفية المحلية والعالمية، بالرغم من طبيعة الحديث المرسل الذي تضمّنته، وغياب أي توثيق للمعلومات، وهذا إنما يدل على أنها لاقت ولامست هوى لدى قطاع واسع من المصريين، ليس فقط باعتبارهم فاقدين للثقة في السلطة السياسية، بل لأنهم -وبالتحديد- فقدوا أي أمل في إصلاحها ولسان حالهم يقول: "طفح الكيل يا سيسي".

ومنذ ذلك الحين ومواقع التواصل الاجتماعي تتفاعل مع هذه الدعوة العملية الجادة ما بين مؤيد أو مشكك رافض لها، وكأن معظم الشعب المصري يعيد برمجة نفسه على قيم الحرية التي ستلجم الظلم والرياء اللذَيْن تروج لهما أبواق السيسي من أمثال مصطفى بكري وأحمد موسى، تساندهم في ذلك منظومة صفقة القرن الإعلامية في الخليج العربي.

ويرى خبراء في الشأن المصري بأن محمد علي لا يجدّف في المشهد المصري لوحده، بل هناك من ينتظر هذه الخطوة في الدولة المصرية العميقة والقوات المسلحة المصرية بما فيها المخابرات الحربية وخاصة جهاز المخابرات العامة وهو هيئة مستقلة تتبع رئيس الجمهورية مباشرة، والذي تعرض إلى إعادة هيكلة وتغيير في قياداته بعد انقلاب السيسي مباشرة لصالح مؤيديه.. علما بأن محمد علي في خطابه لم يحرض على العنف لا بل دأب على مخاطبة القوات المسلحة من منطلق كونها حامية للشعب المصري من الضيم، أي أنها المنقذ المنتظر لمستقبل مصر، حيث اتهم محمد علي في سياق ذلك الدائرة المحيطة بالسيسي من كبار الضباط، بالفساد المالي وإنها تتشارك معه ضمن منظومة فساد لم تجد من يردعها وهي تنهب ميزانية مصر، تساندها منظومة إعلامية فاسدة تحاول تسويق شعار أن السيسي هو الضامن لوحدة وبقاء الجيش المصري لتضعه في مواجهة الشعب، لذلك طالب محمدُ علي رئيسَ المجلسِ الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، الفريق محمد زكي باعتقال السيسي حقناً للدماء لإعادة ترتيب المشهد السياسي المصري على أسس ديمقراطية في ظل التسامح الشامل بين المجتمع ومؤسسات الدولة في كل الصعد، وتحت مظلة العدالة، وانحصار دور الجيش بالدفاع عن أمن مصر فيما يناط بالدور التنموي على الحكومة المدنية والشعب.

والسؤال المنطقي في ظل المتغيرات المحتملة في مصر يكمن في سبب وجود تلك الأنفاق التي تربط قصور السيسي بمهابط الطائرات العمودية، ألا يعبر ذلك عن إصابة السيسي بفوبيا الشعب الذي لا يقبل الضيم!  وكأن ذلك ينبي بخاتمة وخيمة تنتظره.. إلا يمنحنا ذلك الحق بالسؤال الافتراضي عن الجهة التي ستستقبله فيما لو أسقط الجيش نظامه! حيث ستأخذنا التوقعات إلى الاحتمال الأقوى والمتمثل بدولة الإمارات العربية التي أغرقت السيسي وحاشيته ذات يوم بالأموال الطائلة لقاء استقطابه إلى التحالف العربي ضد اليمن وتآمره على المقاومة حماس في غزة ومشاركته في حصار قطر في إطار الشيطنة لخصومه من الأخوان المسلمين بعد انقلابه على الرئيس المنتخب محمد مرسي، وتدميره لقرى سيناء المتاخمة للحدود مع غزة توطئة لتنفيذ صفقة القرن من خلال توسيع قطاع غزة على حساب أراضي سيناء. ثم المملكة العربية السعودية التي اشترت من السيسي جزيرتي تيران وصنافير توطئة لتنفيذ المشروع الإسرائيلي العربي الإقليمي (باب المندب- - إيلات - أسدود) غير آبه عن كونه سيأتي على حساب قناة السويس. وقد يرحب به الكيان الإسرائيلي، وهذا احتمال كبير، لأنه يعتبر من أوفى الحلفاء العرب لنتنياهو، وقد يذكرنا البعض بالبحرين وهذا ممكن أيضاً فلا خلاف! وقد يمكث طويلاً في نيويورك بانتظار ما قد يحدث في مصر إذا ما طرأ شيء مفاجئ حتى يتسنى له التصرف وفق المستجدات من هناك مستعيناً بحليفه ترامب.. ففي السياسة لا توجد ثوابت في عالم تتحكم به المتغيرات.. فهل تتحقق أمنية الشعب المصري برحيل طغمة الفساد التي يرأسها عبد الفتاح السيسي حتى يخرج العملاق المصري من عنق الزجاجة. أم يظل الحال على ما هو عليه!

 

بقلم بكر السباتين

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم