صحيفة المثقف

لقاء مع الإعلامي محمد بن رجب

سونيا عبداللطيفمحمد بن رجب هذا الرجل الذي اشتهر بمساهماته الكثيرة والقيمة في مجال الصحافة والإعلام وخاصة الإنتاج الاذاعي والتلفزي وعدة مجالات. أخرى كما عرف في خلال هذه الفترات كلّها برقيّ أخلاقه وتواضعه الكبير وصدقه وتفانيه في العمل وبعمله النقدي الأدبي الصريح والمباشر خاصة و في الثقافة عامة.. التقيته وكان لي معه هذا اللقاء في مجالس همس الموج الأدبية والفنية بفضاء السليمانية الثقافي:

 

س1: هل عشت أو خضت قضية أو صراعا أدبيا وفكريا أو موقفا سياسيا عندما كنت منسقا ومنظما أو مقدما لفقرة من برامجك الاذاعية..؟

ج1: بحكم كوني أتحرك على جبهتين جبهة الصحافة وجبهة الثقافة فإني عشت عديد التيارات الأدبية والفكرية وحضرت عديد الندوات فيها و منها النقدية في تونس وخارجها وقد كان لي فيها الدور المهم.. فقبل أن أنضم إلى الصحافة كنت ناشطا منذ نهايات تعليمي الثانوي في الساحة الثقافية بكل ما تتصورون من فروعها.. وقد عشت حراك الطليعة الأدبية التي ظهرت في تونس 1968 أي إثر النكسة العربية المدمرة وقد مست جميع فروع الحياة الأدبية والفكرية والفنية وكانت وراءها متغيرات كبرى في القصة والشعر والنقد وحتى في المسرح والموسيقى والفنون التشكيلية .. كانت حركة أدبية رائعة اعتمدت الثورة على كل شيء وصنعت مسارها خارج المنظومة الثقافية التقليدية المحافظة وهي ترنو إلى رفض المنظومة السياسية لولا أن مشجعيها الأول كان وزيرا وهو محمد المزالي الذي فتح لها مجلة الفكر وهي أهم مجلة في البلاد و كان الثاني محركها ومساندا لمحمد مزالي هو البشير بن سلامة وذلك كان قبل سنوات عديدة من تعيين المزالي رئيسا للحكومة وقبل أن يختار البشير بن سلامة وزيرا للثقافة.. ثم إن بعض أفراد الطليعة كانوا مؤمنين بالنظام القائم لكنهم رافضين لسقطاته، كلهم وعرفوا كيف يحافظون على الطليعة دون السقوط في الرفض السياسي المطلق أو المعارضة السياسية المتطرفة.. وقد كانت هذه الحركة عنيفة فكريا ونقديا وتمكنت من دخول الجامعة التونسية لأن بعض أساتذتنا من أنصارها وهم أيضا سوريون.. سواء كانوا من معارضين مثل توفيق بكار أو مهادنين مثل المنجي الشملي صاحب مجلة التجديد أو القرمادي صاحب ديوان اللحمة الحية...

وقد كتبت ضمن هذه الحركة وساندتها بكل قوة مع نقدها بكل قوة أيضا وقد نشرت وأنا تلميذ في البكالوريا عام 1970 مقالا مطولا في الملحق الأدبي لجريدة العمل بعنوان " لم يعد الشعر شعرا " إنما هماميات إذا كتبه الطاهر الهمامي وهو زناديات إذا كتبه الحبيب الزناد وشابيات إذا كتبته فضيلة الشابي وصموديات إذا كتبه نور الدين صمود..

وكم كنت سعيدا لما رأيت مقالي هذا موثقا في شهادة دكتوراه الطاهر الهمامي حول الطليعة الأدبية بعد 15 سنة من موتها رسميا وإن تواصلت في أعماق المبدعين دون إعلانها كما سبق.. مع العلم ان الطليعة التي كانت حذرة حتى لا تنساق في معارضة النظام كليا سقطت فيما كانت تخشاه إذ تجرأ رئيس تحرير الملحق الثقافي لجريدة العمل على نشر مقال كاريكاتور ضد مدح الشعراء لبورقيبة وكان التركيز على الشاعر الكبير أحمد اللغماني الذي كان بورقيبة يحبه حبا كبيرا إلى درجة أنه طلب منه يوما أن يكتب له مرثية قبل أن يدركه الأجل فقال له اللغماني أنه لا يقدر لأنه يحبه بدوره ولا يستطيع أن يتخيل أن بورقيبة ميتا لا اليوم ولا غدا .. ولما بلغ الرئيس بورقيبة أن شاعره اللغماني غاضب ومستاء لما نشر في الملحق الثقافي قرر إيقاف هذا الملحق ومعاقبة المشرفين عليه بنقلهم من وظيفة الى وظيفة ومن منصب الى منصب بهدف التشتيت.. وكانت هذه الضربة الأساسية التي أنهت حركة الطليعة .. هذه الحركة التي عشتها وواكبتها من فترة ظهورها وتطورها إلى انتهائها وموتها وفي قصصها ما هو الايجابي والسلبي والجميل والقبيح..

كما أنني كنت محركا لمعركة أدبية نقدية طاحنة بين شعراء تونس والناقد الكبير لطفي اليوسفي الذي قال في محاضرته أن لا وجود لشعر في تونس والسبب هو الوضع الثقافي الذي تعيشه البلاد فقمت أنا بنشر كلامه في جريدة الصباح فانطلقت حملة ضده لأنه أنكر وجود شاعر تونسي بل قال هنالك بعض قصائد.. كما أن الجهات الثقافية الرسمية شعرت بالحرج الكبير إذ وصفها لطفي بأنها تسببت في لوم ثقافي.. وبما أني كنت مسؤولا في الصباح فإني فتحت باب الرد على كلامه كل يوم ولمدة طويلة.. أما هو فإنه وجد في مجلة الملاحظ ملاذا له الله يرد بنفسه بل تطوع لمن يدافع عن نظرته عددا من المثقفين ... وفي النهاية أصدر لطفي بيانا متميزا أدبيا يعتبر فتحا كبيرا في مجال الإبداع الأدبي... وكانت الحصيلة في هذه المعركة مجموعة كبيرة من المقالات والدراسات الطيبة، الفكرية والشعرية والأدبية ونشاطا نقديا كبيرا كاد يتحول إلى حركة أدبية جديدة في البلاد.

وللعلم أني تولّيت شخصيا في نهايات الثمانينات تأسيس مهرجان أدبي للشباب باسم المهرجان الوطني للكتاب الناشئين الذي كان وراء حراك أدبي واسع اعتمد على التبرعات والهدايا .. وهذا العمل كان وراء ميلاد مهرجانات أدبية شبابية عديدة بلغت في نهاية تشرين من ذلك العام الاثنان وثلاثين مهرجانا ..

 

س2: من هم أهم الوزراء الذين تداولوا على وزارة الثقافة وكنت قد واكبتهم وترى أنهم كانوا فاعلين فيها وقدموا إضافة للثقافة؟

ج 2: بما اني مهتم بالحياة الثقافية والفكرية والإبداعية منذ شبابي الأول أي منذ الستينات فإني اقدر أن أقول بأني عرفت كل وزراء الثقافة في تونس وهم 24 وزيرا منذ سنة 1967 مع بداية اطلاعي على الحياة الثقافية الى يومنا هذا ونحن نتطلع الى وزير ثقافة جديد في حكومة منتخبة إثر انتخابات برلمانية ورئاسية في شهر اكتوبر.. من بين هؤلاء الوزراء برز عدد مهم كانوا فاعلين في حياتنا الثقافية وهم الشاذلي القليبي ومحمود المسعدي والبشير بن سلامة ومحمد زين العابدين رغم التباعد الزمني بينهم جميعا..

ومن أطرف ما اذكر هنا أنه باستثناء محمود المسعدي الذي لم يكن معروفا بوزارته الثقافية إنما بوزارة التربية فهو من وضع مع بورقيبية أسس التعليم في تونس في عهد الاستقلال والأستاذ الحبيب بولعراس صاحب المسرحيةالشهيرة" مراد الثالث" والأستاذ محمد اليعلاوي الذي مسك هذه الوزارة ثمانية اشهر فقط وكلهم اليوم أحياء يرزقون مثل الشاذلي القليبي وفؤاد المبزع وعبد الباقي الهرماسي وصالح البكاري والبشير بن سلامة وعز الدين باش شاوش والمنصر الرويسي واحمد خالد.. وإحقاقا للحق فإن تونس عرفت وزيرين اعتبرهما عظيمين أسديا للثقافة في تونس وهما الشاذلي القليبي وهو الذي أسس الوزارة أصلا .. وهو الذي رفع الأمية الثقافية عن الشعب وهو الذي أسس مهرجان قرطاج الصيفي ومهرجان الحمامات الصيفي ومهرجان قليبية لهواة السينما وأيام قرطاج السينمائية وكلها مهرجانات دولية كان لها التأثير الكبير على حياة المواطنين وثقافتهم وهو الذي حرص على نشر الثقافة منذ نهاية الخمسينات في القرى والمدن عن طريق الحافلات المتنقلة الحاملة للمكتبات المتحولة والأقلام لعرضها على الجدران البيضاء والقماش الأبيض المتدلى على جدار.. وكان الناس ينتظرون بكل شوق وشغف هذه الحافلات التي تطل عليهم مرة في الأسبوع أو مرة في الشهر بحسب الظروف.. كذلك الشاذلي القليبي هو الذي أسس إدارات ومراكز ثقافية وقد انتهى الى تأسيس دور الشعب ودور الثقافة في كامل تراب البلاد التونسية...

أما البشير بن سلامة فهو الذي جعل الثقافة منتشرة أكثر اذ جعل لها قوانين في كل مجالاتها وهو الذي جعلها شاملة بتركيز معاهد عليها مثل المسرح والموسيقى وتنشيط الشباب في ميدان السينما وأسس بيت الحكمة ويعتبر هذا انجاز تاريخي يرتكز على أبعاد تاريخية لبيت الحكمة في القيروان وأسس أكثر من مائة مهرجان في داخل الجمهورية وجعلها دولية ووطنية وجهوية ومحلية. ولم تكن هناك مدينة دون إنجاز ثقافي.. وهو الذي بدأ بإحياء المدينة العتيقة بعد موتها الذي دام طويلا.. كما بعث أيام قرطاج المسرحية الذي أشرف عليه الفنان المنصف السويسي ...

وأخيرا وليس آخرا هو الذي أسس سياسة الدعم للإنتاج الثقافي من خلال صندوق التنمية الثقافية الذي كان يجمع ميزانيته السنوية من آداء تمّ توظيفه على " البيرة التونسية " وهذه السياسة المختصة في تنشيط الإبداع عن طرق الدعم متواصلة إلى حد الآن وكونها لا يمكن ان تكون لنا أقلام مهمة ومسرحيات كبيرة ومؤلفات فاعلة لا يقع تشجيعها.. خاصة وأن تونس تحمل مبدعين كثيرين لكن السوق الإعلامية والثقافية .. لا تغطي ربع العلاقات.. لذلك كان لابدّ من تدخل الدولة من خلال الدعم للمحافظة على الإبداع في هذه المجالات..

ومن حسن حظي أني تقابلت مع الشاذلي القليبي العديد من المرات بحكم عملي ومراسلاتي لعدة جرائد عربية وتونسية وكنت أفتخر بكون البشير بن سلامة صديقا لي ولا وزيرا فقد قام بنشر بعض القصص والأشعار لي في مجلة " الفكر " لما كان مدير تحريرها .. وبعدما أصبح وزيرا تقربت منه أكثر وأحببت ما قدمه وما فعله في الشأن الثقافي واحترمت سياسته الثقافية وساندته في مسيرته الإصلاحية التأسيسة وقد نلت في عهده حظوة كبيرة رغم أني لست منتميا للحزب الحاكم وقتذاك ولست موظفا في الدولة.

 

س3: ماهي اهم سفرة او رحلة خارج تونس قمت بها اثناء مهامك كإعلامي ومازالت راسخة بذهنك؟

ج 3: بحكم اني كنت صحفيا وناشطا ثقافيا ثم اصبحت بعد التقاعد الذي حصلت عليه مبكرا عام 2006 مديرا للإعلام بالالكسو فإني بالطبع سافرت كثيرا وزرت جل البلدان العربية في مناسبات مختلفة مع التركيز على مصر وبلدان الخليج وزرت فرنسا عدة مرات وإيطاليا واسبانيا وألمانيا وبولونيا والبوسفور وطشقند في روسيا وكاراكاس عاصمة فنزويلا كما زرت ايران وبقيت فيها اسبوعين كاملين ... وقد تمتعت أولا بكل هذه السفرات والرحلات لكن الأهم اني عشت ثقافات هذه البلدان وبعض مظاهر حياتها..

ومن أطرف ما أذكر لما سافرت أول مرة الى الخليج كنت أحمل تحت تأثير إعلام غربي وبعض التوجهات التونسية ضد العرب والعروبة أفكارا مسيئة أو الأصح خاطئة عن الخليج وأهله لكن لما نزلت بالكويت ثم ابو ظبي ودبي اكتشفت كم أننا ظالمون وكم نحن سريعو التأثر بأعداء الأمة وفوجئت بأن عرب الخليج لا يختلفون عنا في شيء وأننا ندعي ما ليس فيها.. وأن هناك فرق كبير بين النظام الرجعي المستبد والشعب الخليجي. تماما كما عندنا نظام مستبد وإن كان متطورا فكريا لكنه أقل كثيرا من الطموحات العالية والكثيرة لدى التونسيين.. فنحن نعاني من نفس المشاكل مثل غياب الحريات ومشكور المتسبب فيه هو الإستعمار الذي قبلنا رؤيته ورضينا بكل رديء والتقسيمات التي فرضها علينا وجعلنا لا نحب بعضنا البعض وقد نكون أعداء دون فهم لبعضنا. ولكن تغيرت نظرتي بعدها وأصبحت أميل الى الرحلات لدول العرب مع أني أرفض أنظمتها الحاكمة التي في أغلبها نصبها الإستعمار فرعاها واهتم بها واستغل ثرواتها واستباح لغتها وانتهك حرماتها التراثية وأدخلها في حداثة بلا هوية صالحة للانسان الغربي ونحن العرب ولأسباب كثيرة قبلناها أو قبلنا الأمر ولم نثر ضدها إلا كلاما على بعض المواقع ...

اما عن سفرتي إلى فرنسا فقد عشت الدهشة والصدمة الإيجابية فقد انبهرت بالثقافة وفضاءاتها التراثية ومخزونها الثقافي من متاحف ودور ثقافة ومراكز دولية لنفس الغرض .. وعدت بهذا الانبهار لكني لم أتغير أبدا ولم أحمل فكرا غربيا أو فرنسيا ولا منتزع الفكر أو الانتماء للمدرسة الفرنكفونية والفرنكفولية..

أما في كاراكاس اكتشفت عوالم لا أعرفها حضاريا ولا فكريا وعدت لأقول لابد من إجراء متغيرات في ثقافتنا التونسية فنحن ارتبطنا بثقافة فرنسا وإيطاليا ولا نعرف شيئا عن العالم بل نحن بعيدون عن سرة العالم فهل من المعقول ان لا نعرف شيئا عن أمريكا اللاتينية.. ان حضارة أمريكا اللاتينية أقدم من الحضارات العربية بل هي أقدم من حضارة الفراعنة فما خلفه أجدادهم مثل " الأنكا " لا يمكن ان يتخيله أحد لأنه لا يعرف إلا ما خلفه الرومان والقرطاجييون .. فهنالك حضارة عجيبة وغريبة تحقق الدهشة وتزيد من الأحلام وتنزع عنا الكثير من الأوهام والأفكار الخاطئة عن الحضارات مما أننا لا نعرف جيدا عن عدة مدن إسلامية في العالم.. وقد نحتقرها بسبب ثقافتنا الرجعية المحدودة التي تبيناها وورثناها واستوعبناها دون جدال..

فأنا لما زرت إيران وبالتحديد طهران وقم و اصفهان وتبريز.. كما زرت في روسيا طشقند.. هنالك وجدت الحضارة الإسلامية بحق.. هنالك تكتشف عظمة التراث العربي الإسلامي الممزوج بحضارات أقدم أكثر تطورا من العرب القدامى والمحدثين..

في النهاية إن رحلاتي سلسلة من الاكتشافات تجعلني أعيد النظر فيما استوعبته.. وبعض قناعاتي ترفض المعلومات التي فرضت علينا تلقائيا بطريقة مدسوسة أو غرسوها فينا لنكون اتباعهم.. كلها في حاجة إلى إعادة النظر فيما نتصور أنه حق أو حقيقة و صدق.. لقد كذبوا علينا لما علمونا أن بورقيبة هو من صنع كل شيء راقيا لتونس فحين تسافر إلى بلدان مختلفة تكتشف أن بورقيبة لم يفعل شيئا لبلده مقارنة بما فعله الآخرون من رؤساء وحكومات أمام التطور الكبير الذي حصلوا هم عليه.. ثم تجدنا نتباهى بأخطائنا وبغرورنا ونرفض اصلاح ما بأنفسنا ومن أمرنا لأننا تعلمنا كذبا وأوهمونا بأننا الأفضل الأصح في حين أن بلدانا أقل منا شأنا شهدت وحققت تقدما كبيرا..

 

س4: إلى جانب عملك كصحفي إعلامي هل قمت بأنشطة أخرى بعيدا عن ميدانك؟

ج 4: نعم، لقد نشطت في عالم المعاقين وخاصة الصم.. وقدمت الكثير من الخدمات رغم أني لم أكن عضوا في جمعية مختصة بل كنت مناضلا بشكل منفرد تحت تأثير اختصاص زوجتي رحمها الله تعالى فقد كانت هي مختصة في تقويم النطق فاقتربت منها وعرفت مشاكل الصم في تونس ومن هنا اكتشفت كارثة الإعاقة ومصيبة ذوي الاحتياجات الخصوصية بصفة عامة فاقترحت على جريدة الصباح التي أعمل بها بعث صفحتيْن لهؤلاء المواطنين وقد وجدت آذانا صاغية وسمحت لي إدارة التحرير أن أفتح ما شئت من الصفحات في الصدى الأسبوعية وصرت معروفا في تلك الأوساط في التسعينيات وتمكنت من التأثير في قرارات وزارة الشؤون الاجتماعية أصبح ذو الاحتياجات الخصوصية يوصلون لي التشكيات والشكايات ويعرضون القضايا علي ويقترحون أو يسألون عن القوانين فأنا أذكر أن عنوان الصفحتين كان "لا تيأس"

 

س5: من هي الشخصية التي كان لها تأثير عليك أو هزّتك أثناء محاورتك لها؟

ج5: لقد أجريت حوارات كثيرة في الجريدة وفي التلفزيون و الإذاعة.. بلغت أكثر من الثمانين وهي حوارات كبيرة في الأدب والثقافة بكل فنونها وحتى في السياسة... تقريبا مع جل الكتاب التونسيين ومع بعض الكتاب العرب وبعض الادباء الأجانب...

من أهم الحوارات في تونس كانت مع محمود المسعدي والبشير بن سلامة وهشام جعيد وهشام بوقمرة وأحمد خالد ومحمد اليعلاوي وتوفيق بكار والمنجي الشملي والحبيب الجنحاني وحمادي صمود وعبد السلام المسدي ونور الدين صمود والطاهر شريعة وعبد الجليل التميمي وعبد اللطيف بن عمار وعمار الخليفي والميداني بن صالح وعز الدين المدني وسهير العيادي والعروسي المطوي ومصطفى الفارسي وعبد الواحد ابراهيم ومحمد الصغير أولاد حمد والمنصف المزغني والفاضل الجعايدي وجعفر ماجد وجميلة الماجري والسيدة علياء صاحبة برنامج إذاعي للأطفال وناجية ثامر وهند عزوز..

من العرب أذكر الطيب صالح أدونيس ومحمود درويش وعز الدين المناصرة والطيب التيزيني ورشدي راشد ومحمد برادة وعبد الحميد بن هدوقة وعبد الله العروي ونزار قباني ومحمد الفيتوري وسلمان عيسى وعبد الوهاب الراهب وعبد الرحمن مجيد الربيعي وعبد الرحمان الابنودي وغيرهم..

ومن افريقيا الرئيس السينغالي سيدار سنغور ومصطفى سيسي ..

من الغرب عدد من الكتاب الذين كنت التقي بهم عادة في المركز الثقافي الفرنسي بتونس منهم غي هنيبال وهو ناقد كبير واعتذر لأني نسيت الكثير من الأسماء و لا أستحضر التفاصيل بدقة..

لكن إذا ما رجعت لبعض هذه الأسماء يمكنني أن أذكر لكم أهم هذه الحوارات وهي التي أجريتها مع الرئيس السينغالي سيدار سنغور زعيم الزنوج والحركة الفكرية و الأدبية لديهم.. فلما تقابلت معه في منتصف الثمانينات وبالضبط سنة 1984 لم يكن موضوع مفهوم الزنوجية أو الثقافة في الزنوجية أو ما سماه سيدار بالخصوصية السوداء في إفريقيا وقتها متداولا ... وبهذا الحوار كنت السبب وراء جلب الاهتمام والانتباه لهذه القضية الأدبية التي ابتكرها الرئيس سنغور الذي حكم السينغال سنوات طويلة من 1960 إلى 1980 ليسلم الحكم تطوعا للرئيس عبدو ضيوف الذي كان وزيره وليتفرغ للأدب والشعر ويبثّ في العالم أكثر وأكثر مسألة قضية الزنوجية فهو يعتبر من رواد حركة الزنوجة التي ساهمت في رفع النهضة الأدبية الأفريقية إلى الأمام والتي ضمنيا تعنى الأدب النضالي للسود في العالم من أجل التحرر أولا من العبودية ومن الإستعمار ثانيا.. وتحكي عذابات الزنوج عبر القرون.. فكان منها في الموسيقى: الجاز والبلوز.. وفي الأدب هناك شعر ايميل سيزار مؤسس الزنوجية الأدبية وسيدار سنغور زعيمها باعتباره قادرا أكثر على الإتصال والتواصل والترويج بحكم منصبه وحب السينغاليين له حضوره الكبير في الحكم في فرنسا فقد كان عضو المختصين في النحو الفرنسي وله مكانة هامة على المستويين السياسي الأدبي النضالي والشعر...

الحوارات التي تأتي بعده وأراها مهمّة كانت مع محمود المسعدي ومع هشام جعيط ومع أدونيس ومحمود درويش ونزار قباني ويبقى الحوار مع المؤتمر كبيرا وفاعلا.. وهو موجود بأكمله في مجلدات الأعمال الكاملة لمحمود المسعدي الذي أعده محمود طرشونه .. كذلك حواري مع هشام جعيط اعتبره مهما جدا ونجده منشورا في كتاب لقاءات من هشام جعيط فقد طرحت معه أهم إنجازاته الفكرية وتحاليله في الحداثة وفي القومية العربية...

 

س6: ما هي اهم الحوارات واللقاءات التي اجريتها ومازلت تحتفظ بها؟

ج6: الحوار الذي تريدين الإشارة إليه قديم جدا يعود إلى جويلية سنة 1978 كنت في العراق بمناسبة العيد العاشر للثورة العراقية وكان صدام حسين آنذاك رئيس الحكومة ولكنه بحكم قوته وهيمنته السياسية كان أكثر نفوذا من الرئيس حسن البكر.. فهو أشهر من الرئيس عالميا وكل العالم يتحدث عن صدام حسين وكانت جل الإتصالات به والمفاوضات معه.. وكنت في تلك الاحتفالات مع الشاعر احميدة الصولي صاحب عدة دواوين شعرية والإعلامي عبد البادر قزفز ودعينا الى البرلمان ليستقبلنا صدام حسين ويدلي بإجابات للإعلاميين وقد سعدت بذلك بشكل كبير وانتقلنا على عين المكان وهو مقر المجلس الوطني وجاء صدام حسين وقد بدا لنا رهيبا فلا يمكن تصور أو تخيل هيبته ووقاره إلى درجة الخوف والرهبة منه ولكنه كان بروح شبابية إلى درجة أني أنا الشاب آنذاك أحسست إني الشيخ العجوز أمامه.. والغريب أنه لما جلس على الكرسي أمام ما لا يقلّ عن ثمانين صحفيا قال: إنه يطيب عليّ جميع أسئلتكم وأسمح لكلّ واحد فيكم أن يعتبر هذه الحوارات معكم حوارا خاصا به ولا اعترض على ذلك.. وإن رأيتم أن تجعلوا هذا اللقاء لي معكم ندوة صحفية فلا مانع لديّ وأنتم عندي أخيار فاتخذوا من هذه الجلسة الطريقة المثلى التي ترونها مناسبة مع عمل مؤسساتكم وحسب طموحاتكم الشخصية فأنا أعرف أن الكثير منكم يحب ويتمنى لو يجري هذا الحوار بمفرده ويكون خاصا به.. فها أنا متواجد أمامكم فاسألوا ما تريدون.

وإحقاقا للحق لم أستعمل لقائي هذا بالصدام حوارا خاصا بل عدت إلى تونس ونشرت حصيلة الحوار بشكل ندوة صحفية احتراما للمقام ولم تكن لدي طموحات آنذاك غير أن أكون صحفيا صادقا وناجحا..

وقد عملت في تحرير هذا الحوار على تلخيص كل الأسئلة والأجوبة التي أدلى بها الصحفيون والرئيس وكان من ضمنهم كبار الصحفيين الغربيين والعرب...

ومن أطرف ما أذكر أنه إثر عودتي إلى تونس في منتصف جويلية وقبيل شهر أوت كان صدام حسين قد أزاح من الحكم حسن البكر .. وأصبح الرجل الأوحد على رأس السلطة في العراق... لذا إن ما نشرته كان له قيمة وربما فهم وقتها المختصون في النقد والتحليل السياسي من الحوار بعض المؤشرات والإشارات لما يوحي ما كان الصدام ينوي فعله...

 

س7: هل يوجد شيء تأسف عليه لأنك لم تنجزه أو أنك أنجزته؟

ج7: اذا ما راجعنا حياتنا من المؤكد أننا نجد أشياء كنا خططنا لها لكن الله أراد لنا أشياء أخرى..

لم أندم على شيء إنما بالأحرى كان يمكن أن أكون أفضل وأحسن.. أشعر أني أضعت بعض الفرص.. كان يمكن أن أنشر مجموعة كتب لي ولم أفعل.. وكان يمكن أن أختار السياسة واقترب من السياسيين والسلطة ولم أفعل.. وكان يمكن أن أكتب شعرا وأصدر دواوين ولم أفعل.. وكان يمكن أن أكون روائيا إلا أني لم اكتب رواية رغم قدراتي على القص والرواية واستعراض التفاصيل بدقة..

ولكن، أعد أحبائي أني سأعمل على إصدار كتابين يفرحهما.. كتاب في السيرة الذاتية وأعرج فيه على كل من كانوا من أهل الفساد في الثقافة والإعلام في الأربعين السنة الأخيرة وعليهم أن يستعدوا لأن هؤلاء سيجدون أسماءهم مذكورة ومسجلة مع لفت الانتباه الى ما عشته واطلعت عليه من حقائق..

الكتاب الثاني سأجمع فيه أهم حواراتي وإذا لقي هذا الأخير صدى أواصل نشر بقية الحوارات .. أما المقالات فلن أنشرها رغم أهميتها... أترك حرية مشاركتها ونشرها من قبل الأصدقاء أو أي مبدع كان في مجاله سواء كنت من أحبابه أو من أعدائه بنقل ما طاب لهم من أعمالي الصحفية التي استمرت أكثر من أربعين سنة..

 

س8: كيف كانت علاقتك بالسياسة؟ وهل كنت الإعلامي الجريء والقلم الحرّ أم كنت مقيدا ومسيرا في بعض الحالات وعند خوض بعض المواضيع الحساسة؟

ج8: أنا مغرم بالسياسة أكتب فيها بانتظام لكني لا أمارسها في الواقع ولم أنتم إلى أي حزب ولم أكن مناضلا لا ضد بورقيبة ولا ضد بن علي.. عملت في الصحافة بالقدر الذي يمكن أن أصوغ فيه الرأي بحرية أو خارج حريتي لكني أبدا نشرت شيئا يسبب لي الخجل أو الحرج.. أو أني كنت... وأصبحت..

وقد نلت الجوائز والأوسمة منها الجائزة الوطنية للآداب والفنون اختصاص نقد أدبي.. ونلت وسام الاستحقاق الثقافي درجة ثالثة وهي درجة مهمة .. وحصلت على درع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم..

 

س9: بعيدا عن العمل والمهنة والثقافة أين ترغب أن تكون وما هي الاماكن التي تشتهي الجلوس فيها والأشخاص الذين ترتاح وتفضل مجالستهم ومحاورتهم؟

ج9: أحب السفر ويتواصل وفق الإمكانيات والرحلات.. قد أزور العاصمة الفنزويلية من جديد وقد أذهب إلى بيكين .. وطبعا فرنسا والتي فيها ابني مقيم في عاصمتها باريس وهو يطلب مني زيارته منذ سنة..

 

س10: هل اختيارك للصحافة بتأثير من أحد مقرب إليك أو بتوجيه من أحدهم لك أم متعة؟

ج10: لا، لا أحد سواء من قليببةأو من العائلة تأثرت به أو أثر فيّ..

فأنا منذ مراهقتي كنت أكتب الشعر ولما كنت في السنة الثالثة ثانوي بنابل اطلعت على جريدة العمل وكان فيها ملحق أدبي اعجبني وخاصة أنه توجد صفحة يرد فيها صاحبها على المراسلات.. فأرسلت له بقصيدة بسيطة.. ففوجئت بأنه يرد على قصيدتي بعد أسبوع مشجعا إياي أني على الطريق السويّ وأحمل بذور الموهبة وطلب أن أراسله دائما وهو س٨يتولى بالرد على ما أكتبه..

وبعد سنة، نشر لي هذا الملحق الأدبي قصيدة بعنوان " تمرد " ومازلت احتفظ بتلك القصيدة وأحبها لأنها كانت إنتاجي الأول وهي التي فتحت لي أبواب الكتابة والحب الحقيقي للأدب وكانت السبب الذي دخلت به مجال الصحافة سنة 1968 ودور الثقافة والشباب بنابل قليبية.. وصرت نجما في المعهد الثانوي بنابل يعرفني عدة أساتذة بصفة مغرم وهاو في كتابة الشعر وفي السنة الخامسة من التعليم الثانوي ترك لي مدير المعهد حرية تنظيم حفل آخر السنة.. تشجعت وكتبت نصا مسرحيا قدمته أنا أصدقاء لي من محبي المسرح في ظرف شهر وكان أن قدمناها في الحفل المدرسي.. ومن هناك كانت لي انطلاقة أخرى وأصبحت أعتبر نفسي بالفعل كاتبا فأنا قد جربت القصة والمسرح وكتبت الشعر من 1970 ..

وبالتالي لما دخلت الجامعة وجدت نفسي أعرف الكثير من الأدباء والشعراء وبدات علاقتي بهم وبالثقافة تتمتن أكثر فأكثر خاصة في ابن خلدون وابن رشيق..

وبعد تجربة قصيرة مع التعليم لا تتجاوز السنة دراسة في الجامعة التحقت بجريدة الصباح حيث سبقني اسمي هناك.. وعملت طيلة سنة او اكثر متطوعا دون مقابل... فالخبرة لا تقاس بمال..

 

 س11: اخيرا ما هي حكايتك مع الاعلامي رفيق الدرب أحمد عامر؟

ج11: هو شاعر جاء من نفطة إلى العاصمة وسبقني إلى العمل في الإذاعة سنة 1973 أما أنا فاشتغلت في الإذاعة بعده سنة 1974 .. كان احمد عامر ضامرا ولطيفا جدا وصاحب نكتة وكان طموحا أكثر من اللزوم.. فكنا نتنافس تنافسا شريفا إلى حدّ الصراع النزيه وربما هذا التنافس خلق بيننا علاقة توتر لمدة عشرين سنة.. فكان اتفاقنا، أن اهتم أنا بالأدب والثقافة والسينما والفنون التشكيلية وهو بالمسرح والموسيقى والاغاني.. وكنا أيضا زملاء في الصحافة وتغيرت تلك العلاقة المتوترة بسبب التنافس إلى علاقة عمل واحترام بعد أن أصبحت رئيس تحرير مساعد جريدة الصباح.. رحمه الله فأنا كنت أحبّه جدا بالرّغم أنّي لم أقلها له يوما في حياته..

 

س12: ما رأيك في صحافة وإعلام الأمس مقارنة بإعلام وصحافة اليوم؟

ج12: صحافة الأمس كانت بنسبة 90% مختلفة لغياب الحريات تماما فالاستبداد كاد يقتل الإعلام. وقد كنت إذا ما سافرت لبلاد عربية أجد أن هنا أو هناك بعض الحريات.. أما مع بورقيبة وبن علي كان الموت الإعلامي تماما فلم تكن هناك حريات إلا في الثقافة أو في الرياضة دون دخول في تفاصيل السياسات الثقافية أو السياسات الرياضية...

وقد كان كل من تمسك بحقه في الحرية وحرية التعبير تعرض إلى الملاحقات الأمنية والايقافات والتهميش...

أما اليوم فإن أمورا كبيرة قد حدثت:

أولا: الثورة ألغت الاستبداد.. ويمكن القول تحرر الإعلام كليا.. ولكن للأسف ظهرت الحريات وهي مطلقة فاستغلها أنصار النظام الهارب.. وأصبحنا نعيش مع الانفلات في كل شيء.. كلام كثير.. و.. و.. وبالتالي لم تعد هناك صحافة ولا إعلام حقيقي.. ولا مهم..

فهناك بلاتوهات يومية وفي تلفزيونات خاصة لا تبثّ إلا الدّعاية ولا تنقل إعلاما.. هي دعاية إما ضدّ أو مع.. وفق مصالح وانتماءات هذه القناة أو تلك وليس من قبيل الصدفة أن يقع التعامل مع نفس الوجوه.. بل كي لا يتغير الهدف وقد اختصوا..هم.. في الحرب ضد الثورة والدفاع عن نظام ستين سنة من الاستبداد وتنظيف الفاسدين والتعامل مع رأس المال الفاسد والمهرب لثروات البلاد..

انا شخصيا أعتبر أن الإعلام الإذاعي والتلفزي يعيش دمارا كبيرا وهو لا يقوم إلا بدور فاسد لتوجيه الرأي العام لكره الثورة ولتقوم كل الوجوه الجديدة..

 

حاورته: سونيا عبد اللطيف – تونس

 5 نوفمبر 2019

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم