صحيفة المثقف

لماذا؟

هدأت سَوْرة الغضب، لكنّ جذوتها ما زالت متقدة.

هدأ الشارع، لكنّ نبضه ما زال مسموعا في البيوت وعلى النواصي والأرصفة

بدأ الناس يلوكون ما كانوا يلوكونه من كلام عن يومهم وعن غدهم الموعود، لكنّهم لن يفوّتوا المناسبة لتذكّر ما كان من أمسهم القريب.

ستعود الضحكة والبسمة

لكنّ آثار ما سال وما قيل وما جرى ستظلّ في الذاكرة وعلى الإسفلت أو التراب.

لماذا حدث ما حدث؟

كلّ ما قيل عن تآمر واندساس ولا مسؤولية هراء

كلام من قبيل التبرير على أقلّ تقدير

تبرير أعوام طويلة من البطالة: بطالة الدولة وبطالة الشعب

هل بيننا من يلوم شابا يقف في وجه أبيه ليذكره بمسؤوليته عن مستقبله؟

فما بالك بدولة؟

بمليارات يسأل حتّى الطفل الصغير عن مصيرها

ماذا تنتظر الدولة؟

تنتظر أن ينتظر الناس.

ينتظرون ماذا؟

أن تمرّ عليهم السنين وهم ينظرون إلى سماء لم يروا من مطرها حتى الرذاذ، أو إلى أرض عافها زارعوها فما عادت تنتج حتّى السراب؟

لماذا تراهن الدولة دائما على صمت الناس؟

ولماذا تستغرب إن احتج هؤلاء وثاروا؟

لماذا تصل بهم إلى حافة اليأس ثمّ تهبّ لاحتواء انفجارهم بعد أن انفجروا؟

ألا يرددون تعبير "خراب البصرة"؟

ألا يفهمون ما معنى الفأس الذي يقع في الرأس؟

لماذا يتركون البصرة "تخرب"؟

ولماذا لا يمنعون الفأس من شجّ الرأس وقتل الناس؟

نفهم أن يسلّي الفقير طفله الجائع بكسرة خبز يابس

وأن تسلّي الأم التي جفّ حليب صدرها رضيعها بهدهدة أو حكاية

ولكن

هل دولتنا فقيرة؟

هل جفّ حليب صدرها؟

أم إنّ أولادنا ليسوا أولادها؟

لماذا تراهن حكوماتنا على صبر الناس

وعلى سكوتهم وانشغالهم بصروف الدنيا وهموم الحياة:

حالات طلاق فاقت كلّ معدل

وانتحار

ومخدرات

وأمراض

وفقر

وجهل

ونقص في الخدمات

وانعدام لكلّ أفق

أليست هذه من تلك؟

أليست هذه هي خلطة كوكتيل المولوتوف؟

ولماذا يفترضون أنّ مكونات هذه الخلطة لن تتفاعل ولن تنفجر؟

ها قد انفجرت

وستنفجر مرارا وتكرارا

ما دام عنصر من عناصرها موجودا

وما دام فردٌ واحد من أفراد هذه الأسرة يشعر بالحيف

الدولة هي راعي كلّ من لا راعي له

وهي كفيلة كلّ يتيم وأرملة ومحتاج

وإلا فسيتكرر المشهد

بوقع أسرع

وبسقف أعلى

من كلّ شيء.

الأمر كلّه مرهون بسؤال واحد عاقل متعقل مسؤول:

لماذا حدث ما حدث

وكيف السبيلُ إلى إصلاح الحال

لمرة واحدة وإلى الأبد؟

 

د. بسّام البزّاز

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم