صحيفة المثقف

"ما فياويّة" دونالد ترامب وإرادات الصهيونيه!

محمد مسلم الحسينييختلف المفسرون في أصل كلمة "ما فيا" ومصدرها كما يختلفون أيضا في معناها الحرفي الأول، غير أن المعنى العام يدور في دائرة مفردات الترهيب والإبتزاز، التلاعب والإتجار غير المشروع، التزوير والخداع والكذب، التفاخر العدواني والتبجح، روح المغامره، مخالفة القوانين والأعراف والتعهدات، التستر والتخفي، عدم الإلتزام بالمعايير والمبادىء والأخلاق الإنسانيّه وغيرها. الذي راقب تصرفات الرئيس الأمريكي الحالي "دونالد ترامب" ومنذ حملته الإنتخابيه للرئاسه والى حد هذا اليوم، وجد أغلب هذه المعاني، إن لم يكن جميعها حاضره في سيرة ونهج هذا الرجل غريب الأطوار !. فالذي يتابع قنوات التلفاز الأجنبيه  وعلى الأخص الأمريكيه منها وكذلك الصحف والمجلات، سوف يجد وفي كل يوم خبر أو حدث صادر عن هذا الرجل يكشف فيه: مخالفه قانونيه أو دستوريه أو دبلوماسيه، فضيحه وخرق أخلاقي، إستفزاز وإهانه بألفاظ نابيه وإستهزاء موجه الى شخصيّه أو عنصر أو لون أو دين أوكيان أو دوله. وقد يسمع أيضا عن: حالة تستر على خبر أو تصرف غير مشروع وخداع فاضح وقلب حقائق، خرق أو إلغاء لمعاهدات ومواثيق دوليه، فرض أوامر أو عقوبات قهريه وغير إنسانيه ضد دول أو منظمات أو مصالح أو أفراد داخل أو خارج أمريكا، وغيرها.

هذه التصرفات غير العاديه وربما الصادمه في كثير من الأحيان، تحصل بشكل دائم ومستمر من خلال تصرفات وأفعال أو تعليمات وتوجيهات أو أحاديث وأقوال مباشره أو غير مباشره مع الصحفيين ووسائل الإعلام أو عن طريق كتابات " تويتريه". هذه الحقيقه تجعل المتابع في حيره وتساؤل: كيف يجوز أن يحكم أقوى دوله في العالم، رجل له صفات مافيويه واضحه وجليّه أمام أنظار العالم !؟.

صفات هذا الرجل وتصرفاته قهرت غالبيه الأمريكيين وخصوصا طبقات المثقفين وأنصار القانون و الديمقراطيه والإنسانيه، وقهرت كذلك بل هددت مصالح غالبية دول العالم وشعوبها، الى الحد الذي أفقدت فيه ثقة العالم وإعتباراته الخاصه لأمريكا وحكامها. بل دخلت هذه الدوله التي تتبجح بالتحضر والديمقراطيه والحريه وحقوق الإنسان وإحترام العهود والمواثيق والحضاره الإنسانيه في قائمة الدول الفاسده في العالم!  لم يعد أحد يثق بعقود وإتفاقات يعقدها مع هذا الرجل وحكومته لأنه قادر على نقضها في اليوم التالي بعد توقيعها. كما لم يعد أحد يصدق ما يقوله ترامب في محافله العلنيه، حيث بلغ عدد كذباته التي أحصتها جريدة الواشنطن بوست الى ما يزيد على 12000 كذبه منذ توليه منصب الرئاسه! لقد تبينت من خلال سياسات ترامب الغريبه حقائق وأسرار كانت خافيه ومستتره على العالم وأهمها هو أن المافيا "الترامبيه" هذه لا تنحصر بشخصيّة ترامب وحده فحسب وإنما هي إمتداد لمافيا سياسيّه مستتره  داخل الكيان السياسي الأمريكي، حيث كشف عن وجهها السيد ترامب. هذا الرجل لوحده لا يمكن أن يبقى في سدة الحكم أسبوعا واحدا لولا اللوبي الصهيوني الذي يدعمه من الخلف! هذا اللوبي الذي يمثله غالبية أعضاء مجلس الكونغرس الأمريكي من الجمهوريين والذين وقفوا ولا زالوا يقفون خلفه رغم الأخطاء والفضائح، لأنه حقق للصهيونيه مالم يحققه أحد من قبل !. الصهيونيه كانت تحكم أمريكا  خلف حجاب، لكنها اليوم وبفضل ترامب نزعت الحجاب وأسفرت عن وجهها !

هذا التوجه الصهيوني في الحكم المباشر لدول العالم وخصوصا الدول المحوريه والهامه سبقه تحضيرات دؤوبه ومدروسه حُضّر لها وخُطط . بدأت هذه التحضيرات في الشرق الأوسط لأنها منطقة القلب حيث بوشر بتنفيذ ما سموه بـ "مشروع الشرق الأوسط الكبير" والذي كان أهم بنوده هو التخلص من الحكام العرب الذين يرفعون شعارات وطنيه ويعادون الصهيونيه. من خلال يافطات الديمقراطيه التي أدخلوها، إستطاعوا أن يدمروا البنية التحتيه والفوقيه لتلك البلدان التي كان يقودها زعماء غير متواطئين مع الصهيونيه، فنشروا الخراب والحروب الأهليه وحالة عدم الإستقرار فيها. هذا الحال إستفادت منه الصهيونيه العالميه بحالتين: الأولى تدمير من كان عقبه أمامها من بلدان وزعماء والى أجل غير مسمّى والحاله الثانيه هي خلق حالة عدم إستقرار دائم في تلك البلدان، مما أدى ذلك الى هجره مليونيه تضررت منها أوربا. هذه الهجرة غيّرت مفاهيم الشعوب الغربيه فراحت مرتبكه تحت تأثير الخوف من الإسلام "الإسلامو فوبيا" الذي عززه الإرهاب من جهة، وتأثيرات الكساد الإقتصادي الملحوظ والذي بدأ منذ عام 2008م بعد إفلاس البنك الأمريكي العالمي العملاق " ليمان براذر".  حالة تخوّف الشعوب الغربيه من زحف اللاجئين لها، فتح الباب على مصراعيه أمام إنتخاب شخصيّات سياسيّه شعبويه عنصريّه أخترقتها اليد الصهيونيه فنجحت في إعتلاء سدات الحكم في بلدانها وكان دونالد ترامب أهمّها!

القاده الشعبويين والعنصريين الغربيين يتشابهون في كثير من الأحيان بصفاتهم وسيرتهم، وهذه الصفات منبعثه غالبا عن حالة خلل مرضي إجتماعي نفسي يعاني منه هؤلاء. صفة النرجسيّه وبكل أنواعها وصنوفها إبتداءا من النرجسيّه البسيطه الى النرجسيّه الخبيثه هي صفه تكاد تكون مشتركه عند هؤلاء الزعماء. حب الذات ونبذ الآخر هو الشعار المشترك بين الشعبويين وهكذا نادى ترامب ومنذ اللحظه الأولى " أمريكا أولا".

شخص بعض أطباء النفس ومنهم البروفسور الأمريكي جون غارتنر والبروفسور البريطاني ألين فرانسيس بأن ترامب مصاب بمرض " النرجسيّه الخبيثه" والتي بدت أعراضه واضحه عليه منذ البدايه. غير أن النرجسيّه الخبيثه قد تكون عارض لمرض أشمل وأكبر الا وهو الـ " السايكوباثيّه" وقد بينت الأحداث والتجارب أن عددا لا يستهان به من السياسيين الشعبويين والعنصريين مصابون بهذا المرض أيضا. السايكوباثيّه هي حالة مرض إجتماعي وراثي على الأرجح يتصف المريض به بصفات خاصه منحرفه غير طبيعيّه أهمها: حب السيطره والسلطه، قهرالأخر، غياب الضمير الإنساني، الكذب والمراوغه، السخريه والإستهزاء بالآخرين، الغطرسه وجنون العظمه، عدم الشعور بالخجل، غياب الأخلاق والعواطف الإنسانيه والمحبه الصادقه. حب الأنا والذات وتسخير كل الأدوات في تحقيق المصلحه والهدف، قوة الشخصيّه وقابلية الإقناع وكسب ود الآخرين. أكثر هذه الصفات السايكوباثيه متوفره بشخصيّة ترامب وتتوفر بزعماء شعبويين مثله جعلتهم قادرين على كسب أصوات الشرائح البسيطه في مجتمعاتهم، أمثال بنيامين نتنياهو رئيس وزراء " إسرائيل" وجايير بولسونارو رئيس البرازيل وبوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا وغيرهم .

التشابه القوي في صفات المافيويين والسايكوباثيين والشعبويين العنصريين تشير الى وجود علاقه جدليه بين  طبائع هؤلاء، هذه الطبائع برمتها إن توفرت في قائد ما ستكون هدفا هاما تبحث عنه الصهيونيّه لخدمة أغراضها ومصالحها، لأن أصحابها لا يترددون في عمل أي فعل منكر أو تصرف شاذ من أجل الوصول الى الهدف والمصلحة الذاتيه الخالصه. وهكذا حقق دونالد ترامب أغراضا للصهيونيه مالم يحققها شخص آخر غيره! ضاربا عرض الحائط كل المواثيق العالميه والأصول والقيم، فعلى سبيل المثال وليس الحصر، نقل السفاره الإسرائيليه من تل أبيب الى القدس دون خجل أو وجل! وهكذا بحث الصهاينه ويبحثون عن أمثال ترامب بين السياسيين من أجل دعمهم ورفعهم الى كراسي السلطه ومن ثم تمرير أجندتها عليهم.

تلخيصا لما سبق نستطيع أن نقول بأن ثالوث المافيويه والسايكوباثيه والعنصريه هو السلاح الذي تشهره الصهيونيه أمام العالم الحر اليوم منذرة بتغيّر ستراتيجي مهم في السياسات العالميه! وهكذا نستطيع أن نقول بأن الصهيونيه عرفت من أين تؤكل الكتف فحضرت الساحه للشعبويين بإعتلاء السلطه داعمة لهم في الخفاء، حتى تحققت القاعده التي تقول: إذا لم يكن العنصري أو المافيوي أو السايكوباثي صهيونيّا فلابد  للصهيوني أن يكون عنصريّا مافيويا سايكوباثيّا، حيث دونالد ترامب نموذجا !

 

د. محمد مسلم الحسيني - بروكسل

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم