صحيفة المثقف

خفايا دور اهل الجنوب وعموم شيعة العراق في هذه الثورة الكبرى!؟

سليم مطرـ كي نفهم ما يجري في العراق، يستوجب تفهم الفكرة الجوهرية التالية:

ان (الثورة) لا تعني ابدا التآمرالدولي والتمرد والانقلاب والعنف.. الخ.. كلها يمكن ان تكون صحيحة، لكنها تبقى ثانوية وغير مؤثرة دون توفر الشرط الحاسم التالي:

ـ ان تكون الثورة تعبيرا عن تطور تاريخي طبيعي خارج ارادة البشر. نعم، ان (الثورة الحقيقية) هي التمرد المحتّم لغالبية مجتمعية جديدة، ضد دولة تجهد لمنع نهوضها ومشاركتها بأدارة حياتها وبلادها. بالضبط مثلما يتمرد (شاب) ضدّ (أبيه) المتسلط الذي يرفض نموه الطبيعي، ويجهد لابقائه في(سن المراهقة) ومنع بلوغه (سن النضوج والشباب)!!

ـ لهذا فان هذه الثورة العراقية في جوهرها ومكمن عظمتها التاريخية، ليست لأنها ضد الفاسدين، بل لأنها  ضد الطبقة التي فرضتها ايران (باتفاق مع امريكا)، والتي مهمتها الاساسية تتحدد بالابقاء على العزلة والمسكنة المفروضة على الشيعة واهل الجنوب منذ قرون، بتأثيرالمرجعيات الايرانية التي  ظلّت تتحكم بهم وتعزلهم وتخيفهم من المشاركة بـ(الدولة السنيّة)!

ـ نعم، ان ما يسمى ب(مظلومية الشيعة) وحرمانهم من المشاركة بالدولة، هي صناعة ايرانية بامتياز وخاصة حصرا بشيعة العراق. وأكبر دليل ان(شيعة ايران)، منذ عام 1501 وهم يمتلكون دولتهم القائمة على البطش والحرب. لكن بنفس الوقت، فأن ايران، من اجل ديمومة هيمنتها على شيعة العراق قد استخدمت مرجعياتها لاقناعهم بشرعية عزلتهم عن المشاركة بـ(الدولة السنيّة) بحجّة انتظار(دولة صاحب الزمان)؟!

ـ ان الهجرة الكثيفة لـ(الجنوبيين) في العصر الحديث الى (بغداد) وباقي المدن، وبروز اجيال متعلمة وفاعلة في مختلف المجالات، حتّمت خروجهم من قمقم الوصاية الايرانية، وأخذ دورهم الوطني الحقيقي المتناسب مع غالبيتهم العددية، في قيادة المجتمع والدولة العراقية.

ـ وهذا يفسر دور ايران بأغتيال المرجع الوطني العراقي(محمد صادق الصدر) عام (1999)، لأنه اول مرجع قد تمرد على الهيمنة التاريخية الايرانية، وجهد لقيادة وتشجيع حالة النهوض الشيعي العراقي نحو المشاركة الحقيقية بأدارة الدولة والمجتمع.

ـ  ان الدافع الخفي الاكبر لأتفاق ايران مع (إمريكا) على اجتياح العراق عام 2003، غايته الاساسية الاسراع بالسيطرة على (النهوض الشيعي العراقي الخطير)، من خلال مسرحية ازاحة (دولة السنّة!؟) وتسليمها الى (اسوء العملاء والفاسدين الشيعة). والهاء الشيعة بثقافة التعصب وطقوس المذلّة من بكائيات ولطم وتطبير وزحف على البطون (علما بأنهم يمنعون التطبير في ايران!!؟؟). ثم خلق حالة احتراب مع اخوتهم (السنّة)، من خلال تشجيع التطرف والارهاب (القاعدي، ثم الداعشي). كذلك  تعميق الهوة مع اخوتهم (الاكراد) من خلال تشجيع (القيادات القومية العنصرية) التي تشحنهم بثقافة الحقد ضد كل ما هو عراقي وعربي.

ـ ان الذي يجلب الانتباه في هذه الثورة التاريخية الحالية، سيادة ثقافة تعتبر فعلا جديدة وراقية في تاريخ العراق الحديث. وهذه الثقافة في حقيقتها رد فعل غريزي ضد العار الذي ظل (شيعة العراق) يشعرون به دائما، وخصوصا في السنوات الاخيرة، مع انفسهم وامام باقي اخوتهم العراقيين وكذلك العرب: (ها انتم يا شيعة يا (شراگوة) قد اثبتم من خلال دولتكم العميلة الفاسدة، بأنكم فعلا كما يقال عنكم، غير مؤهلين للحكم، فاسدين همج تتحكم بكم ايران). ولهذا فأن اهم سمات ثقافة الثورة التاريخية الحالية تتلخص بهذين المبدأين:

ـ  مبدأ الوطنية العراقية، ضد تهمة العمالة والتبعية لايران.

ـ مبدأ التنظيم الراقي والنزاهة والسلمية، ضد تهم الفساد والهمجية!

انها رسالة لجميع العراقيين والعالم بـ(أننا نحن اهل الجنوب وعموم شيعة العراق)، لم نعد طائفة مسكينة خائفة معزولة، بل نضجنا ووعينا ذاتنا الوطنية المكبوتة من قبل مراجعنا خلال قرون، وان القيادات والمراجع الحالية العميلة الفاسدة لم تعد تمثلنا بل هي تمثل ايران.

آن اوان شفاء الدولة العراقية من عوقها ومرضها التاريخي الذي ظلت تعاني منه في العصر الحديث، بسبب انعزال الشيعة عن المشاركة الحقيقية بها. نعم، نحن شعب العراق واصل العراق، وسنقود دولتنا بالتعاضد والمساوات مع جميع اخوتنا العراقيين. سنبني وطنا جديدا فعلا، لا تقوده طائفة او قومية متجبرة خائفة من الاغلبية، بل تقوده حقا جميع قومياته وطوائفه ومناطقه.

آن اوان بزوغ عراق جديد مؤهل ان يبني حضارة وطنية انسانية جذورها تنبت في تلك الحضارة الواحدة العريقة التي ازدهرت في سومر وبابل ونينوى وبغداد. على أمل ان نساهم ببناء (شرق اوسط  سلمي وانساني) قائم على التعاون والانفتاح على طريقة الاتحاد الاوربي.

توضيحان مهمان:

1ـ هنالك مبالغة من قبل الماركسيين باعتبار (الثورة) فقط بالمعنى (الطبقي)، أي (صعود طبقة جديدة محل طبقة قديمة). ان من يطالع جميع الثورات، يلاحظ خصوصا صعود (غالبية مجتمعية) جديدة وناهضة تطالب باشراكها بقيادة الدولة والمجتمع. ان الثورات الكبرى اتت نتيجة تراكم لسنين طويلة لهجرة جموع غفيرة من الريف الى المدينة، وتجمعهم على اطراف العاصمة والمدن الكبرى ليشكلوا الغالبية الشعبية المهمشة والمحتقرة. ومع الزمن والاستتقرار تظهر من بين هذه الجموع البائسة اجيال متعلمة فعالة تكون قادرة على قيادة الثورة من اجل فرض دورها ومشاركتها ورد الاعتبار الى ذاتها المهمشة من قبل الجماعات المدينية الاصلية والحاكمة. وهذا يلاحظ في جميع الثورات الكبرى المعروفة: الانكليزية والفرنسية والروسية، وحتى الأيرانية.

2ـ بالحقيقة ان اضطهاد الدولة العثمانية لشيعة العراق، ليس لانهم شيعة، بل لانهم تابعين للدولة المنافسة (ايران) . فالعثمانيون ما كانوا ضد الشيعة، فهم يحملون نوعًا من التصوف يغلو أحياناً في محبة آل البيت؛ نتيجة تأثرهم بالطريقة البكتاشية التي من أكبر شعاراتها (الله - محمد - علي) في خليط من التصوف السني والشيعي؛ لذلك عظّم سلاطين العثمانيين وولاتهم مراقدَ أهل البيت، فقد زار السلطان سليمان القانوني كربلاء سنة 941هـ/ 1534م، ونزل ماشيا معظّما الحسين -رضي الله عنه- ورفض الركوب لإكرامه قبر الحسين، ووزع هدايا على أهالي كربلاء، وزارها والي بغداد إياس باشا سنة 1546م/953هـ، وعمّر السلطان العثماني مراد الثالث مئذنة الروضة الحسينية سنة 982هـ/ 1574م، وأمر والي بغداد علي باشا الوند أن يكرم المجاورون من أهالي كربلاء، وفي السنة التي تليها عمّر قبة الحسين، بل إن الوالي نفسه عمّر المرقد جميعه سنة 991هـ/ 1583م([4])

راجع الدراسة المهمة للباحث العراقي: عبد العزيز بن صالح المحمود: (خرافة المظلومية الشيعية في العراق زمن الدولة العثمانية)

http://www.alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=8036

 

سليم مطر - جنيف

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم