صحيفة المثقف

نظرية المؤامرة تلاحق الطبقات المسحوقة

مهدي الصافيمن اطلق الرصاص على الديمقراطية؟

بعد اكثر من اربعة عقود من مجزرة قاعة الخلد في بغداد، لم يتمكن شخص واحد بما فيهم المجرم صدام من اثبات حقيقة تامر بعض اعضاء قيادة حزب البعث البائد على الثورة.. كما لم يثبت احد من قبل وجود ادلة على تأمر رفاق ستالين عليه... هل تغيير قمة هرم السلطة مؤامرة ام ضرورة طبيعية لابعاد دموية واستبداد وغباء سلطة الفرد الواحد...

اذا سمعت كلمة مؤامرة في اي نظام ديمقراطي فأعلم انه ليس كذلك...عبارة المؤامرة تكشف ان النظام السياسي الذي يدير الدولة نظام جمع الفساد والتوحش...

ليس كعادة المتظاهرين في العراق ان يخرجوا للمطالبة بحقوقهم في غير يوم الجمعة، ولهذا لم تكن بين المتظاهرين عمامة واحدة (مع ان هناك من ايد ودافع عنها عبر الاعلام الالكتروني، والخطب في الحسينيات)، وكأن الذي خرج لايختلف عن الذين تخلوا عنهم من قبل" بفتوى الشيوعية كفر والحاد"، حتى انقلب البعث الارهابي على الجميع بما فيهم مراجع الدين، ولكن للامانة لابد من القول ان مرجعية السيد السيستاني كانت رافضة لاداء الكتل السياسية الحاكمة (توصياتها عدم انتخاب الفاسد، والمجرب لايجرب) وناصحة دائما لهم ومطالبة بالاصلاح، الا ان استمرار الحاجة لفتوى الجهاد الكفائي بعد القضاء على الارهاب وتحرير المدن من داعش، بدلا من الدعوة الى حل الحشد ودمجه بالقوات العسكرية والامنية، تاركة الباب لايران بأستغلاله من خلال جماعة ولاية الفقيه من العراقيين، لجعلة شبيه بتجربة الحرس الثوري الايراني، وعدم دعوتها لهم بمواجهة افة الفساد، (الذي يعد اقوى جهاز امني وعسكري في ايران، وهو امر يتعارض تماما من مبادى واسس ومفاهيم الانظمة الديمقراطية، فهو حرس للثورة ممن من الشعب ام من اعداء ماوراء الحدود، والذي من المفترض ان تكون مهمة ومسؤولية الجيش والقوات الرسمية في البلاد)، تسبب بألم وحيرة كبيرة وحالة من التخبط في الشارع، وقد ظهر في اعتصامات اصحاب الشهادات العليا، والخريجين، والمفسوخة عقودهم، واصحاب البيوت التجاوز المهدمة، استفهامات كثير عن دور المرجعية الصامت من هذه الازمات والمشاكل...

قد تحتاج بعض الدول الى جيش او حشد شعبي في مواجهة اخطار داخلية وخارجية مصيرية، كما حصل بعد ٢٠٠٣، اذ تكالب جميع اعداء العراق على التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، عبر اغراقه بالاموال والاسلحة والمخدرات ومافيات الابتزاز والاغتيال، من اصغر دولة مجاروة الى اكبر وابعد قوة في العالم، فهذه الارض لن يتوقف التأمر عليها حتى ينضب اخر حقل او برميل نفط، وصولا الى مرحلة العطش بتجفيف منابع دجلة والفرات، اما مسألة الحاجة اليها فهي تعد مغامرة وخطر كبير، قد يتحول الى سلاح مدمر بين الفرقاء السياسيين والفصائل المسلحة او الشعب...

المشكلة الاكبر في كل مايحدث ان الاحزاب بعد٢٠٠٣لم تتمكن من كسب الشارع، بل على العكس بدء التنازل العكسي لها سريعا، مما جعلها تبحث عن وسائل مشروعة وغير مشروعة للبقاء في السلطة باي ثمن، تلاعبت بقوانين الانتخابات وموظفي المفوضية، وجعلت من المحافظات دائرة انتخابية واحدة لجميع المحافظات، وكذلك العاصمة بغداد، وهذا الامر مخالف للدستور كما ذكرنا ذلك في عدة مقالات سابقة، اذ شرع الدستور قانون الدوائر المتعددة بجعل كل عضو برلمان يمثل دائرة انتخابية لمئة الف نسمة (مادة٤٩)، واعتبر هذا الخرق الدستوري بواية لبقية الخروقات الكثيرة، حولت مسألة انتخاب عضو مجلس النواب الى فزعة عشائرية، فصار البرلماني ممثلا لعشيرته، وليس ابناء مدينته ومنطقته، عملية تدمير متعمدة للدولة والمجتمع، اذ لاحظ وشاهد الجميع حالات تقاضي بعض مسؤولي الدولة في مجالس العشائر بدلا من المحاكم، لكن الكارثة التي هزت اركان النظام الديمقراطي البدائي هي الانتخابات الاخيرة، فقد رافق تلك العملية الكثير من الاشكالات والخروقات وحالات التزوير الكبيرة وفقا لما ذكره العديد من المرشحين، اضافة الى ان نسبة المشاركة كانت ضعيفة جدا، حيث ان البعض بات يقول ان البرلمان الحالي لايمثل الا مانسبته١٠% من ابناء الشعب (اذا تم جمع اصوات الاعضاء الفائزين، ستظهر تلك الحقائق)، هذه الانتخابات عقدت المشهد السياسي العام، واتسعت معها هوة ازمة الثقة الشبه معدومة اصلا بين الشعب والاحزاب والكتل السياسية الحاكمة، التي لم تنجز او تنتج في البلاد غير الفقر والفساد والمشاريع الوهمية والمستقبل المظلم،

الجميع شارك في صناعة نظام ديمقراطي فاشل بامتياز، النهب وسرقة المال العام وعمليات غسيل الاموال تجري امام اعينهم وباعترافهم احيانا، في الحقيقة لسنا بحاجة الى ذكر العديد من حالات الفساد التي تخترق جميع مفاصل الدولة دون استثناء، هي واضحة وضوح الشمس، الا ان ارادة التغيير والاصلاح حتى وان كانت صادقة قبل وبعد الحكومة الحالية لايمكنها ان تخترق سواتر الفساد الممنهج والمنظم او المحكم،

الا ان تراكم الظلم والفساد والعشوائيات والثراء الفاحش للفاسدين، زادت من حالة الاحتقان الشعبي، وحطم امال واحلام ومستقبل الشباب واجيال مابعد٢٠٠٣، "

يروى ان بعض الامهات ذكرن.. حالات بطولية قل نظيرها لهؤلاء الشباب..تمسك احداهن بابنها الذين هو بعمر الزهور خوف عليه من رصاصات الغدر..يأتي الجوب واذا مت انا خارج اريد حقوقي"

انتفاضة اكتوبر جاءت مباشرة بعد حملة مسعورة غير مبرمجة قامت بها بعض المحافظات بازالة مايسمى بالبيوت المتجاوزة (العشوائيات)، وعربات او بسطيات الفقراء في الاسواق الشعبية، والاعتظاء على اعتصامات اصحاب الشهادات العليا بالماء الحار، وللعلم ايضا ان نسبة الفقراء والبطالة والخريجين العاطلين عن العمل كبيرة جدا تتناقض مع حجم الصادرات النفطية، والعائدات المالية الهائلة بعد تحسن اسعار النفط بشكل ملحوظ...

الصدمة والمفاجئة وظاهرة التوحش التي ظهرت عبر حالات القنص واطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، اعادت الى الاذهان صورة الانظمة الدكتاتورية الدموية البشعة، وماجرى في انتفاضة١٥شعبان(مع الفارق بين أعداد المنتفضين واسلحة القمع والتعذيب الوحشي)، كيف تواجه حجارة بعض المراهقين بقناص متعمد في الرأس، من اعطى الاوامر؟

من الجهة التي نفذت؟

ولماذا تواجه صرخة الفقراء بوابل من الرصاص العشوائي وحتى الرمانات اليدوية كما قيل؟

اسئلة لم تجب عليها الحكومة الى الان، الا ان الشارع الشعبي يقول هم جماعة تابعين الى ايران..قد يكونوا جماعة بدر بقيادة العامري... او العصائب بقيادة الخزعلي..او الخراساني..او اطلاعات ايرانية.. وقسم اخر ذهب الى نظرية داعش وبقايا البعث البائد (جماعة رفع العلم القديم، واغاني النظام الصدامي البائد)، هذه الروايات لاتعد مصدر موثوق، الا ان الذي يخاف الفتنة، واحتمالية الانزلاق نحو الاقتتال الشيعي الشيعي، والحرب الثأرية العشائرية، لابد ان يسارع الى كشف الحقائق، وايجاد هؤلاء الاوغاد الذين ارادوا تخريب الدولة، والسير نحو انهيار العملية السياسية بالكامل، واستسناخ التجربة السورية او اليمنية في البلاد، حتى لو كان هؤلاء جزء منفلت من الحشد او الجيش والشرطة او الفصائل المسلحة الاخرى (علما ان الجيش والشرطة نفوا اي صلة لهم بجماعة القناصين او اواعطاء اوامر صريحة تتعلق بقواعد الاشتباك)، لابد ان يتم ابعاد الرصاصات التي ارادت ضرب الديمقراطية في الصميم، وكذلك ابعاد الاشاعات والاتهامات التي طالت بعض الاحزاب والحركات والتيارات الشيعية المهمة (بدر، والعصائب)، فمن الغريب ان يخرج مكون الاغلبية ضد الحكومة التي تمثله في النظام الديمقراطي، اي من المعتاد ان تفعل ذلك الاقليات، وقد حصل ذلك في المناطق (الاعتصامات) الغربية قبل وبعد سقوط الموصل!

 رافق احتجاجات الشباب العراقي حملة اعلامية مأجورة، لربط مايحدث من انتفاضة شعبية عفوية لفقراء الشعب، بمؤامرات داخلية خارجية، علما ان النظام الديمقراطي في العراق، جاءت به امريكا والاتحاد الاوربي، ثم التحقت بهم اغلب الدول المجاورة، فهل اصبح شعار"الشعب يريد اسقاط النظام"، دليلا ملموسا عند القيادات الامنية الفاشلة على تلك الادعاءات الباطلة، وكأن الشعب خرج ضد الرفاهية والامن والامان ووفرة الوظائف،

نعم الشعب يريد اسقاط نظام الفساد والمحاصصة والفشل، يريد ان يرى تعديلات حقيقية للدستور، ان لايرى مجالس المحافظات وقد اصبحت اسواق لمزاد الوظائف وبيع العقود، وما تهافتهم على قطاع الصحة ومدراءها، الا من اجل نهب اموال شراء الادوية والاجهزة الطبية، وقد اكدت تلك الحقائق استقالة وزير الصحة، واي مسؤول او قاض شجاع عليه ان يذهب لاي مديرية صحة من المحافظات البائسة، ويطلع على الواقع الصحي المنهك، ويرى بنفسه كثرة الاجهزة الطبية العاطلة الحديثة (لانها غير مطابقة للمواصفات العالمية انما صناعة تقليدية غير كفوءة)، وهكذا لبقية القطاعات والمجالات، ماذا تفعل للفاسد الذي يغش ابنه واهله وعشيرته في بناء مدرسة او تعبيد طريق او استيراد ادوية او مواد غذائية غير صالحة للاستهلاك البشري، اين مواد البطاقة التموينية،

اين الوظائف لخريجي الكليات والجامعات الاهلية فضلا عن الحكومية،

ماهذا العبث في اغنى دول المنطقة والعالم، فشل في كل المجالات والقطاعات بما فيها الفنية والاعلامية والرياضية الرسمية الخ....

ان الذي تأمر على العراق هي الاحزاب والكتل السياسية الفاسدة، وكل من اصبح تابعا لجهات خارجية، سعيا منه للحصول على الاموال للفوز بكتلة انتخابية كبيرة، يمكنها ان تتنافس في ميزان المحاصصة وتوزيع او بيع المناصب،

المتأمر ليس الفقير الذي يسكن العشوائيات او يعمل هو وجميع افراد اسرته في الاسواق الشعبية الملاحقة من قبل الشرطة وموظفي البلديات، انما الفاسد الفاشل الذي نهب ثروات الشعب، وتعمد ابقاء بلده دولة من ورق، هؤلاء لايرغبون ان يعود العراق بكامل سيادته، دولة عربية اقليمية مهمة في المنطقة،

ولكن عليهم ان يعرفوا ويتعلموا جيدا ان بلاد الرافدين لايشبه سوريا او لبنان او اليمن، العراق بلد عريق مهد الحضارات ذو غالبية عربية (شيعية وسنية)، يجب ان يحكم ديمقراطيا من الكتلة البرلمانية الاكبر، وليس عبر تقسيم الدولة الى ثلاث مؤسسات عرقية طائفية (الرئاسات الثلاث)، لا احد يمكنه ان ينكر التدخلات الخارجية بقوة في الشؤون الداخلية بما فيها تشكيل الحكومة (التخلات الايرانية الخليجية التركية الامريكية الاوربية)، ولكن العتب والعيب على من يقبل ان تكون بلاده مطية وجسرا لتمرير مصالح ومنافع الاخرين...

بعد ان وضعت المواجهات اوزارها، واتجاه الحكومة والبرلمان كما يبدوا الى مرحلة الاصلاحات والحلول، واخذها بنصيحة المرجعية الدينية بتشكيل لجنة موسعة من الكفاءات والخبرات المستقلة، لتقديم مقترحات الحلول الجذرية لمشاكل البلاد، نقدم هنا حزمة من النقاط التي نعتقد انها جوهرية لحل اغلب ان لم تكن جميع مشاكل البلاد الاقتصادية والخدمية، ان تم بالفعل ابعاد الاحزاب والكتل الفاسدة عنها، مع تجميد صلاحيات مجالس المحافظات، منها مايلي:

اولا: تشكل لجنة موسعة مستقلة للتعديلات الدستورية

ثانيا: حل مفوضية الانتخابات، واعادة تعيين بدلاء عنهم من القضاة المستقلين حصرا

ثالثا: الغاء البطاقة التموينية وتخصيص اموالها لدائرة الضمان الاجتماعي والصحي، مع تقديم الدولة الدعم الكامل لبعض المواد الغذائية المهمة (مادة الطحين والرز والسكر وحليب الاطفال)، وفتح مجال الاستيراد المعفى من الضرائب والتعرفة الجمركية، والسماح باستيراد اللحوم الحمراء الحية، لتقليل اسعارها في الاسواق المحلية، فهو يعد في المجتمعات العربية معيار الغلاء او استقرار الاسعار، والتي على ضوءها تتغير اسعار السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية

رابعا: العودة الى الدستور في الانتخابات التشريعية، باعتبار المحافظات دوائر انتخابية متعددة، وفقا لما معمول به في الانظمة الديمقراطية الحقيقية

خامسا: الامتناع عن احالة المشاريع الحكومية الى شركات القطاع الخاص، والعمل على تشكيل شركات حكومية في اغلب الوزارات، من اجل ان تستقطب الالاف من الخريجين والايدي العاملة الماهرة، يمكنها ان تشارك القطاع الخاص الاجنبي في اعادة بناء البنى التحتية، وتطوير المشاريع الخدمية الاخرى، وهي خطوة لاستيعاب الشباب وابعادهم عن حالة الاحباط والياس والجرائم والمخدرات والمشاكل الاجتماعية العشائرية الخ.

سادسا: تطوير قطاع الزراعة بالسماح لمن يرغب بأقامة مشروع زراعي عبرنظام المساطحة، او الايجار الطويل الامد في المساحات الفارغة بين المحافظات، بعد ان يتم تقسيمها لعدة دونمات محددة

سابعا: اغلاق الجامعات والكليات الاهلية الفائضة عن الحاجة، والابقاء على الاختصاصات المهمة، التي يمكن ان يجد بعدها الخريج فرصة عمل

ثامنا: دعم مشاريع الصناعات الاولية، والمصانع والمعامل الوطنية، ودعم المنتج المحلي

تاسعا: ابعاد الكتل السياسية عن متابعة ملفات الفساد بجعلها مهمة قضائية اساسية، بعد ان يتم تشريع قوانين الحد من الاثراء على حساب المال العام، واطلاق حملة وطنية لمكافحة الفساد

عاشرا: حل الحشد الشعبي والبيشمركة وجميع الفصائل والجماعات المسلحة، ودمجها بالاجهزة والقوات العسكرية والامنية الرسمية (وزارتي الدفاع والداخلية)، واطلاق حملة وطنية لنزع سلاح العشائر (على الاقل المتوسطة والثقيلة ان وجدت)، والتفكير جديا باعادة نظام الخدمة الالزامية مع وجود خيار البدل على ان يدفع لنصف الخدمة وليس جميعها..

حادي عشر: تخفيض رواتب المسؤولين كافة، وكذلك المنافع الاجتماعية

ثاني عشر: اعادة نظام التعليم الالزامي الى الدراسة المتوسطة، بعد ان يتم توفير راتب الضمان الاجتماعي والسكن للعوائل الفقيرة

ثالث عشر: منع كافة انواع السمسرة والشركات الوسيطة للاستيراد الحكومي، وجعلها مهمة وزارية رسمية مباشرة مع الدول او الشركات المصدرة

رابع عشر: اغلاق مزاد العملة الصعبة، ومتابعة اداء وقانونية عمل البنوك الاهلية لمنع تهريب العملة

....الخ.

رحم الله شهداءنا جميعا ونسأله عزوجل ان يدخلهم فسيح جنانه، وان يبعد عن بلادنا واهلنا شبح الفتن والحروب والصراعات الداخلية..

 

مهدي الصافي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم