صحيفة المثقف

شفرة أوكام بيد الاحزاب السياسية

عمار حميدمر ما يزيد عن الشهر منذ اندلاع احتجاجات شعبية واسعة في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب ، احتجاجات وتظاهرات أشبه بالجسد الذي انتفض بعد اعتلال طويل عشعشت فيه مافيات السرقة والفساد بكل اشكاله لكن هذه المافيات التي اتخذت مسميات الاحزاب والتيارات السياسية والعقائدية لازالت ترفض ان تسمع لما يريده العراقيون ضاربين عرض الحائط كل الاساليب والطرق الديمقراطية في التعامل مع هذه المطالب بعد ان تبجحوا طويلا بادعائهم انهم يتخذون من الديمقراطية منهجا في الحكم فكان الرد منهم اعدادا لاتحصى من القنابل المسيلة للدموع التي اخترقت جماجم المحتجين وآلاف الجرحى واكثر من مئتان وستون شخصا قتلوا جرّاء التعامل الوحشي من قبل جهات مسلحة مقنعة من غير الواضح انتمائها ومن يسيرها.

الى الان تنتهج هذه الاحزاب والوجه الذي يمثلها في رئاسة الحكومة والجمهورية والبرلمان مبدأ المطاولة والتسويف والوعود التي يرفض المحتجون الوثوق بها او الركون اليها لذلك فالمظاهر الاحتجاجية والتي لايزال من يمارسها مصرا على سلميتها على الرغم من الانفلات الذي يرافقها والقمع الذي تواجهه تطالب بأشياء واضحة أهمها انهاء احتكار هذه الاحزاب للسلطة والى الابد.

الخشية تكمن انه في حالة انهيار اساليب التسويف والمماطلة من قبل الحكومة واحزابها فأنها سوف تعمد الى انهاء الاحتجاجات بأسرع وأبسط الطرق من خلال اللجوء الى القوة المفرطة وهي بذلك ستطبق من حيث المبدأ نظرية تُعرف بشفرة أوكام نسبة الى الفيلسوف الانكليزي وليام الأوكامي الذي صاغ هذا المبدأ  سنة 1285 حيث ينص على أن التعددية في الخيارات لا ينبغي أن تفرض دون ضرورة، والذي استنبطه من رجل دين فرنسي في حقبة العصور الوسطى ليستخدمه ضد بعض الأفكار الفلسفية التي كانت منتعشة آنذاك ليدافع بذلك عن اللاهوت المسيحي، حيث رفض أو نفى وجود استنتاجات فلسفية كالعقل الواعي المنسوب لأرسطو، والعقل الفاعل، وحريّة الاختيار، بحجة أنّها غير ضروريّة فهو من الناحية المنطقية والفلسفية يعتبر الحلول والتفسيرات والمعالجات البسيطة هي الاقرب والاسرع للتعامل مع مسألة ما لكنه في السياسة قد يندرج ضمن الاساليب الراديكالية والاقصائية.

يمكن اعتبار نصل أوكام طريقة للتفكير والتحليل والاستنتاج، فإذا استطاعت هذه الاحزاب أن تفسر الاوضاع الراهنة ضدها تفسيرا بسيطا دون الغوص في التعقيدات والتفاصيل، فإن التفسير البسيط هو الأصح بالنسبة لها الا وهو انهاء مظاهر الاحتجاج بالقوة. ولكن يؤخذ على هذا المبدأ صعوبة تحديد عما إذا كان هذا الأمر أو التفسير هو الأبسط أم لا، لذلك على السلطة الحاكمة واحزابها ان تكون اكثر حذرا فقد ينزلق العراق نتيجة ذلك الى هاوية لا يُعرف قرارها.

 

عمار حميد مهدي

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم