صحيفة المثقف

متى نكفّ عن اتباع قانون الغاب؟

حتّى لو سلّمنا جدلا بأنّ نظريات الحكم الحديث الرشيد تبعد عنّا، أو نبعد نحنُ عنها، آلاف السنين الضوئيّة، فلدينا من تراثنا ومن تاريخنا ومن مأثور قولنا ومن حسّنا الإنساني ما يغنينا عن كلّ تلك النظريات التي لم نسمع بها.

تأمّلوا أقوال رجال حكموا قبل ألف سنة. أقوالا نعرفها ونعرف أصحابها ونتابعهم ونموت من أجلهم ونفتدي ذكراهم بأرواحنا. مع ذلك "نعرف ونحرف"، "نسمع ونبلع" حتّى أسّسنا لنا نظريات خاصّة بنا وسننا لأنفسنا قوانين مشينا على سكتها وجررنا وراءنا قاطرة طويلة من البشر والأحلام والآمال. وطن كامل يتطلّع إلى "زعمائه" و"حداة ركبه" والزعماء ماضون به إلى الهاوية.

منذ أعوام طويلة والناس يتطلعون ويتأملون ويفوّضون أمرهم إلى صاحب الأمر، بينما ولاة الأمور سادرين في غيّهم. لاهين. ساهين. سائرين على سكّة الندامة التي اختطوها.

من منّا لم يسمع بمقولة مستهلكة مطروقة يرددها حتّى الأطفال: الرجل المناسب في المكان المناسب؟

من منكم لا يعرف أنّ الرجل المناسب في المكان المناسب هي كلمة المرور إلى النجاح وإلى التطوّر؟

تعرفون وتحرفون

تعرفون المبدأ وتحيدون عنه

لأنّ أولوياتكم ليست هي النجاح ولا هي تطوير الحالة وإقالة عثرة البلد.

جرّبوا أن تصحبوا أيّ مريض من مرضاكم إلى طبيب فاشل. طبيب لا يحمل من الطبّ إلا شهادته

لن يتمثّل ضرر الطبيب الفاشل أو الأستاذ الفاشل أو الوزير الفاشل أو النائب الفاشل في أنّه يخطئ التشخيص ويعرقل الشفاء. بل في أنّه يزيد المرض تفاقما والعلة علّة والخلل تدهورا.

لينتهي المريض والتلميذ والناس إلى الموت

والبلد إلى داهية.

ضرر هؤلاء مضاعف، بل مضروب في عدد غير محدد

هم لا ينفعون بل يضرون

لا يعالجون بل يقتلون

لا يعلّمون بل ينشرون الأميّة

لا يخدمون بل يشيعون الفساد.

في العالم كلّه هناك شيء اسمه "المسابقات"

ولأجل المسابقات يتبارى المتطلعون إلى شغل أيّ منصب والعمل في أيّة وظيفة

يجاهدون في "تسمين" سيرتهم العلمية والعملية

نشاطات ودورات وخبرة وتأهيل ولغات وشهادات ومقابلات.

فما بالنا نسمّنها بالواسطات و"الكلاوات" والمحسوبيات والمنسوبيات؟

وما بالنا لا نعترف بعلم ولا كفاءة فلا ننافس الأخرين إلا بعمّ أو بخال أو بزوج؟

آن لنا أن نبدأ

نجرّب

مؤمنين بأنّ هذا البلد لن تقوم له قائمة ما دام الشريعة السائدة فيه هي شريعة الغاب.

 

د. بسّام البزّاز

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم