صحيفة المثقف

لبنان في مفترق طرق والحكومة تتخبط في متاهات أزمة متفاقمة

بكر السباتينالشعب اللبناني للحكومة "لا تساعدني بالمال بل علمني كيف أحتطب فأجنيه"

ما زالت الأزمة اللبنانية تراوح مكانها.. وخيارات الحل مرهونة بموقف الشارع اللبناني الذي تأخذه التداعيات إلى إرغام الحكومة على الاستقالة وربما إلى أكثر من ذلك.. والغريب أن الحكومة بدأت تتداعى بعد استقالة وزراء القوات اللبنانية من الحكومة، فهل يستطيع سعد الحريري انقاذ الموقف! وخاصة أنه ما يزال يحظى بدعم حزب الله وهو موقف فاجأ مؤيديه الذين انتظروا منه الوقوف إلى جانب الشارع اللبناني ومطالبه المشروعة في التغيير متجاوزاً في ذلك الطائفية البغيضة التي تقاسمت لبنان وفق اتفاقية الطائف ووضعته في الأزمات المتفاقمة.

وفي سياق متصل، فإن موقف حسن نصر الله المؤيد للحكومة رغم انتقاده لأدائها يعبر عن خشيته من أي اختلال قد يصيب المحاصصة الطائفية، وهذا موقف مستهجن وغير مقبول من زعيم يؤمن به الشارع اللبناني ويعتمد عليه أمن لبنان بالتنسيق مع الجيش اللبناني. وكان السيّد نصر الله قد نبه إلى أن هناك خطَرين يواجهان لبنان: الأوّل الانهيار الاقتصادي المشهود، والثاني الانفجار الشعبي الذي غاصت به ساحات وشوارع بيروت..

وقد ظفر الحريري أيضاً بدعم موقف التيار الوطني الحر الذي جاء على لسان زعيم التيار جبران باسيل منذ بداية الأزمة، أو حتى حركة أمل، وغيرهما من الزعامات التقليدية اللبنانية المنسجمة مع موقف باسيل.

من جهته وفي خطوة تكتيكية ستأخذ لبنان إلى اصطفافات جديدة تقوم على من يأخذ الشارع اللبناني إلى صفه، انسحب وزراء حزب القوات اللبنانية الأربعة من حكومة سعد الحريري وسط احتجاجات شعبية عارمة، حسب ما أعلن رئيسه سمير جعجع ليل السبت الماضي، في خطوة لاقت ترحيباً لدى المحتجين الذين دعوا باقي الكتل السياسية إلى القيام بالمثل وتقديم استقالة وزرائهم. ولم يستثن هذا الحراك الشعبي غير المسبوق في لبنان منذ 2005، أية منطقة أو حزب ولا طائفة أو زعيم.

وجاء إعلان الاستقالة الذي دعا إليها سمير جعجع تحت ضغط الشارع، في خطوة رحب بها المعتصمون في وسط بيروت.

وصرح جعجع خلال مؤتمر صحفي عقده شمال بيروت: "توصلنا إلى قناعة أن هذه الحكومة عاجزة عن اتخاذ الخطوات المطلوبة لإنقاذ الوضع الاقتصادي والمالي المتفاقم" مشيرا إلى أن حزبه "قرر الطلب من وزرائه التقدم باستقالتهم من الحكومة" والسؤال الذي يطرح نفسه، وهل هذه الاستقالة ستجعل وزراء القوات اللبنانية بمنأى عن المساءلة! لماذا لم يفعلوا شيئاً أثناء تقلدهم المهام الوزارية! لذلك فخطوة جعجع تكتيكية ولو أنها جاءت متأخرة.

وتظاهر عشرات الآلاف من اللبنانيين، احتجاجاً على فشل السلطات في إدارة الأزمة الاقتصادية، في حراك شعبي غير مسبوق منذ 2005، لم يستثن منطقة أو حزبا أو طائفة أو زعيما.

وفي سياق متصل كتب رئيس الحكومة سعد الحريري على حسابه في "تويتر" قائلاً: "بيت الوسط خلية نحل اليوم.. اجتماعات داخلية وأخرى تقنية واتصالات ولقاءات بعيداً عن الإعلام... للوصول إلى ما يخدم اللبنانيين".

وفي سياق متصل، بعد لقائه الحريري، كتب وزير المال علي حسن خليل على حسابه في "تويتر" قائلاً: "في اللقاء مع الرئيس الحريري تم التأكيد على إنجاز الموازنة من دون أي ضريبة أو رسم جديد وإلغاء كل المشاريع المقدمة بهذا الخصوص من أي طرف وإقرار خطوات إصلاحية جدية مع مساهمة من القطاع المصرفي وغيره بما لا يطال الناس بأي شكل ولا يحملهم أي ضريبة مهما كانت صغيرة".

وذكرت جريدة "الشرق الأوسط" أن لقاءً عُقد أيضاً مع ممثلين لـ"حزب الله"، فيما قالت مصادر "القوات اللبنانية" إن الحزب سيدرس "الورقة الإنقاذية" التي يعمل عليها الحريري.. وإن مصادر لبنانية قالت للجريدة " إنه إذا لاقت المبادرة تجاوباً ستتم الدعوة لعقد جلسة للحكومة لإقرارها وبدء تنفيذها، لكنها لفتت في الوقت عينه إلى أن الأهم يبقى في تعاطي المتظاهرين مع هذه المبادرة، وهل سيتلقفها المحتجون في الشارع ويتراجعون عن مطالبهم التي لا تقبل بأقل من استقالة الحكومة.

إن الهدر الذي يحصل في أموال القروض الممنوحة للبنان بفوائد مركبة من قبل صندوق النقد الدولي والمشروطة بزيادة الضرائب ورفع الدعم عن بعض السلع حتى يتسنى للحكومة خدمة الدين بعد الجدولة، يرد إلى تلك الطغمة الفاسدة التي تدير لبنان، والتي حولت بيروت التي كانت تلقب بباريس الشرق، إلى مجمع للنفايات.

وفي حقيقة الأمر حتى يذهب لبنان إلى منطقة أكثر أماناً، تدور فيها عجلى التنمية بكفاءة واقتدار، ينبغي على المتظاهرين في لبنان المطالبة بتطوير اتفاقية الطائف إذا تعذر إسقاطها؛ لتنسجم مع الواقع الجديد للبنان، وإسقاط رموزها التقليديين وبناء لبنان على قاعدة مدنية غير طائفية تعتمد على تعويم الخيارات ديمقراطياً بناءً على الكفاءة، وقلب الطاولة على عملاء أمريكا الجدد وصرامي فرنسا العريقين ومن ثم حماية المقاومة المستهدفة من قبل العدو الإسرائيلي وعملائه، وعلى رأي المثل:

"لا تساعدني بالمال؛ بل علمني كيف احتطب فأجنيه."

 

بقلم بكر السباتين..

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم