صحيفة المثقف

معلومات اساسية لتفهم دور الثقافة والمثقفين في الثورة المطلوبة!

سليم مطرالخطيئة الكبرى والازلية لجميع الاحزاب والحكومات العراقية في العصر الحديث:

تجاهل الثقافة والمثقفين، والاحتفاء فقط بالمثقف التفسيري التحريضي التابع!

آن أوان التخلص من هذه العقلية السياسية العراقية الاحتقارية للثقافة والمثقفين، ونبذ هذه الغيرة الصبيانية منهم والتحجج ب(عزلتهم وعدم نزولهم الى الشارع). في جميع المجتمعات والازمان: ليست الشوراع مكان كفاح المثقفين والاساتذة، بل نتاجاتتهم المصنوعة في عقولهم وضمائرهم هي كفاحهم الحقيقي من اجل تقديم افضل الابداعات والمشاريع لخدمة الشعب!

على سبيل التوضيح المقارنة مع مصر(العربية المسلمة!): ان (المغنية ام كلثوم) نعم هي(مغنية)، كانت كلمة منها كفيلة باسقاط الحكومة.. وكانت مبجلة في مصر وخارجها، اكثر من ملوك ورؤساء مصر! وهنالك امثلة لا تحصى من بعض الدول العربية، ناهيك عن اوربا..

لندرك الحقيقة التالية: ان الحياة تخلق دائما انماطا وجماعات مختلفة من البشر. فهنالك مثلا، (نمط السياسي والاداري)، الذي بالغريزة يميل الى الفعل والاحتكاك والتنظيم. لكنه بنفس الوقت، يختلف تماما عن(نمط المثقف: الاديب والفنان والباحث) الذي غريزيا يتحمل الانعزال الطويل والمطالعة والبحث والتفكير والحوار والتسجيل وتكسير الرأس بأسئلة وخيالات تبدو للآخرين غريبة بل مضحكة، من اجل إبداع النتاجات الادبية والفنية والمشاريع الفكرية والتحليلية. هذا ينطبق على 90% من الحالات في كل مكان وزمان. فمن النادر في التاريخ ان تجد قائدا (سياسيا اداريا) وبنفس الوقت (مبدعا ثقافيا)، والعكس كذلك. نعم ان السياسي طبعه ارضي فعلي علاقاتي تنظيمي. اما المثقف فطبعه سماوي تأملي فردي وحساس.. ومن الحماقة المطالبة بخلط دوريهما!

نحن لا نعتبر المثقفين ملائكة وضحايا. بل العكس، ان غالبية المثقفين في الداخل وايضا في الخارج، كانوا ولا زالوا مع الحزبي والاداري الذي يحكم ويدفع. نعم ثم نعم، وكم عانينا نحن بعض الصامدين، هنا في اوربا، من هولاء المثقفين، الذين يلعنون صدام، وبنفس الوقت يصفقون للبرزاني في اربيل لمجرد تمضية بضعة ايام في فندق مجاني! وهنا جوهر فكرتنا: ان حال غالبية المثقفين العراقيين المزري والمخجل، سببه اساسا اساسا سلوك الحزبيين اصحاب المال والسلطان، الذين بدلا ان يحترموا المثقف ويمنحوه الثقة بنفسه وبشعبه، على العكس يجبرونه بكل الوسائل المادية وبالمقاطعة وتشويه السمعة، بل حتى بالاغتيال، ليكون وضيعا مرتزقا.. نعم ان الدجاجة من البيضة، والبيضة من الدجاجة! وان سر خراب جميع تجارب الثورة والانقلاب والتغيير في العراق يكمن في هذا المشكلة الكبرى والمكررة.

ان خطيئة جميع قيادات بلادنا، حزبية وحكومية، في العصر الحديث: بعثيون وشيوعيون واسلاميون، انهم لم يعترفوا الا بالمثقف التابع والاعلامي المفسر والمطبل لمقولات القادة المبجلين. اما المثقف المبدع والاستاذ المتخصص، فيتم تجاهله وحتى محاربته ومحاصرته اعلاميا.

نعم ان الثقافة التحريضية والشعاراتية مهمة لأية ثورة وتغيير، لانها تغذي حماسة الجماهير، ولكن الثقافة الجادة والنخبوية والمتخصصة، هي اكثر ضرورية لأنها وحدها التي تخلق الاساس الثقافي والمشروع الوطني الذي سيكون عليه الوطن!

ان العراق من بين البلدان الاكثر قسوة في العالم على المثقفين، حيث استمرت جميع جميع قياداته الحزبية، حكومية ومعارضة، منذ قرن وحتى الآن، على معادات المثقفين ومطاردتهم وافقارهم واهمالهم وتدجينهم وإغتيالهم وتشريدهم!؟

هنالك حقيقة تبدو واضحة في تاريخ مجتمعات الارض، حتى في العصور القديمة، ومنها العربية الاسلامية: ان إرتفاع شأن المرأة في المجتمع والدولة، مرتبط بأرتفاع شأن المثقف والثقافة. و تتفاقم حالتها، كلما زاد شأن الحزبي والاداري! لأن طاقة المثقف والثقافة هي طاقة الانوثة والأمومة، اما طاقة الحزبية والدولة، فهي طاقة الفحولة والابوة!

إذن ان المطلوب، هو الاعتراف واحترام خصوصية المثقفين، والاهتمام والاتصال بهم وإعطائهم الدور الاستشاري والتخطيطي والتفكيري، اما قادة الثورة والتغيير فلهم الادارة والتنظيم والتنفيذ..

نعم ان الدولة الحقيقية والوطن الكريم، من يشترك بقيادته بالتساوي: السياسيون والمثقفون.. أي اهل الابداع والتفكير والتشريع، وأهل التنظيم والادارة والتنفيذ..

 

سليم مطر جنيف

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم