صحيفة المثقف

مظاهرات اليوم في مصر والرهانات الخجولة

بكر السباتينلن أعلق طويلاً على عودة السيسي إلى مصر وقد شحنه ترامب بدعم معنوي كبير، لأن ذلك لم يطفئ ملامح الخوف الساكن في عينيه حتى وهو يبدي ابتسامته المصطنعة أثناء قوله للعشرات من مستقبليه في أنه لو رغب بنزول مؤيديه إلى الشارع لظفر بالملايين منهم كما حصل يوم الاستفتاء في 2013.. طبعاً لم يقل بأن ذلك حدث آنذاك باستخدام سياسة الترغيب والتهديد التي لم تعد بذات الفاعلية اليوم بعد أن طفح الكيل بالشعب المصري.. هذه الأيام العصيبة التي يعانيها المصريون في بلادهم المنهوبة من قبل السيسي ومن يحيط به من القادة العسكريين الذين حولوا الجيش إلى مزرعة استثمار خاصة بهم، وفق ما ينشره المقاول محمد علي الذي فتح عيون المصريين على الحقيقة المرة؛ لذلك خرجت يوم أمس الجمعة الموافق 27 سبتمبر 2019 مسيرات في عدة مدن مصرية تطالب برحيل السيسي استجابة لدعوات محمد علي، وبالمقابل خرجت مسيرات أخرى دعت إليها الجهات المؤيدة للسيسي (وكما قيل) بتشجيع المخابرات المصرية، تطالب ببقائه.. وهذه الحالة إنما تعبر عن بالغ القلق الذي يعانية أصحاب القرار في مصر وخاصة المؤسسة العسكرية التي تتعرض لضغوطات خارجية؛ كي لا تستخدم القوة المفرطة في لجم الشارع المصري ومنع المظاهرات ضد السيسي.. ويتجلى هذا القلق بمظاهر التعزيزات الأمنية التي أحاطت بميدان التحرير في القاهرة لمنع المظاهرات المطالبة برحيل السيسي من الوصول إليه. حيث نشرت بعض المواقع الإخبارية ما يؤكد تلك الإجراءات من خلال انتشار نقاط التفتيش المتحركة على الطرق، بالإضافة إلى تواجد كثيف لرجال أمن في محطات المترو لتفتيش ركاب المواصلات العامة والتركيز على فئة الشباب، واعتقال المشتبه فيهم. وقد تصاعد الوجود الأمني الثابت والمتحرك والمنتشر في كافة أنحاء القاهرة، ممثلاً بحاملات جنود وعربات دوريات الشرطة. كما وانتشر أفراد أمن بملابس مدنية في المقاهي القريبة من الميادين الكبرى، كما تواصل توقيف المارة والاطلاع على هوياتهم وتفتيش هواتفهم المحمولة للاطلاع على صفحاتهم الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي، واعتقال المشتبه بتفاعلهم مع دعوات التظاهر التي أطلقها محمد علي حيث ما يزال يبث فيديوهات تتهم السيسي وزوجته وبعض قادة الجيش بالفساد وإهدار المال العام، ويدعوا إلى إسقاطه من قبل الشعب المصري المغبون بمساندة الجيش المصري الذي وجد في الأصل لحماية مصر وشعبها.

وحسب مصادر حقوقية، فقد بلغ عدد الموقوفين على خلفية احتجاجات الجمعة السابقة وطوال الأسبوع الماضي قرابة ألفي شخص، معظمهم من الشباب ومن بينهم فلسطيني وهولندي وجنسيات أخرى أردنية وسودانية، من باب خلط الأوراق وتشتيت الرأي العام الذي لن تخدعه البربوغاندا المضللة.

من جهة أخرى قال بيان للنائب العام المصري إن التحقيقات كشفت عن ضلوع جماعات منظمة في وضع مخطط يهدف إلى إشاعة الفوضى بالدعوة للمظاهرات والجنوح بها إلى أعمال عنف وتخريب.بينما يرى معلقون بأن هذا الإدعاء يبتغي خلط الأوراق وإن مشاركة الجماهير المصرية في المظاهرات تعبر عن مناهضتهم للنظام القائم، من هنا جاءت دعوات محمد علي مقرونة بنبذ العنف حفاظاً على سلامة أهداف المتظاهرين من خطر المندسين.

من جهة ثانية اعترف الجانب الأمريكي بحق المصريين في التظاهر، حيث أعرب ديفد شينكر مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى عن ذلك في حديثه لقناة الجزيرة منوهاً إلى أن الإدارة الأميركية تراقب عن كثب تطورات الأوضاع في مصر، داعيا جميع الأطراف إلى ضبط النفس.

وكان السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي قد أكد على أن الكونغرس الأمريكي يراقب تطورات الأحداث في مصر، وما قد تسفر عنه الدعوات إلى التظاهر، مشددا في مقابلة له مع الجزيرة على أنّ الكونغرس سيحاسب النظام المصري إذا استخدم القوة المفرطة ضد المتظاهرين أو قام باعتقالات عشوائية.. ولم يعلق في سياق ذلك على الاعتقالات التي شهدتها مصر عقب مظاهرات الجمعة السابقة.. لكن ميرفي أضاف عقب لقاء ترامب بالرئيس السيسي الذي حصل منه على دعم معنوي كبير، بأن سياسات الرئيس ترامب كارثية فيما يتعلق بالقضايا المتعلقة بالديمقراطية حول العالم، ولقد مكّن لأنظمة مستبدة على رأسها نظام الرئيس المصري.

وأخيراً نقول بأن مستقبل مصر مرهون بقرار الشعب المصري نحو إسقاط أسوأ رئيس عرفته مصر.. فهل يعي الجيش المصري الرسالة فيبادر إلى خلع الرئيس دون إراقة دماء! درءاً من كارثة جديدة لن تتحمل مصر عواقبها الوخيمة! الرهانات على رحيل السيسي ما زالت خجولة لكنها أيضاً تمثل البداية التي لن تنتهي إلا برحيل فرعون مصر الذي يبحث عن المجد لبناء إهراماته على حساب قوت الشعب المصري المغبون.. الله يستر!

 

بقلم بكر السباتين

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم