صحيفة المثقف

عطب اخلاقي وثقافي

كاظم الموسويتصلني عبر الواتس اب كوسيلة من وسائل التواصل/ الانفصال الاجتماعي، رسائل كثيرة، مباشرة على الخاص او ضمن المجموعات الكثيرة التي شاركتني دون مشاورتي او مشاركتي. وفي كل الاحوال تظل هذه الحالة جزء من التواصل والتبادل في المعلومات والاخبار بحدهما الادنى.

بالتاكيد هناك كثير من البريد المرسل والموزع والذي يصلني فيه نافع ومفيد، للمعرفة العامة الشحيحة ولفضول الاطلاع في افضله، ولكن هناك الكثير .. الكثير فيه من الغث الذي انزعج من ضياع الوقت في حذفه بعد اول مشاهدة، من الاسطر الاولى او الصورة الاولى، فكيف اذا تكرر ارساله من عديد الاصدقاء الذين يعرفون انهم في سلسلة متصلة وانهم يكررون الارسال حبا او ازعاجا، تعبيرا عن سوء نية او بلادة او تخلفا الكترونيا وجهلا في اهمية ما يرسلون وينامون عنها ملء جفونهم وكانها انتصارات حرب. ولا يسأل بعضهم ان المرسل له اولا وهو صديق مشترك سيرسلها لي ايضا، والازعج ان يعيد الارسال مرة اخرى، لتكون المادة الواحدة قد وصلت اكثر من مرة او مرات عديدة. رغم ان الواتس قلص السماح لعدد الارسال الى خمسة مشتركين وهذا يكشف ويزيد في التكرار والغفلة او القصد والاغاضة، اذا كانت النوايا صادقة او نزيهة. وللأسف يتصور البعض أنه ينشط على الواتس أو غيره من وسائل التواصل، أو يحسبها علاقات عامة وينسى أن التكرار المتواصل والمستمر والمدور امر مزعج ولا يحقق له رغبته في مهمته هذه، على الاقل عند المتابعين الجادين والمهتمين فعلا بالعلاقات والمتابعة.

هذا جانب مكروه ومزعج وغث لا انكار فيه. والاكثر ازعاجا وكرها ولؤما وخبثا وسوء نية يكمن في تزييف امور وانتحال نصوص كتابة او صياغة ووضع اسماء اخرى، هي المقصودة بالاساءة لها او الخبث عليها او التشويه بها، وهي ايضا في كل الاحوال اعمال مشبوهة ومقصودة، تقوم بها اجهزة امنية واستخبارية وفروع لها وفعاليات ونشاطات تؤديها بوظيفتها ومهماتها واهدافها. وهناك من يختصر كل ذلك ويتبرع بهمة وفعالية.

قبل فترة ليست قريبة نشر باسمي نص في مواقع الكترونية فيه هجوم وشتائم بذيئة على رئيس دولة، لم يكن بيني وبينه ما يستدعي ذلك اولا، وليس من اسلوبي واخلاقي التوجه بتلك المفردات ثانيا، وللاسف ان ناشره يزعم باسمي ما يكنه او يعبر عنه دون حرج ولكن بجبن ونذالة ابن الشارع المجرد من الاخلاق والاعراف وحسن النوايا. وفي الوقت نفسه الح صديق علي ان اكذّب المنشور  وارد عليه كتابة وأرسله للنشر في المواقع التي نشر فيها، واستغربت ذلك في حينه، لان الأمر أكثر من واضح لكل من يعرفه.. واصبحت اشك في شخص يدعي صداقة او يستغل علاقة بعيدة بي. لان ما ورد في النص قريب منه، اسلوبا وممارسة وقد يكون لديه مآرب في ما هدف من النص، فكرة ورسالة. وهو متخادم بلا حدود مع اجهزة تلك البلاد، وبعد معرفة به كشفوا انه مرسل لهم من اجهزة اخرى ومشتركة باجهزة ثالثة، فساقوه الى السجن زمنا ولا اعرف كيف اطلقوا سراحه وارسلوه الى بلد اوروبي. اعطاني هذا العمل الدنيء عبرة وصورة لمعاناة ما اقرأ بين فترة واخرى لرسائل منتحلة مماثلة، ينشر فيها كاتبها، ذو النفس المريضة، والاخلاق السيئة والصفات التي لا تسر حتى المتهم بها او الموصوف كرها او حقدا ما يبتغيه ويرغب به من نشر سموم واكاذيب ملفقة وفاضحة لمحتواه وانائه. واضحك متسائلا ما الذي يدفع امثال هؤلاء الى اقتراف مثل هذه الجرائم المنكرة؟. والتي تفتح شهية التخيلات والاتهامات والشكوك والفتنة بين الأطراف أو الاتجاهات المشتركة، إذا لم تكن وظيفتهم أو توظيفهم مقصودا ومرسوما لهم سلفا.

بعد التطورات التقنية في البرامجيات وتوفر امكانيات التلاعب في ترتيبها أو التصرف والتدخلات في تركيبها وتشكيلها، كما هو حاصل في برنامج الفوتوشوب، أو الفرص والإمكانات التي تعرضها بعض ألاجهزة الإلكترونية اصبح من السهل التفنن في صناعة التضليل والتزييف والخداع في النشر والتوزيع والارسال، مما وفر مجالات لما أطلق عليها، الجريمة الإلكترونية، ووضع قوانين وإجراءات وعقوبات لوقفها ومنع استغلالها واستخدامها في الابتزاز والانتهاك للخصوصية وحقوق الإنسان. ورغم كل هذا لم تتوقف مثل هكذا اعمال مخلة ومضرة، بل إن هناك من صنع ما يسمى بالذباب الالكتروني والجيوش الإعلامية الإلكترونية واضرابها. وهي كلها تفسر النعمة في هذه الوسائل والنقمة في إساءة استخدامها، والاستهتار في مجالات خدمتها والانتهاكات والارتكابات للحقوق العامة والاستفادة الفردية والجماعية منها.

معلوم للجميع أن هذه الأعمال والتطورات التقنية سيف ذو حدين، فكل طرف من أي جهة يستطيع القيام بالمثل، أو المواجهة بنفس الادوات، وهذا يستند إلى القابليات الفنية والتوجهات والتوجيهات وأساليب الاستخدام والاستهداف منها، وتشغل المشترك والقارئ غير المرتبط بخططها أو اهدافها، وهنا تقع المسؤولية ويبرز مدى الوعي والإدراك لها، لخطرها أو العطب الأخلاقي والثقافي فيها أو خلالها.

ليس صعبا أن تمارس ما ترغب أو تقدم ما في داخلك وليس عصيا أن تستفيد من الثورات التقنية ووسائلها والمهم أن تستثمرها في خدمة الإنسان والمجتمع والبناء السليم لحاضر ومستقبل مشرق للجميع. ولعل الإشارة التي ابتدأت المقال فيها تقدم درسا وتعتبر جرس انذار ينبه لما في هذه الوسائل من صالح عام ونفع مشترك يمكن أن يتقدم ويتطور ويدفع الى الامام، بالعكس مما أشير له من حالات وأمراض خبيثة مزعجة بكل حال، لاسيما صناعات البرامج والمواقع والمنتديات والمدونات والمنصات الوهمية التي لا حقيقة لفعاليتها أو نشاطاتها، خاصة المشبوهة منها أمنيا وسياسيا وفكريا. إذ أن هذه الثورات التقنية المتصاعدة والمدهشة يجب أن يتطور الوعي بها ومعها الى ما يخدم ويفتح الآفاق للجميع.

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم