صحيفة المثقف

الحاكم الاسلامي.. حين يتحول الى مستبد (2-2)

قاسم حسين صالحتحليل سيكولوجي

تضمنت الحلقة الأولى استطلاعا عزا فيه المستجيبون استبداد الحاكم الاسلامي الى: ان الاسلام بطبيعته.. دين عنف، وان الشخصية العربية مجبولة على العدوان، وان الحاكم الاسلامي يرى ان ما يريده هو حق الهي مقدس.. وختمناها بمؤشرات سيكولوجية خلاصتها، ان الذين استلموا السلطة تحكمت فيهم سيكولوجيا الضحية، وشعور بأحقية دفعهم الى اعتبار العراق غنيمة لهم فتقاسموه، وتولّد لديهم (تضخم أنا) و(غطرسة) اسهمت في تحويل الحاكم السياسي الى مستبد.

في هذه الحلقة نستكمل التحليل ونبدأه بأن حكومات المحاصصة بعد 2003 كانت منتجة للازمات عبر سبع عشرة سنة، ومنشغلة بمصالحها، نجم عنها نشوء حالات اجتماعية سلبية تطورت بتوالي الأزمات الى ظواهر كان أخطرها تضاعف حالات الطلاق والانتحار وتعاطي المخدرات.

واقتصاديا وسيكولوجيا، كان تفشي البطالة بين الشباب بشكل غير مسبوق، وتوالي الخيبات أحد أهم الأسباب التي دفعت الشباب الذين يشعرون بالضياع وانعدام المعنى من الحياة والأكتئاب والخوف من المستقبل الى تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية، وان الحكومة تقصدت بشكل خبيث تركهم لتشغلهم بالهلوسة وتخديرهم، مع ان الدين الذي تدعو أحزابها الى تطبيقه.. يحرّم المخدرات!.. ومن السخريات انها دعت الى بناء اسيجة على جسور بغداد للحد من ظاهرة الانتحار!.

ولقد اكدت الأحداث صحة تشخيصنا بان العقل السياسي الفاسد في الزعامات العراقية مصاب بـ(البرانويا) التي تعني بمصطلحاتنا اسلوبا او شكلا مضطربا من التفكير يسيطر عليه نوع شديد وغير منطقي ودائم من الشك وعدم الثقة بالاخر، ونزعة ثابتة نحو تفسير افعال الاخرين على انها تهديد مقصود. ولهذا فأنه يحمل ضغينة مستديمة لمن يخالفه الرأي(العلماني سابقا، والمتظاهرين حاليا!)، ويرفض التسامح عما يعدّه اهانة اعتبار كان المتظاهرون جسّدوها باهزوجات موجعة(الله واكبر ياعلي الأحزاب باكونه، ما نريد حاكم ملتحي نريد حاكم يستحي..)، وانه على استعداد للقتال او المقاومة والاصرار بعناد على التمسك بالسلطة.

كانت مسيرة تنبيه السلطة والتحذير طويلة تعود لتظاهرات(2011) يوم طالبت بمحاسبة الفاسدين، فحماهم السيد نوري المالكي بمقولته الشهيرة التي ستدينه تاريخيا (لديّ ملفات للفساد لو كشفتها لأنقلب عاليها سافلها).. وواصل حمايتهم بتخدير بالوعود خلفه السيد حيدر العبادي الذي وعد بضربهم بيد من حديد وما فعل.ولأن المتظاهرين هتفوا في شباط 2011(باسم الدين باكونه الحراميه).. فأن الفاسدين أضمروا لهم العقاب بمزيد من الأهمال.. ومارسوه بتعامل شرس ومهين في انتفاضة تموز 2018، وزادوها قبحا وعنفا وقساوة وشراسة في تظاهرات تشرين اول /اكتوبر 2019 التي راح ضحيتها اكثر من ثلاثمائة شهيدا وعشرة آلاف جريحا.. وكأن ما وقع هو حرب مع غزاة ، الأمر الذي دعا رئيس الوزراء(السيدعادل عبد المهدي) الى استخدام عبارة (فض اشتباك) مع انه مصطلح عسكري!

ومن عام(2010) كنّا شخصنا العقل السياسي في السلطة بأنه مصاب بعلّتين:

حول عقلي يرى ما هو ايجابي في جماعته وأنها على حق مطلق، ويضخّم سلبيات الجماعة الأخرى ويعتبرها على باطل مطلق.. وجمود عقائدي يرى ان عقيدته هي المقدسة بطريقة يسبب خوفه عليها هوسا وسواسيا يضطره الى ان يغلق نوافذ تفكيره ويجبره على خلق الازمات. وقلنا بالصريح ان شخصا بهذه الصفات المرضية لا يصلح أن يكون قائدا لمجتمع تتنوع فيه الأديان والمذاهب والقوميات.. وأنه سيتحول بحتمية سيكولوجية الى طاغية مستبد.

وأضفنا، أن الاحداث أثبتت عبر سنوات ما بعد 2003 ان العقل السياسي العراقي منتج للأزمات، وانه غير قادر على حلّ المشكلات، لأن الادمان على الازمات كالادمان على المخدرات.. ففي الحالتين يحدث للعمليات العقلية في الدماغ برمجة ثابتة تجعله يعتاد على تفكير نمطي محدد يجبره على تكراره.

ومن عام 2008 كتبنا عبر الصحف وقلنا في الفضائيات ان قادة العملية السياسية العراقية لن يستطيعوا ان يتحرروا فكريا من معتقدات ثبت خطؤها، ولن يستطيعوا ان يجدوا حلّا او مخرجا لما هم فيه، بل انهم سيعرّضون ملايين الناس الى مزيد من الأذي، وقد حصل ما كنّا حذرنا منه.

من هذا التحليل نصل الى اهم استنتاج سيكولوجي هو ان هناك فجوة فكرية وهوة عميقة بين جيل الحكّام وجيل الشباب.. فالعقل السياسي مأزوم، منغلق، مسكون بالماضي لدرجة انه يعتبر تحشيد الشباب بمسيرات لطم ونواح.. انجازا يتباهون به، فيما العقل الشبابي منفتح، متطلع الى المستقبل.. وانهما بهذا الحال.. جبلان لا يلتقيان!

ويبقى المدهش!:

ان تظاهرات تشرين / اكتوبر 2019 خطّات نظرية في علم النفس تقول:اذا اصيب الانسان بالأحباط وحاول وحاول ولم ينجح، فأن تكرار حالات الخذلان والخيبات توصله الى العجز والاستسلام.. وقد تبنى هذا الرأي معظم المفكرين والمثقفين العراقيين.. وها هم الشباب يطيحون بها.. وسيحققون ما يدهش العرب والعالم!.

 

أ.د.قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم