صحيفة المثقف

الرومانس في الديوان الشعري: أناشيد زورق للشاعر جميل حسين الساعدي

جمعة عبد اللهموهبة شعرية فرضت نفسها على الواقع الثقافي والادبي، في موهبته الشعرية المبكرة جداً. وهو يافع يخوض تجربة غمار الشعر في موهبته الابداعية  الاصيلة. التي تحمل في طياتها جمال الاصالة والشفافية  الشعرية. ومنذ ذلك الوقت، وهو يبحر في  غمار الشعر في تجربته وخبرته الطويلة. التي تجاوزت  خمسة عقود من الزمن .. وقد اصدر من خلالها اربعة دواوين شعرية. والكثير من القصائد، التي لم توثق في دواوين شعرية اخرى. وهذه الدواوين الاربعة هي:

1 - الديوان الاول (اللواهب) عام 1975

2 - الديوان الثاني (رسائل من وراء الحدود) عام 1980

3 - الديوان الثالث (أناشيد زورق) عام 2005

4 - الديوان الرابع (طقوس) عام 2006

كما اصدر رواية باللغة الالمانية. رواية (تركة لاعب الكريات الزجاجية)

ونتناول في هذه المقالة. التي هي بمثابة استكشافات في عمق الرومانسية العذبة والشفافة واستبطان جماليتها، من خلال ديوانه الثالث المعنون (أناشيد زورق). في عوالمه الرومانسية. بالمشاعر الملتهبة والجياشة. والديوان الشعري، يأتي ضمن انجازه الشعري الطويل في تجربته المتألقة، التي تتميز بأسلوب متفرد وجاد، وتملك لونا خاصا في تناول العالم الحالم بالرومانسي المحبب والجميل في مشاعره الجياشة، في احاسيسه المرهفة والملتهبة من اعماق الوجدان. ويتميز شعره الرومانتيكي في صياغة جمالية الاحساس بالمشاعر التي تبحر في بحر العشق والهوى والهيام , يطوف فيها في كل المحطات والمرافئ , وفي تقلباتها العاصفة  . في  جراحها ومعاناتها، لكنها لاتدلف الى مناقب النوح والبكاء. رغم المحنة والعذاب في الحب والعشق، الذي يتلاعب بمشاعر القلب والوجدان. ان قصائده الشعرية، تمتلك آفاقا واسعة وخصبة في عشبة الخيال الرومانسي الخلاق والمتوهج . وهي ليست محض خيال صرف. وانما تملك تجربة حياتية  صادقة، ومعايشة فعلية. تملك ارضية واقعية في التناول في خوض تجربة  الحب والعشق. في الهوى والهيام، في طينة الحب الجياش الصادق الذي يفور في الضلوع، أن قصائده ليس للاستهلاك الرومانسي العابر والمستهلك . بل أنها منفلتة من اعماق الوجدان ونبضات  القلب في خفقانه  . في العشق الذي يجري نبضاته في العروق والشرايين. يقدمها في هالة الشعور الرومانتيكي. في اطار شعري حديث في الصياغة  الفنية المتمكنة من تقنياتها  المتطورة . التي تشد القارئ اليها، وتجعله يبحر في الرؤى الرومانتيكية بكل الشوق والاشتياق في حواسه المرهفة   . ويتعاطف وجدانياً مع الشاعر. الذي ترجم مشاعره الصادقة والحساسة في رؤى الشعر. التي تعطي قيمة للحب والعشق، تعطي قيمة للمرأة الحبيبة، حتى في خصامها وخلافها وانفصالها عن رابطة الحب والعشق. فهو يمتلك مشاعر جياشة في الحب العذري، ولا ينزلق مطلقا الى الشبق الايروسي الملتهب. وانما يعطي قيمة معنوية لهالة الحب، في الحنين والاشتياق في العطش والظمأ الروحي. رغم معاناة  وشقاء قسوة الحياة، التي تجني على الحب الصادق الملتهب في مشاعره الجياشة. لنسافر في رحلة الديوان الشعري (أناشيد زورق) في بعض قصائده المختارة، التي تعطي الخطوط العامة لعالمه الرومانسي العذب .

1 ـ حين يهدر الحب فرصة التسامح والتصالح:

ويقود آفاقه الى مجاهيل مسدودة. ليس لها إشراقة حياة  وبسمة أمل، من الشوق والهوى، وانما تجعل سماء الحب، ملبدة بالغيوم بالرعود والبروق . حيث التشاجروالخصام والمناطحة في الفراق ، في العواصف الهائجة، التي تفضي الى هجرة الحب وسد ابوابه. لكنها في نفس الوقت تفتح باب الجراح بالفراق والهجر. ولا تختار طريق الندامة، ولاترجع الى مسالك الحب الصافية، الحب ليس هو  التلاعب بالعواطف ,  التي تقود الى أطفاء شعلة وشمعة الحب ، فهذا الطريق والاختيار مرفوض , لا يحمل سوى الندم .

إني أنتظرت بأن تعودي نادمة                    لكن رجعتِ كما السماء القاتمة

مزروعة بالرعدِ والامطار تنْ...               تفضين في وجهي زوابع ناقمه

ان تعصفي مثل الرياح وتعبثي                   بعواطفي أو تعودي غائمه

هذا الخيار رفضته ورفضت أن                   أحيا بغير مشاعري المتناغمه

..........

لا لنْ يغامر من جديدٍ زورقي                     حيث العواصف والسماء الغائمه

إني عرفت البحر في هيجانه                       واخاف من امواجه المتلاطمة

لا تذكري الماضي فقد ودعته                      لا توقظي في الجراح النائمه

2 ــ حكاية الحب

 مغامرة الابحار في سفينة الحب، تتطلب السفر الدائم للعاشق المغامر، ان يجد عشبة الحب المشتهاة. حتى تكون بلسماً لهمومه النازفة، فهي البلسم الشافي، ليجد روضته الزاهية، ليسكر من نبيذ وخمرة  الحب والعشق الى حد الثمالة. ولكن يتطلب ذلك الوفاق والانسجام والوفاء. لا ان يتخذ من الحب ساحة لتصفية الحسابات، فالحب النقي والصادق، هو اكبر من كل تصفية  للحسابات. واذا تحول الى هذا الطريق، فإنّ ذلك سيتسبب في افساد درب الحب  ,فإنّ صب الزيت سيحرق الهيام والهوى، ليتحول الى رماد وفحم. ان ازهار العشق تتطلب المياه النقية الجارية من اعماق القلب. تتطلب الهواء النقي،لا الهواء المشبع  بالحماقات في تذكر الماضي وجراحاته النائمة

لا تفســــــدي بحسابٍ صفْــوَأوقـــاتي                             فالحبُّ أكبرُ من كلِّ الحســــــاباتِ

دعي المشــــاعرَ تجري من منابعها                               طوعاً فلا تحبسيهـــا بانتقـــــاداتِ       

لا تنبشي في الذي قدْ فاتَ مِنْ عُمُري                           ولا تعيدي على سمعــي حكاياتـــي

والذكريات دعيها فــــــــــي مخابئها                            مدفونـــــةَ معَ أحزانـــي وآهــــاتي

طويتُ صفحـــةَ أسفاري فلا تسلـــي                            كمْ كُنتُ أعرفُ قبلاً مِنْ محطّـــاتِ

لا تسكبـي الزيتَ في نارٍ قد انطفأتْ                            إلّا قليلاً فــذا إحـــدى الحماقــــــاتِ

إنّي أعيشُ ليومي ... حاضري عُمُري                            فلستُ أهتــمُّ بالماضيولا الآتــــي 

3ــ الحب من أول نظرة   

الحب المتلألأ  في سحر العيون، المتعطشة للهوى والهيام. تبرق في بريقها الجذاب. لكي تلهب عواطف القلب والوجدان. ليهيم في بريق العيون ونورها المشع. لترسم جنينة في روضة  الهوى والاشتياق، لترسم بريشتها الاحلام الوردية. لتفتح الطريق لرحلة العشق، ليسكر بطعم حلاوة الحب. لتذوب العواطف، في المشاعر الجياشة، لتذوب في سحر العيون البراقة في الهوى والهيام. ليجد مرفئه الحاني والموعود.

ذبتُ في حُبكِ من أول نظره                     وفؤادي لم يعد يملك أمرهْ

مذ أن أبصرت عينيكِ  وبي                     لهفة تلهبُ أعماقي كجمرهْ

ذهب الشوق بصبري كله                      آه لو أملكُ من أيوب صبرهْ

سكن الحب عروقي كلها              صار يجري في دمي في كل قطرهْ

أن في عينيك سحراً نافذاً                     أتقنَ الساحر في عينيكِ دورهْ

كل شيءٍ صار شيئاً اخراً                    في عيوني اصبح العالمُ غيرهْ

4 ـ أغنيات الحب

الحب الذي يلهب اعماق الروح. ويتمرغ في انغامه واناشيده العذبة، التي تعزف بلحن العشق والغرام، يتلألأ في سحر العيون الناظرة. التي تسرح وتمرح في آفاق الهوى، لتطفيء شعلته المتوهجة في خلجات الفؤاد، تعجز الكلمات عن الوصف والتصوير. في بريق اغاني العشق التي تموج وترقص على لحن الشوق والاشتياق. فالحب اسمى من كل الاشياء، وفوق كل الاشياء. وتذوب فيه كل الاشياء. فهو المبتغى والمنشود، وتطير به الروح رقصاً وطربأً واغاني يتسامر بها العشاق

أصبحت أجمل أغنياتي كلها                   توحي بها عيناكِ والبسماتُ

غنيتها فترددت ملء الفضا                   والى المجرة طارت النغماتُ

لا تسأليني كم احبكِ ليس لي                     كيلٌ أكيلُ  به ولا أدوات

فلتعذري لغتي اذا هي  قصرت           هل تحصرُ الحب الكبير لغاتُ

أني أحبك ِ فوق كل معدل                          حباً به تتحدث النجماتُ

تشدو به الاطيارُ  فوق غصونها              وتحدّثُ الركبانُ والفلواتُ

نشرت على الدنيا حكاية حبنا                 فلها جميع الكائناتِ رواةُ

الليلُ كم ضحكت شواطئه لنا                وتراقصت لغنائنا الموجاتُ

5 ــ المخادعة في الحب

لاشك ان الظنون والشك والمخاتلة في الحب، والتردد والتذبذب والمخادعة، والضحك على عواطف القلب. تجعل الحب يموج في المراوغة والخداع، تجعله في حالة من فوضى العواطف،  في هيجانها المتضارب والمتنافر والمخادع. فتتحول رؤى العشق والهيام الى مكيدة ومهزلة. لا تجلب سوى الاسى والحزن والآهات. يصبح  الحب ضربا من اللعب على الكلمات، ويتحوّل إلى عواطف كاذبة، سرعان ما تتبخر فتنطفيء نار الحب. فما اقسى الحب اذا اختار هذا الطريق.

  إن قلتها وتحركتْ شفتاكِ                     أهواكَ) لست بقائل (أهواكِ)

لا لست ناطقها فما الجدوى إذا                     مرّت بأذني كاذبٍ أفّــاكِ

 عيشي لوحدكِ واشربي نخب الهوى                  كذباً فأني كاره لقياكِ

ما عاد قلبي للخداع مصدقاً                       فلتتركيه فقد صحا وسلاكِ

في الامس كنت أراكِ قلباً حانياً                 فأقولُ كالمسحور ما أحلاكِ

فأذا ضحكتِ فكل شيءٍ ضاحك                  وأذا بكيتِ فكل شيءٍ باكِ

واليوم إذ ألقاك ِ يعصرني الاسى               فأصيح كالملدوغِ ما أقساكِ

أنا قد بعثتكِ من رمادِ جذوةً                    وأحلتُ  شيطاناً لوجهِ ملاكِ

وفمي الذي سواكِ لحناً ساحراً                   في كلَّ مقهى عامرٍ غناكِ

***

جمعة عبدالله

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم