صحيفة المثقف

سعد قوالب الاتهام في قضية رأي عام

سعد الساعديكلّ يوم يصرخ بعضهم بعدم التجاوز والاقتراب من الخطوط الحمراء، ومن يسأل عنها يُقال له : ليس من شأنك، واذا عرفها واكتشف خلاف حقيقتها، وأنها سوداء وأدلى برأيه خلافاً لما يعتقد أولئك المبوّقين قيل له : إنك من المهرطقين؛ وهذه أول تهمة؛ تهمة الهرطقة؛ جاهزة على مرِّ العصور والدهور لكل من خالف رأي سقيم، أو خرافة بالية كمن عاد قروناً الى محاكم التفتيش!

حين يتكلم البعض ويدافع عن الابطال في كل زمان ومكان، نجد هناك من يحاول تزييف الحقائق وتضليل الرأي العام، لأن الابطال لا يمثلون نهجه، وخارج ارادة أهوائه ومصالحه الشخصية، لان البطولة هي لوحة اخلاقية ناصعة، وهذا يخالف طبيعة الاشرار وأهواءهم وحين تلصق صور مشوّهة بهم (الأبطال)، أو تُسلب حقوقهم، هناك من ينبري ويقول دعونا من فلان وفلان فلن نحصل بهم ومنهم على حقوقنا، ولن يفيدونا بشيء، ولكنَّه نسي أنَّ انتزاع الحق الاول هو السبيل للحصول على الحقوق الكلية، فلا دستور يشفع ولا قانون تخديري يقف أمام ارادة الجماهير المنتفضة وهي ترى نفسها تسحق بالخديعة والخذلان مُخدّرة بعدم التصدّي لمن يوهمهم بأن للحق رجال، ومن لا يتبع أولئك الرجال المتخاذلين  فهو على ضلال، وبذا تُلصق بهم الزندقة إن لم يتنازلوا أيضاً عن جزء آخر من الحقوق، وهذه التهمة الثانية، لتصبح التنازلات جبلاً لا يمكن حمله!

امّا من يسعى لكشف الفاسدين، ورفع الستار عمن يحميهم ويأويهم ويخطط لهم بالخفاء والعلن في محاولة تنويرية بعيداً عن الجهل والتخلف والخديعة، وصولاً لأنصاف المظلومين، فقد ابتكرت ضده تهمة لم تكن معروفة من قبل وهي تهمة العفلقة!

المحزن في كل ذلك، حين تتحول مسألة مهمة، وموضوع حساس، الى قضية رأي عام شعبي، وهياج جماهيري صاخب، تجد من كان ينادي للحرية يخفي رأسه، ومن ناضل لتحقيق العدالة أول الواقفين مع الظالمين، ومن اطمأنت له الجماهير وحفظت أسرارها عنده، هو أول من يفشيها لانه أحس بحرارة النار وهي تقترب اليه وتأكل مصالحه الشخصية، وكثيرون اليوم ممن على هذه الشاكلة، وإن عجزوا فهناك رجال الدعاية السوداء بخدمة الجميع متى أرادوا!

في خضم هذا الصراع، والتهميش المتتالي للشعوب المسالمة، والجماهير الساعية لتحقيق ونيل ابسط حقوقها، ينبري من يدّعي أنه صاحب كلمة صادقة من على كرسيّ هزاز في منتجع ما من منتجعات العتمة بأيّة صورة كان، شاعر أو اعلامي او محلل سياس أو رجل طاعن في السّن، ويقول أن ما يمارسه ويدّعيه هؤلاء الناس المنتفضين مجرد وهم، وخارج عن المعقول، ولن تغني تجمعاتهم وهتافاتهم تلك أي شيء، ولن تعيد اليهم أي حقٍ مسلوب، ثم يلبس نظارته السوداء ويبقى متفرجاً على الكلمة كيف تُذبح، وعلى الجماهير كيف تكبّلها قوالب التهم الجاهزة، ليبقى الفاسد في مكانه أبد الدهر ما دام هناك من يقول له : إنّك من المصلحين، وما أصوات الجماهير إلاّ غثاء زائل، أو صورة خادعة من منافقين ..!

 

سعد الساعدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم