صحيفة المثقف

تساؤلات في فلسفة القيم

رائد عبيسما مصادر القيم؟ عندما نسأل عن مصادر القيم، نجد أنها تستند إلى ثلاثية هي: (الله والطبيعة والمجتمع) ما يتعلق بالله قيم ذات بعد ميتافيزيقي، ميتافيزيقية القيم منها الفطري، العقدي، المثالي. وقيم الطبيعة هي قيم فيزيائية ذات بعد جمالي ومادي. أما قيم المجتمع فهي قيم مكتسبة ثابته، وقيم مكتسبة مبتكره. السؤال وما له علاقة بطبيعة هذه المصادر، هو السؤال عن الإشكالية، إشكالية القيم وامتدادات هذه الإشكالية بين الفهم والتطبيق، أين تكمن اشكالية القيم هل بالفهم أم بالتطبيق؟ يجب أن نفهم أن الحق لا خلاف عليه، وأن القيم الثابتة،ثابتة لدى الجميع، وأن تطبيقاتها تمتد إلى طبيعة تطابق النية مع الفعل، لذلك ورد في قول الإمام علي بن ابي طالب بأن " نية المرء خير من عمله" وهذا يدفعنا إلى ضرورة التمييز الدقيق بين القيم الثابتة والقيم المكتسبة. والسؤال الدائم بهذا الاتجاه. أما في حالة الاختلاط فلا ينتهي المرء إلى إدراك واضح لكل قيمة من قيم تلك الثلاثية وهي الله، الطبيعة، المجتمع، وعندها ينفصم الإنسان عن تلك المصادر يشعر حينها بالضياع التام والعدمية التامة، ولعل ذلك يبرر تدخل ضمن مبررات فلسفة القيم ذاتها أو القيم ذاتها، إذن ما المسوغات القيمية بين هذه وتلك؟

يدخل الفرق بين القيم المحضة، أو القيمة الوصفية، أو القيمة التوليفية، مرحلة من التقدم عند أصحاب الوعي التمييزي، أو التفريقي، أذ تنامي الوعي يساعد على تشخيص حالة القيمة ذاتها، ومراحل تطورها ومكملاتها. وهذا بالتأكيد يكون بحاجة إلى حكم منطقي يستدعي السؤال عن ما وظيفة المنطق في حكم القيمة؟ وإذا كان للمنطق قيمة فهذا يدخلها في الصرامة والحزم، وهذا ما لا تتطلبه الذاتية، وترسيخها لمبدأ العاطفة، وهذا يبرر سؤالنا عن ما وظيفة العاطفة في حكم القيمة. وإذا كانت العاطفة متغلبة على جزء كبير من أحكام القيمة، فهذا يعني أن جزء آخر منها يحتاج إلى المعرفة، وإذا لم تتملكها المعرفة تبقى القيمة وموضوعاتها بعيدة عن أهل التخصص.

كيف نوظف القيمة وأحكامها؟ هناك استثمار كبير واستغلال واضح لكل الثوابت القيمية والمتغيرة منها، اذ نجد أن السياسة، ورجال الدين، وأصحاب رؤوس الأموال والشركات، وارباب العمل، وكل مجال من مجالات الحياة فيه ذلك الاستغلال لقيم الحياة،كاستثمار الموت، واستثمار العيش، واستثمار الحرب، واستثمار السلم، والفقر والغنى، وكل شيء ممكن استثماره لصالح قيمة نقيضة، من قيم السلب.

فالقيم تحكمها جينالوجيا، التاريخ، والتطور، والصراع، والحرب، والأزمات، والتغير الاجتماعي، أما كون القيم علماً فهذا يحتاج إلى تقنيات وتكنولوجيا وأدوات وتجربة اذا تتضح بها قيم التجربة على حساب قيم الصورة، أما الفلسفة فلها شأنها في القيم إذ تتجه بها بعيداً عن الميتافيزيقا، والسياسية، والأفكار الملوثة، على العكس من ميتافيزيقا القيم التي تتعلق بالدين السماوي، أو الدين الطبيعي، أو الغيب، أو الأساطير الميثولوجية. وإذا سأل سائل أين الأخلاق في هذه المفاهيم؟ نقول أنها موجودة في كل واحدة من تلك المفاهيم وتطوراتها. بعد هذا التطور توجد هناك ماورائيات قيمية غير منظورة، مثل الرضا، القناعة، الإيمان، التصديق، الجمال. وإن كانت هذه القيم متحولة أو متبدلة. وهنا يجب أن نسأل عن ما القيم المتحولة والقيم الثابتة؟ من أجل أن نعرف إمكانية تنظيم بشري صحيح للقيم . حتى تسلك طريق التكامل، والتسامي، والتطور، ولكن كيف تتطور القيم؟ وهل تطورها شرط تكاملها؟ أم أن هناك قيم فطرية متكاملة؟ وهل للقيم وأحكامها علاقة باللغة؟ وهل تعادل القيمة الأخلاق؟ ما الأحكام المعادية للقيمة الواقعية؟ أكثر من يظهر العداء بصيغة حكم هم العاطفيون وأهل المعرفة الاختصاص، فالعاطفيون أهل الخيال والوهم والمشاعر، وأهل المعرفة لديهم حكم الموضوعية والتجربة والمنطق.

وما قيمة الفلسفة في إظهار أو الحكم على قيمة الأشياء؟ وما قيمة الفلسفة قبل أن نعرف فلسفة القيمة؟ هذه الأسئلة وغيرها تحدد أطر العلاقة بين نشأة القيم وظهورها، وبين تطورها الاجتماعي أو الإيديولوجي. وعلينا أن نفهم كيف تتطور ونطور قيمنا في كل أبعادها.

 

الدكتور رائد عبيس

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم