صحيفة المثقف

المجوسية.. ماهي؟

المجوسية دين قديم، نشأ في بلاد فارس قبل حوالي 3000 سنة، هذه العقيدة هي في الاصل خليط من عقائد فيدية هندية موغلة في القدم، منها تناسخ الارواح ومعتقدات غريبة اخرى.

 والمجوس يعبدون النار ويقيمون لها المهرجانات كل عام، ويؤمنون بوجود إلهين في الكون، احدهما إله الخير والاخر إله الشر، لهذا يعدًون من المشركين بالله تعالى.

والمجوسية تزعم ان عقيدتها هي مصدر الديانات، وقد تفرعت منها كل من: المانوية والمزدكية والزرادشتية.

واحد هذه المهرجانات التي كان المجوس يحتفلون بها كل عام في بغداد زمن العباسيين هو عيد نوروز. فكانوا يمارسونها طبقا لتقاليدهم الموروثة، حيث كانوا يخرجون الى الغابات والبساتين المحيطة بمدينة بغداد قبل حلول العيد بايام، يجمعون منها الاحطاب ليشكلوا منها اهرامات خشبية عالية، يشعلونها ساعة غروب الشمس يوم العيد، فتحوًل المكان من شدة حراراتها الى جهنم.

 وامام هذا المشهد الساطع الوهاج والجو الساخن الذي لا يطاق، يبدأ جماعات المجوس بملابسهم الزاهية البراقة بالرقص حول كتل النار المضطرمة فرحين مبتهجين، يصخبون بالغناء بالعبارات التالية:

 قد قابلتنا الكؤوس * * * ودابرتنا النحوس 

 واليوم هرمزدا روز *  * قد عظمته المجوس

فالنار معبودة في دين المجوس ! هكذا يقضي الاتباع ساعات ليلهم منهمكين في ممارسة طقوسهم العبادية. هذا ما يذكره المؤرخ شوقي ضيف في العصر العباسي الاول.

أما في سياق العقيدة، يروي المفكر هادي العلوي في (شخصيات غير قلقلة في الاسلام) بان شاعرنا بشار بن برد، الذي كان يُعد من الزنادقة المجوس في بغداد زمن العباسيين والذي قُتل بسبب هذه العقيدة رجما من قبل الخليفة المهدي، كان يخاطب المسلمين العرب بالابيات الاربعة التالية:

ابليس اشرف من ابيكم آدم * * * فتنبهوا يا معشر الفجار

ابليس من نار وآدم من طينة *  * والارض لا تسمو سمو النار 

الارض مظلمة والنار مشرقة * * والنار معبودة مذ كانت النار

النار عنصره وادم طينه * * ** والطين لا يسمو سمو النار

لكن العقيدة الزرادشتية تختلف اختلافا جوهريا عن الدين المجوسي، كونها تعتبر لدى بعض المؤرخين احدى الرسالات السماوية، حتى تمادوا في مغالاتهم فجعلوا من الداعي زرادشت نبيا. وان العقيدة التي جاء بها، موغلة في القدم، كان قد اسسها حوالي القرن السابع قبل الميلاد. وكتابه المقدس (الأفستا) ومعناها ( التفسير). يحوي الثوابت الاساسية الثلاث في هذه العقيدة وهي :

 ( الفكر الصالح، و العمل الصالح، و القول الصالح ).

والزرادشتيون يعتقدون ان – اهورا مزدا – (الاله العاقل) هو اكبر الالهة. تعاونه ستة آلهة تعبر عن بعض المعاني المجردة مثل الاستقامة والتقوى والاخلاص والخلود.

وصلب دينهم يتشكل من الهين هما – سيتامانيو – إله الخير، ويرمز له بالنور،  و- انجرامانيو – إله الشر ويرمز له بالظلمة.

ومن يمشي في خطى اله الخير يذهب الى الجنة، لكن من يختار اله الشر فسوف ترمى جثته بعد موته في حريق هائل. يحدث كل ذلك بعد فناء الأرض. هذا ما جاء في كتاب (الحضارة الساسانية حضارة عالمية) لموسى مخول.

 فالعقيدة الزرادشتية في اساسها ضرب من الاصلاح الروحي والاجتماعي لشعب بلاد فارس ترمي الى تنمية الحصاد والرفق بالحيوانات الأليفة ما يؤدي الى توفير الغذاء.

ولم يكن للزرادشتية معابد خاصة بل مجرد مصليات، ثم ظهرت بالتدريج بعض الطقوس. ولرب الالهة اهورامزدا، منافس آخر، هو الاله أهريمان، والنضال بينهما يلخص الفلسفة الزرادشتية ويبين الوعد والوعيد.

فتاريخ العالم في ماضيه وحاضره ومستقبله ينقسم الى اربع فترات متساوية، كل فترة منها 3000 سنة. في الفترة الاولى لا وجود للمادة وتسبق الثانية ظهور زرادشت وفي الثالثة تنتشر عقيدته – وطوال هذه الفترات الثلاث يستمر النضال بين الخير والشر – ويعين اهورامزدا الاخيار من البشر، في حين يقف اهريمان الى جانب الاشرار – ويعبر المرء بعد موته جسر الفصل الذي يمتد فوق جهنم فيضيق بالعاصي حتى يسقط. ويتسع للطائعين، كي يدخلوا الى عالم النور - - - وفي الفترة الرابعة يظهر مخلّص اسمه ساوشيانت يبعث الحياة في الموتى من جديد، ويرسل الصالحين منهم الى جنات النعيم ويرسل الاشرار الى جهنم، حيث العذاب الاليم، ثم يسود الخير الى الابد.

 ويقدس اتباع زرادشت النار، فهي في نظرهم رمز النقاء والصفاء لكنهم لا يعبدونها، بل جعلوها شعارا في مناسباتهم الدينية. ومن صفاتهم انهم بحرصون على التدقيق الزائد في وسائل التطهير.

 قرأت حديثا كتاب (هكذا تكلم زرادشت) للفيلسوف الالماني نيتشة، فعلمت انه كان يعظم تعاليم زرادشت القيمة وافكاره الاصلاحية النيًرة التي ابتكرها لبني جنسه لكي يتفاعل مع عصره، وهي اصلاحات روحية تهذيبية، تحررهم من عاداتهم الاجتماعية البالية و معتقداتهم الغيبية الضالة.

 وعندما دخل الاسلام بلاد فارس في منتصف القرن السابع الميلادي حارب اتباع زرادشت. لكن الجدير بالاهتمام ان الخلفاء عمر والامام علي كانا يقبلان الجزية منهم، فقد اعتبراهم من اهل الكتاب، بينما المجوسي لم تقبل منه الجزية لانه كان مشركا. 

وقد ادى الاضطهاد الديني والسياسي بالزرادشتيين في بداية الامر وفي مراحل تاريخية متلاحقة الى ترك موطنهم الارومة والهجرة الى الهند، فاستقروا هناك وكثروا بمرور الزمن فاصبحوا يلقبون ب (البارسيين).

اما الزرادشتيين الذي بقوا في ايران وتكيفوا مع الظروف الصعبة، عاشوا ولا يزالون يعيشون دون مضايقة تذكر، وان مركز عبادتهم هي مدينة يزد، ففيها معبدهم الكبير، وعندما قامت ثورة أية الله الخميني عام 1979 وانشأت جمهورية ايران الاسلامية، لم تتعرض الزرادشتية بأذى.

والجدير بالذكر انه خلال عملي في جامعة طهران في تسعينيات القرن الماضي، علمت عن طريق بعض الزملاء، بان شخص الزرادشتي والذي يدعى عندهم (زردشتي) يحظى بالاحترام اللائق من قبل المجتمع، فقد اصبح سلوكه العام المتصف بالخلق القويم مضرب الامثال.

لم يبقى لشعلة النار (المقدسة) سلطانها الروحي مقتصرا على اتباع المجوس ومعتنقي الزرادشتية في إطارها الديني فحسب انما اصبحت لدى الطبقات المثقفة والمتحمسة لقوميتها الفارسية، رمزا لمجد حضارتهم الساسانية ونظامها الكسروي العتيد، فلا عجب لو شاهدت انهم يتوًجون مناسبات افراحهم واعيادهم و حفلات اعراسهم الفخمة بمشاعل النار الوهاجة، تزين موائد العشاء وتبقى مشتعلة طوال ساعات الليل.  

 

د. رضا العطار

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم