صحيفة المثقف

المهجرُ حلمُ الشرق ِ الضائع بين التأويل وحقيقة التفعيل

قاسم ماضيللشاعر والكاتب المصري عادل بسيوني بين الإرث العربي والحلم الأمريكي.

(إلى التي في الكون لولاها، ما كنت شيئا أو عرفت الله، أماه إن العمر قد غربت مفاتنه ُ، وطفلك في المدى تاه . ص7) بهذه الكلمات أفتتح الكاتب والشاعر عادل بسيوني رحلة رصده للمشهد الثقافي العربي 

 في ميشيغن. حيث صدر حديثا  كتاب بعنوان "الجالية العربية في ميشيغان، بين الإرث العربي والحلم الأمريكي" للشاعر والكاتب الأمريكي المصري  " عادل بسيوني " عن دار نشر "المؤسسة العربية للعلوم والثقافة" القاهرة ، ويقع الكتاب في 239 صفحة من القطع المتوسط .

يبدو الشاعر والكاتب المصري "بسيوني" أراد أن ينطلق ويؤسس وعياً ثقافيا مختلفاً فيه من الثمرات الكثير في بيته الجديد الذي أسمه " ميشيغن " محاولاً بذلك  رسم سياسات ثقافية جديدة توثق هذه المدينة وما حولها من تصاميم معرفية وفكرية، وكل ما يملك من طاقة إبداعية تؤرشف المسكوت َعنه والظاهرَ للعلن لأجل تأسيس ثقافة متأصلة داعية للحب والسلام في هذا المنفى الكبير. وهو القائل  في مقدمة كلمته في هذا الكتاب  ص 14

"لعنتُ اليوم الذي وجدت فيه مدعين لا مثقفين، وتحولت فيها المعارك الأدبية إلى فتنة بغيضة بين الخصوم، اليوم الذي وجدتُ فيه مثقفين لم يدركوا أزمة المشهد الثقافي العربي، ولم يعلموا إلى أين هو ذاهب ولماذا، إني لا أعتذر إذا ما قلت، إن الثقافة قد عزّت علينا عندما فاحت رائحةُ الشواءِ والأراكيل، وغزت سماء مدينتكم، وقد علت على الكلمة التي ما كانت إلا تجمعكم ص16

حتى إنه يستصرخ هذا العالم الذي أسمه "الثقافة" ليؤكد لنا عبر كتابه  الجديد الصادر لهذا العام "الجالية العربية في ميشيغن بين الإرث العربي والحلم الامريكي" لابد من وضع النقاط على الحروف في أيامنا هذه، منطلقا من منطلق الكثير من فلاسفة العصور الذين سبقوه ومنهم " تايلر" الشهير والمعروف بين الأوساط الثقافية،  وهو عالم الأنثروبولوجيا البريطاني، والذي عرّف الثقافةَ بأنها " ذلك الكل المركب من المعلومات والمعتقدات والفنون والأخلاق والعادات والتقاليد التي يكتسبها الإنسان بصفته عضوا في المجتمع، والذي هو ليس واضحا لدى الكثيرين من الذين سبقوه  في هذه المدينة، وبعد وصوله إلى الولايات المتحدة الأمريكية في أكتوبر من العام 1996  وهو  التاريخ الموافق ليوم ميلاده،ليكون واحداً مختلفاً حتى يسهم في خلق فضاءات ثقافية بعدما حمل إرثه الشعري والفلسفي من مدينته " القاهرة " إلى مدينة " ديترويت الكبرى " وهو القائل المهجر حلم الشرق الضائع بين التأويل وحقيقة التفعيل،ولما استقر بي المقام بعد عناء واجهه بين الحفاظ على إقامته الدائمة بأمريكا و عمله  كمهندس بالخليج، بدأت الكتابة بشغف الحائر، لأعبر عن مكنوني وعما واجهته من هموم .ص15

وهنا يمكن القول أن أي كاتب حينما يشرع في كتابة أي موضوع  لابد من امتلاكه معرفة عامة ببعض فنون التعبير العربية، ومنها المقالة أو الخاطرة وبعض الفنون الأدبية كالنثر والشعر وكتابة القصة، فكيف بشاعر له العديد من الدواوين ومجاميع قصصية كثيرة،وهو الحاصل على الكثير من الجوائز في بلده الأم، فظل الشاعر " بسيوني "  الذي اكتوى بنار الغربة وهو بعيد عن أهله وناسه يحفر بالصخر حتى يرسم خارطة جديدة في معتركه الحياتي الجديد، يقول عنه الناقد المصري الكبير " محمد دحروج " لا تجيء حياة إنسان وفق ما يرسمه لنفسه في كل شأن من شؤون وجوده الأرضي والنفسي ، نحن في زمن الفلسفة الوجودية، حيث الإنسان فكرة كبرى تدور حولها الحقائق، وللحقيقة وجهان، وجه لا يعرف تشوه القسمات، ووجه يطوف حول كعبة الزيف والكذب . وفي نهاية الأمر، فالحياة عالم غريب مليء بالتناقضات، فأنت المغامر ليؤكد " لبسيوني " عبرة مفرداته التي استلهمها من هذا الكتاب، أنت الطموح الجريْ الحزين البائس الذي تلفه دوائر الكآبة، الحياة اكبر من ان نهزمها، وإنما غاية الأمر أننا قد تخوض معاركها بإرادة لا تعرف الكلل . وكان هذا الكتاب هو بمثابة أرشفة ومقالات تخص الكاتب وبعض القصائد التي أراد لها الكاتب أن تكون بمثابة درس إلى الآخر الذي يعيش ضمن البيت " الديترويتي " ولو تفحصت قصيدة ديترويت لوجدتها هي إضاءة لواقع الحال الذي يعيشه الشاعر، عبر لغة فيها من الدلات التي تحفز الذاكرة وتاريخ هذه المدينة،

ديترويت كيف تكون الحاكم

وتكوني أيضا … سجان ص 34

والمتأمل لهذا المطبوع يمكنه القول بانه محاولة جادة لرصد المشهد الإغترابي ببعده الثقافي والاجتماعي حيث حاول الكاتب سبر أغوار صيرورة واقع الجالية العربية في الولاية المذكورة من خلال حراكها الثقافي المتمثل بمالمنتديات الثقافية والتجمعات المعنية بالشأن الثقافي كرابطة القلم وصالون دجلة والمجلس الاسبوعي الذي يقيمه المجمع الثقافي الاسلامي في مدينة ديربورن ورابطة لبنانني الشمال، والمركز الدولي للثقافة والفنون والاعلام  الى جانب التصدي لبعض القراءات والطروحات لبعض كتاب الجالية ومنها كاتب السطور كما حاول الكاتب أرشفة مسيرة الصحف الصادرة في ديترويت منها (صدى الوطن، الحدث، المنتدى،اليمني الامريكي، مجلة السبيل) بالاضافة الى متابعته لعدد من منظمات المجتمع المدني منها (المنظمة العربية الامريكية للعمل السياسي أيباك) كما سلط الكاتب الضوء على مؤسسة ثقافية مهمة تعكس بعدا ً ثقافيا موثراً للجالية الا وهو (المتحف الامريكي العربي) ولم يخلو الكتاب من بعض وجهات النظر التي تصدت لنتاج بعض الشخصيات الدينية والفكرية كشخصية المفكر ورجل الدين المجدد الشيخ محمد عبده، والسيد محمد حسن فضل الله حيث قام الكاتب بسيوني بتقديم مقاربات فكرية حول نتاجيهما الفكري وإشتمل الكتاب أيضا ً على عدد من الكتابات النقدية للشاعر والكاتب عادل بسيوني التي تخص فعاليات ثقافية معينة، وتجدر الاشارة بأن هذا الكتاب يعد خطوة لمواكبة المسيرة  الثقافية للجالية العربية في ميشيغن، ويمكن لآخرين الغوص في تاريخ وجود الجالية العربية في ميشيغن وتلمس مسيرة تطورها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي من خلال دراسة بحثية وفق منهج أكاديمي من شأنها أن تكون مرجعا ً علميا ً لمن يريد سبر أغوار مسيرة الجالية العربية في ميشيغن بمختلف أبعادها، بيد أن كتاب الجالية العربية في ميشيغن (بين الارث العربي والحلم الامريكي) هو رافد ثقافي معرفي لمن يريد التعرف على أجواء المشهد الثقافي العربي في ميشيغن .

 

قاسم ماضي - يدترويت

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم