صحيفة المثقف

لنتعلم لغات اجنبية

عامر كامل السامرائيللكاتب المجري إشتفان أوركين

ترجمة عامر السامرائي

***

لا أتكلم الألمانية.

توجب على بودجونيي والكسايافكا التعاون لإيصال عدة صناديق من الذخيرة الى قمة التل، فقد انغمرا ومعداتهما في الوحل.

عندما جاءت نوبتي للمرة الثالة بدأ مدفع الفرقة ثقيل الوزن ينزلق منحدرا من وسط التل تقريبا. تظاهرت وكأنني أريد الذهاب لقضاء حاجتي وحسب. فهربت..

كنت اعرف الإتجاه الى موقعنا. فقطعت عابرا واحة عريضة مزروعة بزهور دوار الشمس حتى بلغت أرض جذامة. كانت الأرض السوداء الدهنية تلتصق في جزمتي، كأن أكواما من الرصاص – كالذي ينزل بالغواصين إلى اعماق البحر-  قد شُدت إلى قدمي.  استطعت السير حوالي عشرين دقيقة كما يبدو لي حينما تقابلت وجها لوجه مع أحد العرفاء المجريين وعسكري ألماني، لم أعرف رتبته لأنني أجهل نظام الرتب الألمانية.

 

لم يكفي حظي العاثر أن أوصلني إلى أرض جرداء، بل زاد على ذلك لقائي بهذين.

كان العريف المجري واقفا يدخن سكارة، وكان الألماني جالسا على كرسي صغير فارج الفخذين يتناول الطعام طاليا بالجبن قطعة خبز من عصارة تشبه عصارة معجون الأسنان، وقد أشار لي بعينيه على أن أقف. وسأل بالألمانية:-

- ماذا تفعل هنا ؟ (ترجم العريف)

- لقد اضعت فصيلي.

وحالما أكملت عبارتي هذه ترجم له العريف ما قلت.

سأل الألماني:

- أين بندقيتك ؟

- أنا لست جنديا، وإنما استدعيت للجيش كمستخدم مدني.

قال العريف للألماني:-

- هذا يهودي.

أنا أيضا فهمت معنى الكلمة، ورحت أوضح له بأنني لست يهوديا، وإنما دعيت كموزع لجريدة صوت الشعب في مدينة (جور) للإلتحاق بفصيل خاص بالعمال المدنيين.

 

سأل الألماني:

- ماذا ؟

أجاب العريف:-

- يهودي.

نهض الألماني ونفض معطفه من فتات الخبز وتكلم بالألمانية.

فترجم لي العريف:-

- سيقتلك السيد فلدويبل رميا بالرصاص.

شعرت بقطرات العرق تتصبب مني، وأخذت معدتي بالإنقباض. وضع الألماني السداد على رأس العصارة ولفه ثم شهر بندقيته.

لو أنني أتكلم الألمانية، لكنت أستطعت ان افهمه بأنني لا يمكن أن اكون يهوديا لأنني لا احمل شريطا أصفر، ولسارت الأمور بشكل آخر.

- إبتعد عشرة خطوات. (قال الألماني، وترجم لي العريف)

إبتعدت عشرة خطوات، وقد انغمرت في الوحل حتى كاحلي.

- حسنا.  قال الألماني.

توقفت، وقد صوب فلدويبل البندقية نحوي. لا أتذكر سوى أن رأسي أصبح ثقيلا بشكل مفزع، وكادت أحشائي أن تنفجر. أنزل فلدويبل بندقيته وسأل:-

- ماهي امنيتك الأخيرة ؟ ترجم العريف

- اريد قضاء حاجتي.

- حسنا.  قال الألماني.

كان فلدويبل منكسا بندقيته على ثقلها بأتجاهي طوال الوقت الذي كنت فيه مقرفصا أقضي حاجتي، وحالما نهضت رفع ابندقية وسأل:

- إنتهيت ؟ سألني العريف.

قلت:

- إنتهيت.

إتضح لي فيما بعد أن بندقية فلدويبل لم تكن مضبوطة التصويب، فقد كان موصوبا بإتجاه صرتي، وبقيت واقفا على هذا النحو حوالي دقيقة أو دقيقة ونصف. بعدها أضاف فلدويبل وهو لا يزال مصوبا نحوي:-

- نط كما ينط الضفدع.

تبع النط زحف، ومن ثم خمسة عشرة مرة (ضغط الصدر على الأرض)، وفي آخر المطاف قال لي فلدويبل إلى الوراء در.

استدرت إلى الوراء.

- مشية استعراضية. ترجم العريف.

تبعه فلدويبل فقال:-

- إنصرف.

- إلى الأمام سر.

بدأت السير. لم يكن بالإمكان حتى السير، فما بالك بمشية استعراضية. كانت كتل الوحل تتطاير فوق رأسي، ولم استطع السير إلا ببطء رهيب، وفي أثناء ذلك كنت أحس أن فلدويبل كان مصوبا في منتصف ظهري تماما، وبإمكاني حتى الآن أن أشير إلى النقطة التي كانت تصوب إليها فوهة البندقية. لولا ذلك الوحل، لما استغرق رعبي إلا خمسة دقائق فقط. بيد أن نصف ساعة قد مضت على ما يبدو، ريثما تجرأة على الإنبطاح على بطني والإلتفات إلى الخلف.

حتى الإيطالية لا أتكلمها، للأسف لا أملك موهبة لغوية. العام الماضي، عندما كنت اصطاف مع رحلة جماعية نظمتها إحدى الشركات السياحية إلى مدينة ريميني لمدة عشرة ايام، وفي احدى الأماسي، وأمام فندق باذخ إسمه ريجينا بالاس رأيت فلدويبل، ولو أنني وصلت إلى هناك قبل نصف دقيقة لأهلكته ضرباً. ولكن حتى هو لم يلحظني، وراح يرتقي مع مجموعة من الأشخاص سلم حافلة حمراء اللون ذات سقف زجاجي، بينما أخذت أنا اصرخ بالمجرية لافتقاري إلى لغة أخرى:

- لا تتحركوا... إنزلوا هذا الفاشي القذر.

كان الحاجب أطول مني بقليل، سوداني، ذو بشرة سمراء، وراح يتوعدني بسبابته، ثم أشار لي بالمضي من هناك، فما استطعت أن اشرح حتى لهذا الإنسان ما الذي حدث آنذاك، في حين على ما يبدو أنه يتكلم بالإضافة إلى اللغة الإيطالية الفرنسية، والإنكليزية أيضا. بينما انا للأسف عدا المجرية لا اتكلم لغة أخرى.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم