صحيفة المثقف

دروس وعبر من الحراك الشعبي العربي

كاظم الموسويتثير الأحداث التي تشهدها المنطقة العربية الانتباه، واحيانا الدهشة أو المفاجأة، ولاسيما ما حصل في تونس ونتائج انتخاباتها، وفي العراق والمجزرة التي حصلت خلال اسبوع الحراك الشبابي الغاضب، وما يحدث في لبنان هذه الأيام. ولكنها تقدم دروسا وعبرا على الجميع تاملها وحفظها تقديرا واعترافا بتعبيرها عن إرادة الشعوب واختياراتها الوطنية.

ما حصل في تونس يراكم المتغيرات الإيجابية، إذ قدمت نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية خاصة دروسا جديدة في المشهد السياسي، لاسيما في كشف حساب الأحزاب السياسية وبرامجها. والابرز هو خسارة الحزب الحاكم السابق لموقعه الانتخابي والبرلماني بشكل صارخ، وتشابهت معه في الخسارة أحزاب الحركة اليسارية التاريخية، مما يعني أن هذه الأحزاب لم تحقق برامج مقنعة للناخب التونسي اليوم، رغم كل تاريخها النضالي ومواقفها الكفاحية التحررية. اما في الانتخابات الرئاسية لفوز الأكاديمي المتقاعد قيس بن سعيّد فقد أعطى نموذجا اخر وعبرة بارزة. فإن رجلا ينتخب بهذه النسبة العالية من الاصوات وهو من خارج الأحزاب السياسية والعمل السياسي أو الحزبي أو البروز في المشاركة السياسية العملية، يؤشر إلى أن مواقفه السياسية والفكرية وانحيازاته الثقافية اثرت في الفوز الواضح والمعبر عن فرادة نموذجية في المشهد السياسي العربي.

وكان الحراك الشبابي الغاضب في العراق في الاول من تشرين الاول/ اكتوبر مميزا بانطلاقه في العاصمة اولا وانتشاره في المحافظات الجنوبية، عكس الحراكات والاحتجاجات السابقة. ومن ثم الطابع العام للمشاركين فيه عمريا، إذ أن الأغلبية الواسعة منهم من جيل شاب، من مواليد ماقبل الإحتلال الغربي/ الأمريكي للعراق بقليل وما بعده، أي أن اغلبيتهم من أعمار  لا تتجاوز كثيرا العشرين عاما في الأغلب الاعم. ولهذه السمة دلالتها ومعناها، لاسيما وأن الحراك جاء من تراكم احتجاجي ولد غضبا عاما ايضا بسبب ردود فعل السلطات على التحركات الاحتجاجية، خاصة للخريجين الأكاديميين العاطلين عن العمل، من سنوات عديدة، وضياع أملهم في التوظيف الاعتيادي، لاسيما بعد استئثار اهل السلطات في المناصب والثروات. فضلا عن همجية التعامل مع الاحتجاجات ووحشية الإجراءات الأمنية وفقدان الشعور بالمسؤولية إزاء حاجات المتظاهرين ومطالبهم المشروعة.

في لبنان اندلعت تظاهرات عفوية في الشوارع والساحات القريبة من مراكز السلطات، الحكومة، البرلمان، الرئاسة، ومنازل بعض المسؤولين عن الفساد، حين كانت الحكومة في مناقشة للميزانية العامة والبحث في فرض ضرائب جديدة على الطبقات والفئات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة، وبعد إعلان وزير الاتصالات بفرض ضريبة جديدة على الانترنت واستخدام الواتس اب، مما يؤدي إلى زيادة في فواتير الهاتف وتواصلها مع الفواتير الاخرى، إضافة إلى تفاقم الغلاء والبطالة والأزمات الاقتصادية والاجتماعية الاخرى. وتدهور اغلب القطاعات الأساسية في البلاد. واستمرت التظاهرات الاحتجاجية والحراك الشعبي في المدن الاخرى، حتى قدرت بعض وكالات الأنباء الدولية اعداد المشاركين في الحراك الشعبي باكثر من مليون ونصف مليون مواطن بدء من اليوم الثاني وفي تزايد مستمر.

كل هذا يعني أن ثمة مشتركات. بين كل هذه الحراكات بكل الاشكال والالوان في كل الساحات المحتجة. رغم سمات وميزات متفردة لكل منها أو لبعض ممن يتسم بها. الا ان الأغلب فيها هو المشاركة الشعبية الكبيرة، العفوية في الانطلاق والتحرك ومن ثم بروز التدخلات والتداخلات المتعددة، من الجهات والأطراف المحرضة لاستمرار الحراك لأهداف وغايات متنوعة، وبالتأكيد حسب مصالح وخطط وبرامج عمل مختلفة. ومنها من يعمل لمصلحة وطنية عامة ولخدمة تحقيق الأسباب التي أدت إلى الغضب والحراك، بتوفير الخدمات الأساسية والتوظيف ومكافحة الفساد والطغيان والإستبداد والعمل من أجل الحريات والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة.

في تونس انتهت الحراكات والاحتجاجات السلمية بنتائج إيجابية لحد الان، أو على الأقل بفوز رئيس جديد وقوى سياسية متنوعة في الانتخابات التشريعية، الأمر الذي يوفر مناخات افضل مما كانت عليه ويقدم للجميع دروسا في التجربة والخبرة والنجاح في إدارة البلاد ومستقبلها.

اما في العراق فانتهت الحراكات لاسبوع واحد بمجازر دموية، راح ضحيتها اكثر من مئة وخمسين شهيدا وأكثر من ستة آلاف وخمسمئة جريح ومصاب، وهدات الحراكات بوعود وإجراءات أمنية مشددة. ومحاولات تغطية النتائج بحلول جزئية ووعود مكررة، ومجيء مناسبة دينية محترمة من الشعب، هي أربعين استشهاد الامام الحسين (عليه السلام) وما أن انتهت حتى بدأت الاصوات تدعو لإعادة الحراكات والاحتجاجات يوم 25 من تشرين الاول/ اكتوبر. وحصل فعلا في التاريخ المعلن واستمراره مع محاولات قمعه. ورغم الاحترام للمناسبة الدينية إلا أن ثمة شعارات ونشاطات تعمل على تقليل أهمية المقدس، وتجاوز الأعراف وتحميل المسؤولية والدعوة إلى عدم التدخل في السياسة والشؤون العامة. واخذت في لبنان مساحة أوسع وصولا إلى الشتم والسب والتشويه، بما يتماهى مع مشاريع معلنة من القوى الإمبريالية والمتخادمين معها، وما يستدعي التفكير بتدخلات خارجية معادية، لها حساباتها وخططها المعادية المعروفة، ولها أهداف معلنة كما مساهمتها بمليارات الدولارات لأداء هذه الوظيفة التخريبية. ونشر وسائل الإعلام المختلفة لشعارات واغراض هذه الحملة الإعلامية الموجهة، واستخدام وسائل إعلامية ووجوه نساء في السب والشتم لرموز دينية أو مناسبات وطقوس محترمة. للاسف تمكنت هذه الجهات المشبوهة والمعادية للمصالح الوطنية والقومية والإسلامية والإنسانية، بالهجوم على الطقوس الدينية في مناسبات عاشوراء، والمسيرات الجماعية لزيارة الاربعين لمحافظتي كربلاء والنجف، وكذلك الهجوم على أمين عام حزب الله اللبناني، حسن نصر الله، على لسان نساء متغطيات الوجوه بنظارات سوداء واجسام مشوهة، ونشرها على اوسع نطاق من وسائل التواصل والفضائيات العربية خصوصا، أو الناطقة بالعربية.

استخدام ما نشر مستمد من ما يسمى بالثورات الملونة وخطوات إنجازها، ومراحلها في تشويه المجمع عليه والمقدسات بكل الاشكال ومشاركة أطراف مثيرة للجدل أو لصور اجتماعية مقصودة، والمسرح والغناء والرقص العاري والسعي إلى التسقيط السياسي والتشويه الأخلاقي والتضليل المعرفي والخداع المنظم والتزييف الملون والترويج لأهداف وشعارات تصب في خدمة ركوب الحراك وحرفه عن مطالبه المشروعة وحقوقه العادلة، ودفعه بكل تلك الوسائل والطرق الى المواجهات المباشرة وسفك الدم وصناعة اخبار مزيفة ونهايات دموية عنيقة، كما حصل وعانت منها شعوب وبلدان، ومنها لما تزل تكابد منها.

والدروس الأساسية التي قدمها الحراك تتمحور في تسليط الضوء على سعة التفاوت الطبقي والاجتماعي، واستحواذ اهل السلطة، أو ما يسمى بالطبقة السياسية المتنفذة بالثروات والامتيازات، واهمال الحاجات والخدمات الأساسية للمجتمع واتساع إطارات الفساد والنهب للمال العام وتبذير الثروات الوطنية والطاقات البشرية ودفعها الى ترك الوطن والهجرة الى الخارج. وكذلك اسقاط الشرعية الشعبية من السياسيين المتنفذين، والمنتخبين من هؤلاء المتظاهرين أساسا. كما تحول الشارع إلى سلطة وطنية مقابلة للسلطة المحاسبة في المشهد السياسي.

هذه بعض الدروس والعبر لمن يعتبر، ولعل جرس الإنذار من الحراك الشعبي يسمع او ينبه أو يرن في اذن من يزعم دعمه الشعب والوطن في مشاركته في السلطات والإدارات. وهنا الوردة فلنرقص معا!..

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم