صحيفة المثقف

الأوهام العثمانية والفخ الامريكي

باسم عثمانهواجسها ومخاوفها من تداعيات تحرير إدلب، دفعها لاستعجال تأزيم الأوضاع ولقبولها بما كانت ترفضه، ولاستعجال استنساخ الكيان الإسرائيلي شمالا ًوشرقا ًبالنكهة التركية والانفصالية، ودَعَتها "منطقة اّمنة"، رغم التكريد والتتريك على غرار التهويد، ورأت في انفصالييها وأردوغانها، عكاز بقائها اللاشرعي على الأراضي السورية، والذي رأى نفسه ضامنا ً للحلم العصملي، وراّه السوريون عدوا ًوقحا ًضامنا للإرهاب والاحتلال البائد لا محالة، واعتبروها فرصة لاستلاب السيادة ولإبراز العضلات بالوكالة، لكنهم بَدوا تائهين وربما سيتحولون إلى نادمين، فهذه سوريا ليست مشاعا لعربدتكم وأوهامكم.

ان الغزو التركي على شمال سوريا ما كان ليحصل لولا الضوء الأخضر الأمريكي الذي أعطاه ترامب لاردوغان بالانسحاب الأمريكي من الشمال السوري، ولولا الخلل في العلاقات الدولية التي نسفتها السياسة الامريكية الخرقاء وتدخلها السافر في شؤون الدول دون مراعاة للأعراف و القوانين الدولية.

ان السياسة أحادية الجانب التي تمارسها أمريكا ضد شعوب العالم و سيادة أراضيه، في تجاهل تام للشرعية الدولية وهيبة مؤسساتها، وهو ما جعل اردوغان يتجاهلها و يعلن جهارة عن نيته بغزو بلد جار دون أي رادع كما تفعل الإدارات الامريكية و الكيان الإسرائيلي.

اللافت للانتباه، ان العدوان التركي على الأراضي السورية جاء تحت ذريعة محاربة " داعش" الإرهابية، بينما الواقع يقول، ان المدن التي يقصفها الجيش التركي بكل أنواع الأسلحة الثقيلة و الخفيفة، مثل راس العين وتل ابيض، هي من حررت أراضيها من بطش واحتلال "داعش" لها.

في البداية لم يكن السوريون يعرفون الكثير عن مّا سُمى “قوات سورية الديمقراطية” ولا عن أهدافها، لكن الأيام كشفت نوايا مطلقي هذا المشروع المشبوه و يقوم على الطاعة العمياء للسيد الأمريكي، وبادعاءات محاربة الإرهاب، فقد رأى العالم كله مرور وعبور الإرهابيين وإمداداتهم عبر مناطق سيطرة ميليشيات “قسد”، وكان لهم “شرف” حضور حفلات نقل الدواعش عبر الحوامات الأمريكية إلى غير جبهات، لكن الرئيس ترامب حافظ على ذريعة وجود وتسليح ميليشيات “قسد”، والتي احتفظت بدورها عبر مخاوفها من العدو التركي و حججها المزعومة ب ”حقها بالدفاع عن نفسها” ومناطق “احتلالها”.

الدّور التركيّ “الاردوغاني” في سوريّا:

1- استغلّت تركيّا علاقاتها مع العالم الغربيّ (أمريكا والاتّحاد الأوروبيّ ولاحقاً روسيّا)، في محاولتها الأخذ بزمام المبادرة في “الأزمة السّوريّة”، واعتبار نفسها لاعباً قويّاً، يُحسب لها حسابها في كافّة معادلات الحلّ النهائيّ، من خلال استغلالها للجوار الجغرافيّ.

2– طرح نفسها كدولة إقليميّة مؤثّرة وذات أهميّة استراتيجية بالنسبة لمصالح الدّول الغربيّة.

3– استخدام ذريعة “متطلّبات الأمن القوميّ التركيّ” للجم أيّ تحرّك دوليّ أو إقليميّ يقف في طريق اطماعها السياسية، مستغلة الورقة الكردية ( كمسمار جحا) في حسابات اجندتها الإقليمية.

4– التسهيل للعناصر المتطرّفة الارهابية القادمة من كافّة أصقاع العالم، باستخدام أراضيها ممرّاً لهم للوصول إلى سوريّا، ودعمها بكافّة أسباب القوّة العسكرية والانتشار.

5– استنزاف الاقتصاد السّوريّ، بفتحها المجال أمام المجموعات المسلّحة بسرقة ونهب المصانع والمنشآت الصناعيّة السّوريّة، ونقلها وبيعها في تركيّا.

6– بعد حشر تركيّا أهدافها ودورها في سوريّا بمحاربة “الكرد”، غدت أداةً طيّعة بيد القوى الفاعلة، تبتزّها في العديد من القضايا والتي تعاملت معها بمبدأ “الصفقات”.

7– غياب أيّ توجّه استراتيجي تركيّ يذهب باتّجاه استقرار المنطقة وإزالة أسباب التوتّر، على العكس تماماً، تميّز الدّور التركيّ بتصعيد العنف وخلق صراعات هامشيّة بما تطيل من عمر” الأزمة في سوريا ”.

8-الإصرار غير المجدي في فرض رؤيتها على المجتمع الدّوليّ، وانكشاف حجم النفاق الذي تمارسه، من خلال دعوتها إلى حلول مجتزأة، لا ترقى إلى مستوى إنهاء “الأزمة السورية” بالطرق السلميّة.

9– خيبة الأمل الأمريكيّة، في توظيف الدّور التركيّ في كبح محاولات تمدّد قوى اقليمية في المنطقة، وانقلاب تركيّا على التّحالف الدّوليّ في محاربة تنظيم “داعش”، والالتفاف إلى محاربة “الكرد” وهندسة القوى الحليفة لها وفق هذه الذّهنيّة والتوجّه.

 الحقيقة السورية:

الدولة السورية أعلنت عن موقفها الرافض لأي مشروع تقسيمي، وتحذيرها لكل من "تسول له نفسه النيل من وحدة أرض وشعب الجمهورية العربية السورية تحت أي عنوان"، وتأكيدها مرارا ً أن "طرح موضوع الاتحاد أو الفيدرالية يشكل مساسا ًبوحدة الأراضي السورية"، وأنه "يتناقض مع الدستور والمفاهيم الوطنية والقرارات الدولية" وأنه " لا قيمة ولا أثر قانوني له"، واعتبرته عملا ًداعما ً للإرهاب، وأنه يصب في خانة إضعاف سوريا، وأنها ترى في أي تواجد لا شرعي ”عسكري” على أراضيها هو مجرد احتلال.

لكن هذا لم يردع الانفصاليين، واستمروا في العمل على تكريس الانفصال، وأقاموا هياكل الجسم الفيدرالي – التقسيمي، واستولوا على كافة مصادر الثروات المتنوعة على امتداد الشرق السوري، وبنوا بأيديهم القواعد الأمريكية، وحفروا الخنادق حول القواعد الفرنسية، وقاموا بتنفيذ كل ما من شأنه خدمة المشروع الأمريكي-الصهيوني.

ولعبت الإدارة الأمريكية على الحبلين التركي والانفصالي، ومضت في استغلالهما إلى أبعد مدى، فقد رفضت “المنطقة الاّمنة التركية” على مدى ثمان سنوات، ورفضت سحب السلاح الأمريكي من أيدي الانفصاليين، وحافظت على النقيضين، فالأتراك يتمسكون بادعاءات “امنهم القومي” وبمنع قيام أي شكل سياسي لكيان كردي لطالما دعاه الرئيس أردوغان بالإرهابي، فيما يمضي الانفصاليون تحت العباءة الأمريكية بتكرار مخاوفهم من عدوان تركي يجتاح مناطقهم من خلال علاقة تكافلية لم يعد بالإمكان إخفائها.

ومن الواضح أن مطالبة كلا الطرفين التركي والانفصالي بإنشاء المنطقة الاّمنة، أنهما يتفقان على اغتصاب الأرض السورية لكنهما يختلفان حول السيطرة، فأردوغان يريدها مناطق نفوذ تركي ولا يمانع بالإبقاء على مناطق الإدارة الذاتية وبهيمنة المكون الكردي من باب “الرشوة”، فيما يريدها الانفصاليين منطقة اّمنة بقرار دولي أو أمريكي تمنحهم أحقية السيطرة عليها وإدارتها.

واذا صحت الانباء عن دعوة ما يسمى " الإدارة الذاتية الكردية" لروسيا للقيام بدور الضامن في حوار مع الحكومة السورية، ستكون خطوة في غاية الحكمة يقوم بها الاكراد، رغم انها جاءت متأخرة جدا، فلا خيار امام الاكراد الذين غدرت بهم أمريكا واصبحوا ضحية للأطماع "العثمانية" الجديدة،الا العودة الى حضن الوطن، و الوقوف الى جانب الجيش العربي السوري من اجل سحب البساط من تحت اقدام الطامعين الجدد بارض و ثروات الشعب السوري.

وكما يبدو ان اردوغان وقع في الفخ الأمريكي الذي نصب له،مدفوعا بحفنة من الأوهام "العثمانية" الجديدة وهو في سكرة اطماعه، والتي ستاتي عليه و على حزبه وتنهي حياته السياسية الى الابد، وكل الشعارات التي ترفعها تركيا حول دعمها للشعب الفلسطيني ومساندتها للشعوب العربية الثائرة ضد الظلم والاستبداد أو دعمها لما يسمى نهج "الإسلام المعتدل"... الخ،لا يمكنه اخفاء مطامعها ورغبتها بالهيمنة وكراهيتها وحقدها التاريخي الموروث للعرب وللمشروع القومي العربي، وأنها عضو في الحلف الأطلسي، وتدخلها في الشؤون الداخلية للدول العربية ودعمها لجماعات "المعارضة" فيها يؤكد ذلك، كما أن أطماعها في سوريا ليست جديدة وقضية لواء اسكندرون السوري الذي تحتله تركيا ما زالت حاضرة.  

في الوقتٍ الذي تراقب فيه واشنطن الاندفاعة السورية – الروسية نحو تطبيق بنود اتفاق (سوتشي) بالقوة العسكرية، وربما إلى أبعد من ذلك فتحرير إدلب بات “قاب قوسين او أدنى”.

سوريا ليست فقط مهد الحضارات القديمة و طريق الحرير،هي الرقم الصعب الغير قابل للقسمة لا في أوهام الطامعين ولا في اجندات الانفصاليين  الانتهازيين، قالتها دمشق و ستقولها " يا خوف عكا من هدير البحر".

 

د. باسم عثمان

كاتب وباحث سياسي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم