صحيفة المثقف

أن تزور بغداد ويخيب الامل (2-1)

كاظم الموسوييشعر الزائر الى بغداد بعد غياب، بشعور مرتبك بين الفرح ونشوة اللقاءات والزيارات العائلية والأصدقاء والكنوز الحضارية والثقافية، وبين ما يصدم به.. يتحمس نفسيا وعاطفيا وتاخذه الصور المتتالية لحضن الام والأهل والوطن.. ولكن لا تتم هذه الامور، كما السفن والرياح، ولا تفي ما يشعر به المواطن العراقي الزائر، في اعماقه، منذ اللحظات الأولى قبل الوصول إلى المطار، والنظر من شبابيك الطائرة من السماء الى الارض ومن ثم النزول من الطائرة. لماذا تنقلب المشاعر ويحصل ما يخيب الامل، ومن المسؤول عنه ومن يتحمل ما جرى ويجري؟!. أسئلة كثيرة جارحة وقاسية لكل زائر وضيف ومواطن يقارن بين ما يراه وما عاشه وجربه في المطارات والبلاد التي انطلق منها باتجاه بغداد.

فوضى وتدافع وممارسات لا تعبر عن احترام "وطني" للزائرين كلهم. فالمعروف ان المطار مؤسسة عراقية عامة وليس بيتا أو مضيفا للعلاقات الشخصية والمعارف والوساطات المميزة بين الزائرين، اذ ان المفترض أنهم متساوون في رحلتهم وسفرهم ووصولهم. لا تمييز ولا ازعاجات فردية أو جماعية. لاسيما بعد تصريحات المسؤولين والجهات المختصة حول فتح المطار والاستقبال. وبعد كل تلك السنوات للاسف الشديد أو بدونه مازالت الصورة قائمة كما هي، حتى الأشجار وملايين الدولارات التي صرفت عليها لم تتغير وتفتح ابواب الطرق والمواصلات وتغطي تجزاتها بين المطار وساحة عباس بن فرناس ومنها الى عنوان كل مسافر. كانت التصريحات الرسمية التي نشرت عن إلغاء هذا التقسيم والسماح لاستقبال الزائرين مباشرة من مخرج المطار وتوديعه عنده، ولكنها باتت تصريحات " فضائية" كغيرها من التصريحات والاقوال والمواعيد والوعود وفقدان الشعور بالمسؤولية والحرص على التعاملات النزيهة وراحة المواطنين الزائرين. واذا كان الدخول الى الوطن من بوابة الطائرة وقاعات المطار بهذا الشكل من الملاحظات المتناقضة والسلبية، فإن عودة الزائر وتوديعه للوطن، الخروج منه، يتم بمأساة فعلية لا يشعر بها المسؤول ولا يهتم بها وتكشف واقعا مؤلما وفسادا صارخا في الاحساس والموقف والاحترام، يمكن اختصارها بانها إهانة مقصودة للمواطن، وإساءة واضحة موجهة ومنظمة لاذلاله وتخيب أمله في وطنه وامكانية تطوره. وتزداد الصورة قتامة بعد كل الازعاج والإساءة وكشف المستور والفضائح التي تزكم الانوف في المراجعات الرسمية والمعاملات الحكومية، تبرز الكارثة في خطوة العودة والوصول إلى اسوار ساحة عباس بن فرناس، حيث تبدأ عملية أو مسلسل التصرفات التي ترقى الى الإهانات. وهذه خلاصة موثقة، يدفع السائق أربعة آلاف دينار رسم دخول لمسافة مائة متر فقط للوصول إلى سيارات شركة النقل الخاصة والتي تأخذ أجرة عامة خمسة آلاف دينار  للفرد وهناك سيارات تكسي ايضا بسعر عدد الافراد. (لمن هذه الرسوم ومن يتابعها وكم تدخل ميزانية الدولة منها وهل هناك شفافية في تحصيلها وايداعها؟!).

ماذا تسمى هذه الممارسات؟!. وهل هي تعكس او تعبر عن موقف الحكومة والجهات المختصة للمواطن الزائر؟!. ومن يمسح الانطباعات التي يحملها عن توديعه بهذه الصور التراجيكوميدية التي تدعي حرصها على سلامة المواطن وأمنه؟! . فبعد مسافة من الانطلاق يتوقف السائق ويطلب من المسافرين ترك كل متعلقاتهم، من حقائب يدوية واكياس والنزول من السيارة بملابسهم فقط والاصطفاف على رصيف مجاور، ليشاهد الزائر فصلا مسرحيا عبر جولة "ممثل" مع كلب يدور حول السيارة ويدخل احيانا من أبواب السيارة المشرعة له، وما أن ينتهي المشهد ينادي السائق مرة أخرى بالعودة إلى الأماكن.

وبعد فترة أخرى يقف السائق ويطلب النزول ايضا ولكن هذه المرة حمل كل المتعلقات والحقائب ايضا والذهاب إلى قاعة فحص الامتعة، والانتظار عند باب الخروج الاخر منها. وتدخل جموع الزائرين، بكل أعمارهم واجناسهم مع حقائبهم للوقوف بدور من الفحص والتفتيش. يستقبلهم حراس يسألون عن الجوازات وتذاكر السفر، ومن ثم ادخال الامتعة إلى الأجهزة مع الأحزمة وكل حديد كالساعة والخاتم وامثالهما. وبعد فترة قصيرة يقف السائق عند حاجز ويفتح ابواب السيارة حارس اخر يسأل عن الجوازات والتذاكر مرة ثانية ايضا. وما ان تصل بنايات المطار، الموقف الاخير يفتح السائق أبواب السيارة ليحمل كل مسافر حمله، ويذهب إلى ساحة خارج بناية المطار، ويضع الحقائب والامتعة على الأرض في ترتيب منتظم ويذهب المسافر للتفتيش الفردي من قبل حراس آخرين وينتظر داخل مربع اخر، لاعادة مشاهدة المشهد، للكلب وصاحبه حول الحقائب ومن بعد مسافة تدخل مدخل المطار عبر جهاز فحص الحقائب والافراد للمرة الثانية. وتتصور انك دخلت المطار وانتهت المعاناة لتتابع رحلتك وتلعن تلك الساعة التي أخذك الحنين فيها وقررت السفر. ولكن لا تمر هذه هكذا فلابد من فحص اخر بعد قاعة المطار الاولى دخولا الى مداخل تسليم الحقائب وحجز الاماكن لدى مكتب الخطوط الجوية. وتحسب انك عبرت الامتحانات كلها ولكن أيضا بعد ختم الجواز تفحص الحقائب اليدوية والافراد بجهاز اخير قبل الدخول إلى قاعة الانتظار في المطار، حيث يعلن فيها الذهاب الى بوابة الطائرة التي تغير مشاعرك وتحدد مسيرك. هذه قصة الوداع في مطار بغداد، فهل أدرك المسؤولون ما يحصل باسمهم؟, ومن هي الجهة التي وضعت لهم هذا المسلسل المبرمج لإهانة المسافرين والإساءة لهم دون اعتبار أو تقدير أو احترام. يجب إلغاء هذه الإجراءات فورا واحترام كرامة المواطن وإعادة النظر بأساليب الأمن وحماية المواطن والمؤسسات ووضع الأجهزة المناسبة والمتطورة تقنيا ومحاسبة كل من يخالف ذلك وأساء بتصرفه أو باجراءاته لكرامة المواطن الإنسان.

الوقت الذي يضيعه المسافر، وهو مغادر وطنه، حيث يمر بمراحل قسرية مزعجة تتكرر مرتين، فحص الكلاب، وفحص الجوازات، وفحص الامتعة، فضلا عما يحدث داخل مبنى المطار، يمكن اختصارها طبعا وباحترام متبادل. فهل هذه خطة "وطنية" وهل يمر بها أبناء المسؤولين وعوائلهم كما يحصل هكذا مع الاخرين؟. أنها صورة وانطباع يفضح عقلية السلطات واداءها وارتباطاتها بالشعب والوطن المبتلى. ما يحصل في هذه اللقطات والمشاهد يعري السلطات والمسؤولين والأحزاب والقوى السياسية التي تزعم وظيفتها ودورها، لأنها تطبيق عملي وموقف معبر وفضيحة صارخة بكل معانيها.

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم