صحيفة المثقف

القصة وأثرها في التربية النفسية

معراج احمد الندويالقصة وسيلة من أهم الوسائل التوجيهية في حياة الإنسان، والنفس الإنسانية تلعب دورا كبيرا في يقظة الفكرية والعقلية، وتحتل المركز الأول في الأساليب الفكرية المؤثرة في عقل الإنسان. تصور القصة الحياة نفسها في جميع دقائقها ولحظاتها وتجعلنا نحيا التجربة النفسية الواحدة في نطاق أوسع وأفق أرحب إذ تطرق أبواب تفكيرنا ومشاعرنا وتسمو بخيالنا وتأملاتنا.

القصة هي حكاية تقوم على الأحداث والصراع والعقدة والحل والشخوص والزمان والمكان بهدف الإمتاع والتسلية والتعليم وتوسيع المدارك، وتعتبر القصة وسيلةً مهمةً من وسائل التعلم والتعليم وإيصال المعلومات والسلوكيات والقيم المرغوب بها، فهي عبارة عن منظومة مركبة من شخصيات وأحداث وحبكة وحلول تجذب انتباه المستمعين.

تمثل القصة خبرات وتجارب ومشاعر وأحداث الإنسان التي مرّ بها في حياته سواء الواقعية منها أو تلك التي من إبداع التخيل الانساني. تمتاز القصة بأنها تصور جوانب عديدة من الحياة. فهي تعرض الأشخاص وتصورهم بحركاتهم وأفكارهم واتجاهاتهم وأخلاقهم. حينما يتابع القارئ أحداث قصة ما ويولي اهتماماً خاصاً بالأشخاص والأحداث التي تدور بينهم، فإنه يتوصل إلى تحليل نفسي لكل شخصية من الأشخاص فيعرف ما تفكر فيه هذه الشخصية.

التربية النفسية هي تثقيف الأشخاص الذين يعانون من حالة صحية عقلية. وفي أغلب الأحيان يتضمن التدريب التربوي النفسي الأشخاص الذين يعانون من الفصام والاكتئاب واضطرابات القلق وأمراض الذهان واضطريبات الشخصية. التربية عبارة عن مجموعة من العمليّات التي يتم من خلالها نقل المعلومات والمعارف والخبرات المكتسبة من شخصٍ لآخر ومن جيل إلى جيل من أجل المحافظة على بقائه، وتخضع هذه العمليّة إلى التطوّر والنمو والتغيّر تبعاً لتغيّر الظروف، ثم تنقسم التربية إلى التربية الجسديّة والدينيّة والنفسيّة والتربية الاجتماعيّة. وللتربية دور كبير في بناء شخصيّة الفرد وتكوينها بشكلٍ كاملٍ من جميع الجهات الشخصيّة والجسديّة والنفسيّة وتحقيق التوازن بين جميع هذه الصفات.

إن العقل البشري مبرمج ليستقبل أنماطا متتابعة لأحداث القصص ويخزنها في الذاكرة طويلة المدى، وعليه فإن العقل معالج فعّال للقصص الحقيقية والخيالية، إذ تعتبر القصص طريقة مثالية لتعزيز القيم وتطوير الشخصية، لأنها هي أدوات تعليمية ممتازة لمعالجة عواطفهم الجياشة ومشاعرهم. والقصة تربي على الاعتداد بالنفس والجرأة والشجاعة والصدق وحب الخير للآخرين والانضباط عند الغضب.

تتضمن القصص الكثير من الأمثلة والحكمة والمواعظ، ولها أنواع كثيرة حسب الموضوع أو الغاية كالدينية والخوارق والإنتقاد الاجتماعي وقصص الحيوانات والقصص الفكاهية وهناك ما هي خاصة بالاطفال وأخرى للكبار، إلا أن العديد منها يعبر عن قضايا واقعية تتمثل في الفقر والعدل والحرية. إن القصة تعبر عامة عن فلسفة بسيطة لا تعقيد فيها وتكون بمثابة فهم الانسان فهما أولياً في أثناء بحثه عن التأقلم مع الواقع ورغبته في تحقيق الراحة والاستقرار. كذلك تتميز بقدرتها على التأثير والتزود بخبرات وتجارب وثقافات تمس وجدان الفرد وتمنحه الاحساس بالانتماء للجماعة والانسجام معها، وكذلك تمنح القصة الاحساس بالأمان والشعور بأن سلوكياتهم متفقة مع المفاهيم السائدة.

لاشك في أن القصة من الفنون القديمة التي استخدمت على مر العصور لأغراض كثيرة ، وكان لها وقعها الكبير على المستمع بحيث صارت تشكل جزءاً مهماً من الثقافة لكل مجتمع وكل أمة، وذلك لأنها تحكي عن واقع أو عن طريقة تفكير حتى في مسألة الخيال والتخيل، فإنها تعكس نوعا من الثقافة التي يعيشها أي مجتمع. وإذا كان هذا حال القصة فإنها تكون وسيلة كبيرة في تثقيف أي مجتمع أو أي شخص بالأفكار.

ولا تزال القصة وعلى مر الزمن عنصر جذبٍ واهتمامٍ كبير للصغار والكبار على حد سواء، ومادة قيّمة لنقل الأفكار والقيم وتسلية للنفوس مع تحقيق الأهداف المبتغاة، وهي تخاطب اللاشعور في الإنسان وتحاكي وجدانه من حيث يشعر بذلك أم لا يشعر فإنها تخزن في عقله الأفكار. فالقصة وسيلة من الوسائل التربية النفسية سواء أكان قيما دينية أم وأخلاقية أم توجيهات سلوكيات أم اجتماعية.

ولا تزال القصة هي فارس الميدان الأول في وسائل التربية والتوجيه، ولها دور رئيسي في قدرتها على التأثير والتزويد بخبرات وتجارب وثقافات تمس وجدان الفرد وتمنحه الاحساس بالانتماء للجماعة والانسجام معها. هكذا تساهم القصة في مساندة الإنسان في التعلم وإكتساب القيم الاخلاقي.

 

الدكتور معراج أحمد معراج الندوي - الهند

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم