صحيفة المثقف

الصبر ضياء

معراج احمد الندويتأتي في حياة الأمم والشعوب الأيام تشهد فيها البعض من الحوادث التي تهز مشاعرها وتثير تساؤلات على هويتها، تغمر عليها سحاب الآلام والهموم والحسرات، وتغلب عليها الأحزان والزفرات، فبدأت تشعر خيبة الأمل من الناس والنظام والسياسة والعدالة.

تعيش الأمة في حالة  تكابد مشاقها وأحزانها وهمومها وغمومها، تبتلى العبد ببلاء ترى أنه لا سبيل له إلى دفعه أو رفعه، فماذا تفعل؟ وفي هذه الحالة ليست لها إلا الصبر والتحمل على الفقدان من الحق والعدل وهي ترى أنها تستأهل بالخير ولكن الظروف والأوضاع لا تسمح لها.

الصبر هو حبس النفس على ما تكره، أو احتمال المكروه بنوع من الرضا والتسليم. الصبر ليست مُجرّد كلمة تُردّدها الألسنة مع ضيق الصّدر، وتململ القلب، إنّماالصّبر هو الصّبر الذّي لا يُصاحب السّخط ولا القلق. الصبر الحقيقي هو الصبر الذي تختاره بدون أي ضغط وبهدوء اثناء ما انت عليه لأن الصبر وسيله وليس غايه وهو وسيله للوصول للهدف .

الصبر هو محاولة النفس على تحمل الألم والأذي والفقدان من الحقوق والعدل، الصبر هو احتمال المكاره من غير جزع، أو هو قسر النفس على مقتضيات الشرع والعقل. إن حياة الأمم والشعوب لا تخلو مما يستوجب الصبر، ولكنه لكلٍّ بمقدار حسب قدر ما يواجهه من الأذى والضيق، ولكلٍّ مجال يستوجب الصبر في وقت من الأوقات حسب حاله وما يواجهه من ظروف وتحديات ومعوقات.

الصبر هو أولى خطوات التعامل مع ما يصيب الإنسان مما يكره؛ إذ إنه لو غاب لحل الجزع واليأس والاكتئاب، والإنسان في حالات كهذه يُفسد أكثر مما يصلح، ويتخبط ويتيه أكثر مما يتريث ويخطط ويدبر بروية وحكمة ليحقق ما يبغي، وينجو مما يكره، إنه لا يليق به الانكسار مع كل رياح تلفح به تقلبات الدهر وأقدار الحياة.

الصبر الجميل هو صبر بلا شكوى، ولا سخط ولا جزع، وهو صبر الرضا والتصديق، صبر العزة والاختيار لا القهر والاضطرار، هو صبر ييقودالإنسان إلى الثبات. هذه صفات يتجمّل بها الصبر، فتسمو به ليكون خلقا نبويا وسلوكا ربانيا.

الصبر صبران: صبر على ما تحب، وصبر على ما تكره. والصبر على ما تحب أشكال من بينها الصبر على الطاعات وأنك تحافظ عليها، والصبر على ما تكره هو الصبر على أى نوع من الابتلاءات بقناعة أن الابتلاء مؤقت.

الصبر شجرة جُذورها مُرة وثِمارُها شهية، ومهما كان الصبر مُرًا فعاقبته حلوة، ولذلك الصبر لازم من مقتضيات الحياة كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أنه قال: "فاصبر، فإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، فإن مع العسر يسرا". ثم قال: "عجبًا لأمرِ المؤمنِ، إن أمرَه كلَّه خيرٌ،وليس ذاك لأحد إلا للمؤمنِ، إن أصابته شرا شكرَ، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صبر، فكان خيرًا له".

إن المسلم حين يتأمل في حياته وما يعتريها من عوارض وأحوال وكوارث ونكبات، يجد الصبر ضرورة حياتية لكل عملٍ من أعمال الحياة سلباً كان أو إيجاباً،  فالصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له، كما لا حياة لجسد لا رأس له. فالصبر للمسلم واجب في الحياة الفردية وفي الحياة الجماعية. قال أحمد شوقي:

صبراً على الدهرِ إن جلت مصائبهُ  إن المصائبَ مما يوقظ الأمم

الصبر يجب أن يكون في جميع الأحوال في الشده وفي الرخاء. إن لكل ليل فجر، وأن الأحزان مهما طالت لا تدوم.. وأن الكروب مهما حلت لا تبقى. واصبر عليها صبرًا جميلاً.. فإنه لا يوجد كرب إلا ومعه فرج. ولا يوجد صبر إلا ومعه نصر. فالصبر هو الذي يدفع حرارة البلاء ويكابد وقعه ويحفظ صاحبه من اليأس والقنوط ويبعث نفسه على التفاؤل والطمع في رحمة الله.

 

الدكتور معراج أحمد معراج الندوي - الهند

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم